الأخبار نُشر

البنوك المركزية تدفع الثمن باهظا

فيما الأسواق تتكيف سريعا..

البنوك المركزية تدفع الثمن باهظا


لقد حدث كثير من الأضرار التي توقعنا أن تلحق بأسعار السندات والأسهم هذا العام، الأسواق تتكيف سريعا مع عالم جديد يتسم بتضخم مرتفع في معظم الدول المتقدمة، إنها تعتاد على الحاجة إلى ارتفاع أسعار الفائدة لمكافحة ارتفاع الأسعار بإبطاء الاقتصادات.

حكمت البنوك المركزية الرائدة الأسواق، لذلك فإن دراستها مهمة لرؤية مستقبل الاقتصادات والأصول المالية.

الأسواق الآسيوية قادتها الصين واليابان، اللتان أدارتا التضخم بشكل جيد حيث حافظتا عليه عند نحو 2.5 في المائة، على الرغم من تعرضهما لارتفاعات كبيرة في تكاليف الطاقة والمواد الغذائية، ومارست الدولتان أيضا سيطرة معقولة على معروض النقود والائتمان خلال عمليات الإغلاق الناجمة عن كوفيد، مع محافظة بنك الشعب الصيني على هدفه النقدي.

في المقابل، فإن البنوك المركزية الغربية الرائدة – الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا – لم تستهدف الأموال والائتمان أو تقلق بشأنهما، بينما عملت بنشاط على تعزيز التوسع الكبير لتعويض تأثير عمليات الإغلاق واضطرابات سلاسل التوريد في النشاط العام، واستمرت كل منها في حملة توفير الأموال حتى وقت متأخر من الانتعاش وانتهى بها الأمر بتضخم يصل إلى أرقام زوجية.

قدم الاحتياطي الفيدرالي أكبر دفعة تعزيزية لاقتصاده، وقرر بدءا من الربع الثاني من هذا العام إنهاء جميع عمليات توفير الأموال، وخفض ميزانيته العمومية المتضخمة ورفع أسعار الفائدة بقوة من المستويات المنخفضة للغاية لإظهار إصراره على القضاء على التضخم، وأدى هذا إلى عمليات بيع حادة في السندات وكثير من الأسهم، ولا سيما نجاحات النمو في السوق الصاعدة الطويلة.

كان بنك إنجلترا أوّل من أنهى عملية توفير الأموال، حيث أوقفها في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ويحاول الآن تحقيق التوازن بين الحاجة إلى أسعار فائدة مرتفعة لمعالجة التضخم مقابل خطر أن يصبح متشددا لدرجة يتسبب بحدوث ركود في العام المقبل، حيث اختار الخميس رفع سعر الفائدة الرئيس 0.5 نقطة مئوية.

لكن البنك المركزي الذي يعاني أشد المعاناة هو البنك المركزي الأوروبي.

أبقيت صندوق “فاينانشال تايمز” خارج الأسهم القارية لعدة أسباب، بخلاف الانكشاف الصغير غير المباشر من خلال الاحتفاظ بالمؤشر العالمي، ويعاني اقتصاد الاتحاد الأوروبي نقصا في الطاقة، الذي ازداد سوءا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والحاجة إلى إخراج الطاقة الروسية من مصادر الإمداد الأوروبية.

لقد تضرر بشكل مباشر من الحرب والعقوبات أكثر من الولايات المتحدة، من ناحية تغير المناخ، شرع في مسار صافي صفري قوي ما يعني إغلاق كثير من صناعاته التقليدية أو تكييفها.

لا تزال منطقة اليورو منقسمة بين الدول ذات الفائض التي تولّد مزيدا من عملة اليورو من التجارة والنجاح الاقتصادي، والدول ذات العجز التي تعاني نقص العملة وتحتاج إلى الاقتراض بشكل أكبر، وكان مخطط اليورو الأصلي يحتوي على عناصر جرمانية قوية، وكان على كل دولة عضوة أن تبقي عجز ميزانيتها تحت السيطرة وكانت مسؤولة عن الاقتراض الخاص بها، ولا يسمح للبنك المركزي بمساعدة الدول الأعضاء على تمويل حالات العجز المفرطة، بل كان يترتب على الدول التي تعاني عجزا أن تخفض الإنفاق أو تزيد الضرائب.

اليوم، هناك كثير من الراغبين في تخفيف هذه القواعد الصارمة، تم تعليق الحاجة إلى إبقاء عجز الدولة عند 3 في المائة وديون الدولة عند 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويتم إيداع فوائض ألمانيا وبعض الدول الأخرى في البنك المركزي الأوروبي، الذي يقرضها للدول التي تعاني عجزا في أسعار فائدة صفرية لضمان تسويات سلسة داخل المنطقة.

يناقش البنك المركزي الأوروبي كيف يمكنه ضمان انتقال سياسته عبر المنطقة، وهذا حديث جميل لمحاولة إبقاء أسعار فائدة الاقتراض منخفضة للقروض ذات الأجل الطويل والقصير بأسعار فائدة متشابهة في جميع الدول الأعضاء.

يحدد البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة قصير الأجل نفسه للمنطقة بأكملها لكنه لا يحدد أسعار الفائدة التي يمكن للأفراد والشركات الاقتراض بها من البنوك التجارية في الدول المختلفة، ولا يمكنه تحديد أسعار الفائدة التي يتعين على الدول دفعها لتغطية فواتيرها الخاصة عن طريق الاقتراض لفترات أطول.

يخشى البنك من أن تكون تكلفة إقراض إيطاليا أعلى بكثير من تكلفة إقراض ألمانيا، إنه يريد أن تتجنب الدولة الإيطالية المثقلة بالديون الاضطرار لدفع الكثير مقابل الاقتراض الجديد والدخول في صعوبات مالية بفواتير فوائد كبيرة.

على مدار العقدين الماضيين التي كانت إيطاليا فيهما في اليورو، لم تتمكّن من خفض ديونها الحكومية، ولا تزال أعلى بكثير من الرقم المطلوب، ويحاول الاتحاد الأوروبي الآن مساعدة إيطاليا عن طريق إرسال جزء كبير من أموال التعافي المركزية في الاتحاد الأوروبي لتقليل حاجة إيطاليا إلى الاقتراض، ويتم جمع هذه الأموال على هيئة ديون للاتحاد الأوروبي.

واصل البنك المركزي الأوروبي توفير الأموال وشراء السندات حتى نهاية حزيران (يونيو)، وعندها فقط أنهى برامج شراء السندات، هناك الآن خمس دول في المنطقة يزيد فيها معدل التضخم على 10 في المائة.

مع ذلك، البنك قلق بشأن الأداء الحالي البطيء لكثير من الاقتصادات الوطنية، ويريد أن يكون قادرا على شراء سندات الدول المثقلة بالعجز لمنع أسعار الفائدة فيها من الارتفاع أكثر من اللازم، ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى إطالة أمد فوضى السياسات في السعي لتحقيق المهمة شبه المستحيلة المتمثلة في منع الركود، ووقف التضخم، وإبقاء عوائد السندات متسقة في الوقت نفسه.

ما زلت أبحث عن طرق لكسب عائد أفضل على الأموال النقدية الكبيرة التي يديرها الصندوق، بعد أن أدركت الأسواق مزيدا من الضغوط المستقبلية.

 

الاقتصادية

مواضيع ذات صلة :