اقتصاد عربي نُشر

موجة صعود جديدة للدولار في السوق الموازي مع دخول نظام سكودا مرحلة "التنفيذ الشامل"

تسجّل الأسواق العراقية منذ مطلع كانون الأول الجاري، ارتفاعاً تدريجياً في سعر صرف الدولار داخل السوق الموازي، في لحظة يتداخل فيها العامل المالي مع الضغوط السياسية والإقليمية، غير أن التطور الأكثر تأثيراً على حركة العملة جاء من المنافذ الحدودية، حيث دخل نظام التدقيق الكمركي الأوروبي “سكودا SKODA” حيّز التطبيق الفعلي بشكل شامل بعد أن كان جزئيا، ليشكّل نقطة تحوّل في آليات الاستيراد وتكاليفه، وبالتالي في حجم الطلب على الدولار.

يمثّل سكودا، وهو نظام فحص رقمي مطوّر في أوروبا، انتقالاً من نموذج كمركي يقوم على المستند التقليدي إلى منظومة تحقق آني تربط بيانات الجمارك بالمصارف والموانئ، وبمجرد بدء تشغيل النظام، لم يعد ممكناً تمرير السلع استناداً إلى فواتير منخفضة القيمة أو مستندات غير مطابقة، إذ يقوم النظام بتثبيت السعر الحقيقي للبضاعة وفق قواعد بيانات دولية، ويطابق شهادات المنشأ مع حركة التحويلات، ويمنع أي معاملة لا تتوفر فيها شفافية التمويل.

هذا التحول فرض على المستوردين إعادة تسعير التزاماتهم. فالتاجر الذي كان يعتمد على تخفيض الفاتورة بات مضطراً لشراء الدولار النقدي بالقيمة الفعلية للبضاعة، مما أدى إلى ارتفاع فوري في الطلب، أما الحاويات التي جرى تجميدها لحين استكمال البيانات، فقد ولّدت كلفاً إضافية للتخزين والنقل، وهو ضغط آخر على السيولة الأجنبية في السوق.

ويقول الخبير المالي صالح المصرفي لـ"بغداد اليوم" إن ما يحدث “ليس مجرد صدمة تقنية في المنافذ، بل انتقال في بنية الطلب على الدولار”، ويوضح أن “التشدد الرقمي الجديد رفع الطلب التجاري الحقيقي على الدولار، في وقت تزداد فيه الحساسية السياسية مع حوارات تشكيل الحكومة والزيارات الأمريكية المتلاحقة”، مشيراً إلى أن السوق “يتصرف اليوم وفق توقعات وليس وفق معاملات فقط”.

ويضيف المصرفي أن دخول ممثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى بغداد، إلى جانب كثافة وصول المسؤولين الأمريكيين، خلق حالة ترقّب لدى المتعاملين، خصوصاً أن الحديث عن تشديدات محتملة على الامتثال المصرفي أعاد المخاوف من تضييق نافذة الدولار الرسمية، الأمر الذي يدفع التجار إلى الاعتماد أكثر على السوق الموازي.

العوامل الإقليمية لعبت دوراً إضافياً. فالتوتر القائم بين طهران وتل أبيب، وحالة اللا حرب المستمرة، وملف أسعار النفط المرتبط بتطورات الحرب الروسية، كلها رفعت منسوب القلق في السوق، ويشير المصرفي إلى أن “أي تراجع في أسعار النفط سيقلل تدفق العملة الصعبة إلى البلاد، ويزيد اعتماد السوق على الدولار الموازي، ما يمنح الارتفاع الحالي زخماً إضافياً”.

ومع تراكم هذه الضغوط، يجد البنك المركزي نفسه أمام معادلة دقيقة: الامتثال لمتطلبات التدقيق الأوروبية المشددة من جهة، وضبط السيولة في السوق ومنع اتساع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي من جهة أخرى، فالنظام الجديد رفع الطلب الحقيقي على الدولار، بينما رفعت البيئة السياسية الطلب الاحترازي، وهو مزيج حساس قد ينتج موجات أعلى ما لم تُعالج الفجوات التنظيمية بسرعة.

القراءة الاقتصادية تشير إلى أن السوق يعيش مرحلة انتقالية بين نمط استيراد قديم قائم على ممارسات واسعة الهامش، ونمط جديد يقوم على التدقيق الرقمي الكامل، وفي مثل هذه المراحل، يرتفع الدولار بفعل إعادة هيكلة الكلف، قبل أن تستقر السوق لاحقاً على مستويات جديدة تتحدد وفق قدرة المؤسسات على إدارة التحول وتوفير مسارات رسمية تتناسب مع نظام سكودا، حتى لا يستمر السوق الموازي في توسيع دوره على حساب المسار النظامي.

 

تقرير: محرر الشؤون الاقتصادية في بغداد اليوم

 

موجة صعود جديدة للدولار في السوق الموازي مع دخول نظام سكودا مرحلة "التنفيذ الشامل"

مواضيع ذات صلة :