قال تقرير أداء سوق الدخل الثابت بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لشهر يناير الجاري الصادر عن شركة “كامكو للاستثمار” بعض الأحداث الرئيسية التي شهدها العام 2016، مثل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، أن ينتج عنها انعكاسات طويلة الأجل من شأنها التأثير على نمو الاقتصاد العالمي. كما يتوقع ارتفاع مستويات عدم اليقين، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث تقلبات على مستوى كافة فئات الأصول. إضافة إلى ذلك، يبدو أن التركيز قد بدأ في التحول بعيداً عن الأسواق الناشئة ويتوجه نحو الأسواق المتقدمة كما شهدنا على مدار العام، في محاولة من قبل المستثمرين للاستفادة من الارتفاع الكبير لمعدلات النمو الاقتصادي الأميركي في أعقاب النتائج غير المتوقعة للانتخابات الأميركية.
علاوة على ذلك، بدأت معدلات النمو الاقتصادي ترتفع في أوروبا مع تراجع معدلات الباحثين عن العمل وارتفاع مستويات التضخم، حيث يبحث البنك المركزي الأوربي في الوقت الراهن كيفية التخفيف من برنامج التيسير الكمي.
من جانب آخر، بعد ان قامت الأسواق الناشئة بدفع معدلات النمو الاقتصادي العالمي لأكثر من عقد من الزمن فإنه يتوقع لها الآن اخذ قسطاً من الراحة قبل أن تشهد تحسن أوضاعها، لا سيما تلك الاقتصادات الكبرى مثل الصين، والتي تشهد تراكم عالي للديون وتراجع التأثير الهامشي على نمو الناتج المحلي الإجمالي.
كما يعتبر العام 2016 نقطة تحول على عدة اصعدة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيما يتعلق بأسواق رأس المال. حيث شهدت دول مجلس التعاون الخليجي قدراً عالياً من التقلبات في سوق رأس المال الأساسي الخاص بها، ألا وهو سوق الأوراق المالية، وذلك بسبب تراجع أسعار النفط، في حين اضطرت الحكومات إلى اللجوء إلى سوق الدخل الثابت غير المستغل لتمويل عجز الموازنة بما أعطى دفعة لازدياد عدد الأدوات المتوافرة على نطاق أدوات الدخل الثابت.
سوق الدخل الثابت العالمي:
كان العام 2016 متقلباً بالنسبة لمعدلات الفائدة الأميركية، حيث بلغ العائد على سندات الخزينة لأجل عشر سنوات أدنى مستوياته على الإطلاق بنسبة 1.36 في المائة بمنتصف العام إلا انه عكس اتجاهه بنهاية العام. بالإضافة إلى ذلك، كان لوقع الأحداث العالمية على الخزانة الأميركية (مثل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي والانتخابات الأميركية والاستفتاء الإيطالي) تأثيراً على طلب تلك الأدوات. كما أن سياسة الفيدرالي الأميركي التي اتبعها على مدى العامين الأخيرين برفع أسعار الفائدة مرة واحدة سنوياً يتوقع لها ان تتسارع خلال العام 2017، حيث نتوقع تطبيق رفع أسعار الفائدة مرتين على الأقل خلال العام بناءً على ارتفاع معدلات التضخم وثبات الأجور والتوظيف وارتفاع
معدلات النمو الاقتصادي.
أما في أوروبا، فقد أثرت أسعار الفائدة السلبية على ربحية المصارف الأوربية خلال معظم فترات العام 2016، إلا انه بحلول نهاية العام عكس البنك المركزي الأوربي سياسته المتبعة للشراء الموسع للسندات ورفع القيود المفروضة على شراء السندات. وتشير السياسة الجديدة نحو وضع حد لعمليات شراء الأصول وإلى قيام البنك الأوروبي المركزي برفع أسعار الفائدة في العام 2018.
هذا ولا تزال سوق السندات العالمي تخضع لهيمنة الدول المتقدمة والصين التي تستحوذ على حصة الأسد من السوق. أما من حيث نوعية الأدوات، فإن أداوت الدخل الثابت هي الخيار المفضل.
أما من حيث إصدارات سندات الشركات مرتفعة العائد والتي تراجعت على مدى السنوات الأربع الماضية، فإنه يتوقع أن يشهد العام 2017 نمواً أكبر للإصدارات مع تزايد أنشطة الدمج والاستحواذ، وخاصة على نطاق التكنولوجيا والإعلام والاتصالات. بالإضافة إلى ذلك، فإنه قبل قيام الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة خلال العام، ستقوم الشركات ببحث إعادة تمويل ديونها وخاصة خلال النصف الأول من العام. إلى جانب ذلك، فإنه مع ارتفاع عوائد السندات سيكون لذلك وقع معاكس على الأسعار بما قد يدفع المستثمرين الناظرين بعين الاعتبار لأصول الملكية لتحريك ملكياتهم خارج صناديق السندات.
