اقتصاد عربي نُشر

3 تحديات أمام حكومات المنطقة

أظهر الاستطلاع السنوي العالمي الرابع عشر لآراء المديرين التنفيذيين، الذي تجريه شركة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC)، عودة واضحة للتفاؤل في أوساط القطاع الخاص في البلدان الأكثر تضرراً من أزمة الركود العالمي، الا أن القطاع العام في كثير من البلدان يواجه الآن تحديات خاصة به، مع سعي الحكومات الدؤوب للسيطرة على الانفاق العام المتزايد وادارة ديون القطاع العام.

ويتضح من الدراسة أن مديري القطاع العام يواجهون الآن عددا من التحديات التي كانت تواجه مديري القطاع الخاص ابان الأزمة: مثل الحاجة الى جذب وتحفيز أصحاب المواهب المهمين، وابتكار آليات خلاقة في اجراءات العمل من شأنها زيادة المردود.

وبالاعتماد على نتائج الاستطلاع، مضافاً اليها آراء ومعلومات قيمة من كبار صناع القرار الحكوميين، نشر «مركز بحوث القطاع العام» لدى PwC تقريره الأحدث في سلسلة آراء كبار المسؤولين الحكوميين والمديرين التنفيذيين العالميين تحت عنوان «تغيير التفكير الحكومي: تطوير الأداء».

والتهديد الرئيسي الذي يواجه قطاع الأعمال، وهو القلق وعدم الاستقرار في النمو الاقتصادي، أصبح الآن مرتبطاً بشكل عضوي بالتحدي القائم أمام الحكومات، لا سيما في الغرب، والمتمثل في تحقيق استقرارها الاقتصادي، من خلال معالجة العجز المالي وتقليص الدين الحكومي، من دون اللجوء الى زيادة الضرائب وتبعاتها المؤلمة.

وتعليقاً على نتائج الاستطلاع، قال يان ستيوريسن، مسؤول قسم الحكومات والخدمات العامة العالمي لدى PwC: «من الواضح أن مشاكل النمو الاقتصادي المضطرب والعجز المالي لا تنطبق على جميع البلدان بالتساوي، ولا سيما في الاقتصادات النامية بقوة مثل الصين والهند والبرازيل والشرق الأوسط. لكننا فوجئنا بدرجة الاجماع العالمي على التهديد الذي يواجهه قطاع الأعمال نتيجة العجز المالي».

اذ أعرب ما يقارب الثلثين (%61) من المديرين التنفيذيين خلال الاستطلاع عن قلقهم بشأن العجز المالي، بمن فيهم مديرون في بلدان لا تتخذ فيها الحكومات تدابير تقشفية قصوى في اقتصاداتها المحلية (وكان الشرق الأوسط هو الاستثناء). ولكن توجد دلائل على أن قادة الأعمال سوف يدعمون بقوة أي سياسات حكومية جديدة من شأنها تعزيز النمو بشكل مستدام اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً، حيث وافق %72 منهم على هذا الطرح.

أبرز التحديات

وتتضمن التحديات التي حددها المديرون التنفيذيون في الشرق الأوسط (مرتبة حسب الأولوية): تحسين البنية التحتية الوطنية، وضمان استقرار القطاع المالي وتوافر فرص التمويل، وإعداد العمالة الماهرة.

من جانبه، قال ديفيد ستيفنز، مسؤول قسم الأداء الحكومي في الشرق الأوسط لدى PwC: «تشكل هذه الأولويات الثلاث بالنسبة للحكومات ضرورة ملحة لخلق وظائف وفرص مشاريع جديدة، تلبي احتياجات الأعداد المتزايدة باطراد من الشباب في منطقة الشرق الأوسط».

فما الإجراءات التي ينبغي للحكومات اتخاذها في سبيل التصدي لهذه التحديات؟

• معالجة العجز المالي: خفض التكاليف وإدارة المخاطر إجراءات ضرورية لكنها غير كافية. وهناك حاجة لإدارة الاستثمار بطرق مبتكرة وخلاقة، وتقديم الخدمات العامة بتكلفة أقل من خلال المشاريع المشتركة والتحالفات والشراكات بين القطاعين العام والخاص.

