اقتصاد عربي نُشر

مليارات البترودولارات ذهبت هباء في تطوير عقارات للمضاربة.. لا للتنمية


تضاعفت أسعار النفط تقريبا منذ بداية العام الحالي، وبلغت مستوى 70 - 80 دولارا للبرميل،

وهو المستوى الضروري لضمان عائدات تحقق نشاطا اقتصاديا نابضا بالحياة في دول الخليج.
وارتفعت مؤشرات الأسهم في السعودية والامارات، التي تشكل ثلثي القيمة السوقية للأسهم الخليجية، بنحو الثلث. كما تراجعت الفوارق في الأسعار على مقايضة العجز عن سداد الائتمان السيادي باطراد.
وكان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي قال هذا الشهر «انني على ثقة أن الأسوأ قد مر وأنه مع استقرار الاقتصاد العالمي، فان دبي اليوم هي في موقع جيد يمكنها من استغلال والاستفادة من قوتها المتأصلة».
وفي أثناء الصيف، أظهر تقرير لدون آند برادستريت بشأن تفاؤل الشركات في السعودية تزايد الثقة في جميع القطاعات، مع تأكيد نصف من استطلعت آراؤهم وجود خطط لتوسيع أعمالهم وشركاتهم.
لكن اقتصادات الخليج التي التقطت نفسها من القعر، سترتكب خطأ وستضيع فرصة من بين يديها اذا ما نفضت الغبار عن نفسها ومضت قدما وكأن شيئا لم يكن.
ففي بعض النواحي، أقرت الأجهزة التنظيمية والمصرفيون في الخليج بالموضوعات التي تتطلب اصلاحا في القطاع المالي والتي كان لها صدى لدى الغرب. وقد شكلت الرغبة في توسيع نطاق التنظيم وضمان وجود خطوط واضحة للمسؤولية التنظيمية والرقابية، محور تلك الاصلاحات. وسيتم فرض تنظيم أشد صرامة على مؤسسات كصناديق التحوط ووكالات التصنيف، التي سيكون لها تأثير كبير على نشاط الأسواق المالية. وصرامة التنظيم ستنسحب أيضا على البنوك.
وقد شكل تعزيز التنظيم جزءا مكملا من عملية تطور الأسواق المالية في الخليج، وسبق الأزمة الراهنة. ففي البحرين وضعت أنشطة التأمين والسوق المالي تحت سلطة مؤسسة نقد البحرين في 2002.
وفي السعودية، دعمت التنظيمات الخاصة بالتأمين منذ أن وضعت تحت سلطة مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، في حين وضعت أنشطة سوق المال، بعد أن خضعت في بادئ الأمر الى رقابة مؤسسة النقد العربي السعودي، تحت رقابة هيئة منفصلة لسوق المال.
غير أن مجالات أخرى حظيت بتركيز لدى الدول الغربية، لم تجد لها صدى في منطقة الخليج. فمكافآت المسؤولين التنفيذيين في المنطقة لم تصل بعد للمستويات التي بلغها نظراؤهم في لندن ونيويورك، وبالتالي فان موضوع أجور التنفيذيين لا يشكل أولوية للاصلاح.
لكن منطقة الخليج لديها دروس خاصة بها ناجمة عن الأزمة الأخيرة ينبغي عليها أن تتعلمها والافادة منها. وهي دروس ترتبط بخصوصية المنطقة وبهيكليتها الاقتصادية وبمرحلة التطور الحالية التي بلغتها.
فاقتصادات المنطقة ستبقي مدفوعة بالايرادات النفطية، وهو ما سيجعلها خاضعة للصعود والهبوط. مما يوجب على الحكومات الخليجية أن تجد طريقة لتجنب تمويل مستويات عالية من السيولة لمضاربات واستثمارات مبالغ فيها. ففترات الازدهار غير المستدامة في قطاع تشييد العقار لا تفيد التنمية في المنطقة على المدى البعيد. بل تعمل على افراز أرضية خصبة للفساد في الوقت الذي يتطلب الأمر سنوات لإنهاء مشكلة الآثار السلبية للعقارات غير المباعة والمبالغ في أسعارها المرتفعة.
ويمكن للبنوك المركزية في المنطقة أن تقدم على فعل المزيد لكبح جماح حماس وشهية البنوك والشركات الاستثمارية تجاه العقارات، وفي الوقت ذاته ينبغي على الحكومات أن تلعب دورا تتحمل فيه مسؤولية تجاه هذه القضية. فالعديد من المشروعات العقارية الكبرى ترعاها الحكومة والكثير أيضا مملوك لشركات شبه حكومية ترتبط ارتباطا وثيقا بالعائلات الحاكمة.
والموضوع الأكثر جوهرية يتعلق بضرورة أن تقوم الحكومات بفعل المزيد لتنويع اقتصاداتها وتعميقها. فبينما يحتاج الملايين من المواطنين الخليجيين الشباب وظائف حقيقية، فان ذلك يمنحهم حصة في اقتصاداتهم ومجتمعاتهم، في حين أن مليارات الدولارات من الفوائض المالية صبت في تطوير عقارات غير ضرورية أو ذهبت ببساطة الى الخارج لتمويل مشروعات تجارية أو لتمويل عمليات المضاربة.
ان تعلم وسائل جديدة لتسخير السيولة الفائضة في سبيل التنمية المحلية هو الدرس الأفضل الذي يمكن لدول الخليج أن تتعلمه وتستفيد منه من الأزمة المالية الأخيرة.

أندرو كانينغهام
مدير عام فايننشال سيرفيس فولنتير كوربس
خلاصة
صرفت حكومات الخليج مليارات الدولارات من فوائض الايرادات النفطية في تطوير مشروعات عقارية غير ضرورية وتمويل عمليات مضاربة، من دون أن تفعل ما يلزم لتنويع اقتصاداتها وتعميقها. وسترتكب دول المنطقة خطأ اذا ما نفضت غبار الأزمة عن نفسها ومضت قدما وكأن شيئا لم يكن. فخصوصية المنطقة تفرض عليها وجوب تسخير سيولتها الفائضة في تحقيق تنمية مستدامة.


 

مواضيع ذات صلة :