سوق سندات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
تشكل السندات جزءاً ضئيلاً من إجمالي أصول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقارنة بباقي اقتصادات العالم. ووفقاً لأحدث البيانات المتوفرة ضمن تقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي (أكتوبر 2014) فإن المتوسط العالمي لإجمالي سندات الدين كنسبة من الحجم الإجمالي لسوق رأس المال (إجمالي القيمة السوقية لسوق الأوراق المالية، موجودات البنوك، وسندات الدين) يبلغ نسبة 35 في المائة، إلا انه بلغ نسبة 7 في المائة فقط بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو المستوى الأدنى في العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن نصيب الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي كانت أيضاً الأدنى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
اصدار السندات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مليار دولار أميركي):
وعلى الصعيد الإيجابي، شهد العام 2016 عودة لإصدارات السندات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدافع من الإصدارات السيادية لتمويل نفقات الموازنة. وقد بلغت إصدارات السندات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العام 2016 اعلى مستوياتها منذ الأزمة المالية، حيث سجلت 75.8 مليار دولار أميركي بنمو بلغت نسبته 81 في المائة على أساس سنوي.
سوق صكوك الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
واصل سوق الصكوك تراجعه المستمر على مدى السنوات الأربع الماضية. ووفقاً لموطن الإصدار، سيطرت السعودية على السوق في العام 2015، في حين كان العام 2016 من نصيب البحرين وقطر حيث تحول تركيز السعودية نحو إصدار السندات العالمية عوضاً عن تركيزها السابق على سوق الصكوك. أما فيما يتعلق بنوع الأداة، فكانت الإجارة هي الهيكل المفضل.
وكان تراجع إصدار الصكوك السيادية في العام 2016 لصالح السندات التقليدية العالمية بهدف الاستفادة من السيولة المتوفرة لدى المستثمرين الدوليين هو السبب الرئيسي لتراجع إجمالي إصدارات الصكوك خلال العام 2016. إلا اننا نرى انه يوجد فراغ بالنسبة للمستثمرين المحليين على صعيد الصكوك، بما من شأنه أن يزيد من جاذبية الإصدارات المستقبلية.
ونتوقع أن تكون ماليزيا أكبر مصدر للصكوك في العام 2017، إلا أنه من المتوقع أن تنخفض حصة الدولة نتيجة لسياسات بنكها المركزي. إلا اننا نرى أن هذا التراجع سيعادله ارتفاع إصدارات دول مجلس التعاون الخليجي والتي يتوقع لها التطرق إلى سوق الصكوك بهدف تمويل عجز الموازنات.
إلا ان أدوات تمويل الدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال تمثل جزئاً ضئيلاً من إجمالي سوق رأس المال مقارنة بالأسواق العالمية الأخرى. وقد كان نصيب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو الأدنى مقارنة بكافة الأسواق الإقليمية الأخرى على مستوى العالم.
كما انه على الرغم من النمو القوي، إلا ان التمويل الإسلامي لايزال يمثل حصة ضئيلة من إجمالي الأًصول المالية العالمية. حيث بلغ إجمالي أصول قطاع البنوك العالمي 162 تريليون دولار أميركي بنهاية العام 2015 مقابل 1.5 تريليون دولار أميركي فقط لأصول البنوك الإسلامية. وحافظت دول مجلس التعاون الخليجي على ريادتها الإقليمية من حيث الأصول، بإجمالي 922 مليار دولار أميركي نظراً لمساعدة الميزانيات القوية في امتصاص صدمة تراجع أسعار النفط.
هذا وتبحث اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بشكل متزايد عن مصادر بديلة لتمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى القائمة في المنطقة. كما يتم تشجيع القطاع الخاص على المشاركة، وهو أمر من شأنه ان يتطلب سوق جيد التنظيم للدخل الثابت كمصدر للتمويل. إلا انه يتوجب على الحكومات قيادة السوق من حيث إصدار السندات لكافة آجال الاستحقاق، حتى يتوفر “منحنى العائد” والذي يمكن استخدامه لتسعير الأوراق المالية الأخرى ذات الدخل الثابت.
الآفاق المستقبلية لسوق الدخل الثابت بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
مع رفع أسعار الفائدة المتوقع للفيدرالي الأميركي في العام 2017، فإن الجهات التنظيمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف تتفاعل وفقاً لسياسات الفيدرالي الأميركي نظراً لارتباط عملات معظم تلك الدول بالدولار الأميركي. كما أن تراجع أسعار النفط يعد من الأسباب الجوهرية لانخفاض مبادرات الانفاق في الدول المصدرة للنفط. إلا انه مع تحسن رؤية أوضاع السوق واتجاه أسعار النفط نحو الصعود، فإنه من المتوقع أن تتلقى دورة الاستثمار دفعة من كلا من اصدارات الحكومة والشركات التي يتوقع لها ان تتطرق إلى أسواق السندات والصكوك.
ويعد دور الحكومة حاسماً في تطوير سوق الدخل الثابت على نطاق واسع في المنطقة. فعلى الصعيد الإيجابي، فإن تراجع أسعار النفط قد دفع حكومات دول مجلس التعاون الخليجي نحو التطرق إلى سوق السندات التقليدية العالمي والذي نرى انه سيكون محركاً نحو المزيد من الإصدارات المحلية. كما ان تزايد مستوى التنظيم المؤسسي لأسواق الدخل الثابت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من شأنه زيادة اتساع السوق في المنطقة.
(الوطن)