• التحسب للمستقبل: ينبغي على الحكومات، حتى وإن لم تكن تعاني من ضغوط راهنة ملحة في الميزانية، أن تعير الانتباه للمستقبل في إدارة أنشطتها للحد من مخاطر التعرض للمشاكل في السنوات المقبلة.

• تشجيع النمو المستدام: يجب على الحكومات التركيز على الاستدامة بمفهومها الأوسع، وليس من خلال منظور محدود وإصلاحات مجتزأة.

دور الدولة

ويضيف ديفيد ستيفنز: «من وجهة نظرنا، يجب على الحكومات إعادة النظر في دور الدولة في القرن الحادي والعشرين، وصياغة سياسات تحقق النمو المستدام، ومعالجة أوضاعها المالية، وابتكار إجراءات وأساليب جديدة وخلاقة من شأنها تقليل الإجراءات وزيادة المردود. وحتى حكومات المنطقة التي لا تعاني الآن من ضغوط مالية ملحة، سوف تستفيد من تغيير أدائها والتحسب للمستقبل في أنشطتها بحيث تقلل من خطر التعرض لمثل هذه المشاكل في المستقبل».

ومن الرسائل الرئيسية التي أظهرها الاستطلاع مدى الدعم الذي أبداه قادة الأعمال لمسألة التعاون، حيث رأى %54 أن الشراكة بين الحكومة والأعمال فعالة للغاية في التصدي للمخاطر العالمية المختلفة، من مشاكل التغير المناخي إلى الأزمات المالية. ومن أبرز الأمثلة على ضرورة التعاون قضية تطوير البنية التحتية، وهي من الأولويات القصوى في منطقة الشرق الأوسط.

وفي هذا الصدد، يقول نيل برودهيد، مسؤول قسم المشاريع الكبرى والبنية التحتية في الشرق الأوسط لدى PwC: «في ظل الحاجة الملحة للاستثمارات في البنية التحتية، والتي تتزامن مع تركيز العديد من الحكومات على التمعن في كل بند في ميزانياتها، يكتسب دور القطاع الخاص في تمويل وتطوير البنية التحتية أهمية حاسمة أكثر من أي وقت مضى. فقطاعات واسعة من البنية التحتية القائمة في العالم المتقدم أصبحت قاصرة، والطلب على البنية التحتية الجديدة في الاقتصادات النامية في تزايد مستمر. والحجم الهائل لمتطلبات تمويل هذه البنى التحتية يتخطى إمكانات الحكومات منفردة، وهي بحاجة للتعاون مع القطاع الخاص وتنشيط أسواق رأس المال كمصدر للتمويل».

لكن الوضع يختلف حين يتعلق الأمر بترجمة الأقوال إلى أفعال في قضايا رئيسية مثل التنسيق الدولي بخصوص الضرائب والتشريعات، إذ يتوقع %40 فقط أن يتم التعاون بين الحكومات في إعداد تشريعات جديدة متسقة، أو أن تتجه السياسات الضريبية والرسوم نحو المزيد من الانسجام والتلاقي بين الدول. والتنافس الدولي لجذب الاستثمارات وأصحاب المواهب في قطاع الأعمال لا يزال يشكل جانباً أساسياً في توقعات المديرين التنفيذيين المستقبلية.

ويخلص يان ستيوريسن إلى القول: «يتطلب التعاون مشاركة راسخة ومستمرة، وقدراً كبيراً من الجهد والكثير من الإبداع. فالتفكير المستقبلي بعيد المدى وتطوير العلاقات والشراكات والتدابير الحكومية الفعالة، جميعها مستلزمات أساسية لتحقيق النتائج المرجوة».
المصدر : القبس

مواضيع ذات صلة :