آراء وأقلام نُشر

لفت انتباه .. أمام مؤتمر الحوار الوطني المياه جوهر البقاء والسلم الاجتماعي والتنمية والاستقرار

 

ومجمل كل ذلك أركان أساسية للأمن والاستقرار والانطلاق نحو البناء والتنمية، وتهيئ للولوج لحل كل المشاكل الأخرى .

ومع إيماننا المطلق أن قضية المياه، هي القضية الرئيسية والأساسية والأولى، لأن التخفيف من حدة خطورتها، سيمهد لحل قضايا أخرى متشعبة، لها من الارتباط المباشر وغير المباشر، بالأمن والاستقرار، والأمن الغذائي، والبطالة، والبيئة ...الخ.

وليس هناك من وقت ومكان مناسبين لمناقشة قضية المياه واتخاذ الحلول، وصياغة الرؤى المناسبة أفضل من مكان مؤتمر الحوار الوطني الشامل .

إننا ندرك أن موضوع المياه لا يبدو موضوعاً مرئياً للكثير من النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، لأن تامين حاجياتهم من المياه سواء للشرب أو الاستخدامات الأخرى تتم بكل يسر وسهولة، وبتكلفة بسيطة ورخيصة، وربما البعض يتفاعل، عند التذكير بقضية المياه في المناسبات والفعاليات، وينسي ويمارس سلوكيات مدمرة بعد ساعات.

ومع كل ذلك نأمل أن يتوفق مؤتمر الحوار الوطني في التوصل إلى حلول للقضايا التي يراها ذات أولوية كبيرة، بالتزامن مع بدء مناقشة القضايا الأخرى ومنها قضية المياه، المطروحة ضمن بنود جدول اعمل المؤتمر .

وهذه القضية لم تقفز إلى طاولة الحوار بدون مرجعية، أو خلفية مناسبة، فهناك الكثير من الوثائق والاستراتيجيات، والسياسات والخطط المتراكمة في هذا المجال ظل الكثير منها حبراً على ورق، وتبقى أزمة المياه مستفحلة دون حل .

كما أن طرح قضية المياه على طاولة مؤتمر الحوار الوطني هو تعبير حقيقي عن مخرجات وتوصيات مؤتمر وطني عام عقد بصنعاء في سبتمبر من العام الماضي، ومؤتمرات فرعية - خلال شهر مايو من العام الماضي - عقدت بالمكلا (ضم حضرموت، وشبوة، والمهرة، وسقطرة) ومؤتمر فرعي بعد ن (ضم عدن، وأبين، ولحج، والضالع) ومؤتمر تعز (ضم تعز، إب البيضاء، ذمار) ومؤتمر الحديدة، (وضم الحديدة، وحجة، وريمة، والمحويت) ومؤتمر صنعاء (وضم الأمانة، ومحافظات صنعاء، وعمران، وصعدة، ومأرب، والجوف)، وجميع تلك المؤتمرات أوصت بضرورة أن تجد قضية المياه طريقها لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، وهو ما تم الاستجابة إليه .

لاشك عندما نلح بضرورة أن تجد قضية المياه الاهتمام الكبير، فإن لذلك الكثير من المبررات المنطقية، وأبرز تلك المبررات ما يتعلق بالمكونات الحياتية بمجملها، ناهيك عن ارتباطها بالسلم الاجتماعي .

ويكفي هنا الإشارة إلى مدى الفزع الذي ينتابنا عند الشعور بالاختلالات الأمنية، التي أفرزتها الأحداث.

مع أن هذه الأحداث هي من إنتاج أفراد ومغامرين تتحرك بواسطة أطراف وقوى سياسية محدودة، أمكن البحث والتدخل داخلياً وإقليمياً ودولياً لإيجاد حلول بشأنها.

أما إذا كانت القضية الأكبر والأشمل والتي تخص كل السكان، بل تصبح الحياة مرهونة بوجودها، وذات صلة بالسياسة والاقتصاد، والتنمية الاجتماعية، هي قضية المياه، فإن التدخل والحلول بيد كل أبناء المجتمع، ونحن ننظر لمؤتمر الحوار أنه يلم كل أبناء اليمن، وهم المعنيون بإيجاد المعالجات المناسبة لهذا الموضوع .

قد لايروق للبعض ربط قضية المياه بالأزمات السياسية .

نقول لمثل هؤلاء أن الأزمات السياسية قد تغذيها نزعات فردية محدودة تشعر أن مصالحها تتعرض للخطر، ولكن إذا ما تفاقمت المشكلة المائية إلى مستوى الأزمة المستعصية، عند ذلك يصبح السلم الاجتماعي كله أمام خطر داهم يصعب السيطرة عليه، وتعني المقاومة في هذه الحالة مقاومة الموت من أجل الحياة .

لا نقول هذا من باب التخويف والتخمين أو الوقوف أمام قدرة الله الرحيم بعباده، فثقتي بالله سبحانه وتعالى لا تتزعزع أبداً، ولكن الله سبحانه وتعالى لايحب عباده المسرفين، غير المتدبرين غير المدبرين، الذين يلقون بأنفسهم إلى التهلكة .

في موضوع المياه، نحن في تجاهلنا هذه القضية كثيراً، وتنكرنا لحكمة ورؤية الآباء والأجداد الذين تعاملوا مع المياه كثروة حياة وبقاء حرصوا على استغلال كل قطرة بحكمة وبما يخدم ويلبي احتياجاتهم المختلفة، وحصدوا كل قطراتها القادمة من السماء بكل السبل الممكنة.

أما اليوم فإن الوضع المائي، في اليمن معقد للغاية،، والأسباب أصبحت معروفة ويفهمها كل شخص وتتلخص المشكلة بكل بساطة، في أن اليمن تقع في منطقة شبه جافة، كل مصدرها من مياه الأمطار المتذبذبة، ليس فيها أنهار أو ثلوج، حاجتها من المياه تتزايد بفعل النمو السكاني المرتفع .

وبنفس الوقت هناك ضعف وعشوائية في الإدارة المائية وهناك تجاهل وأنانية في استنزاف الموارد الجوفية التي تجمعت عبر آلاف السنين تنهب حاليا دون رادع، مما يجعل مصير حياة الأجيال القادمة في مهب الريح.

ولذلك عندما نطالب أن تجد قضية المياه طريقها إلى دائرة الحوار الوطني فإننا نكون بذلك ندافع عن حياة حاضرنا وحياة أجيال المستقبل وكل هدفنا هو تأمين الحصول على المياه ليس فقط للشرب وإنما أيضا لكل الاحتياجات الأخرى فالأزمة المائية تعني بطء مسيرة التنمية وأول قطاع يصاب بالإرهاق هو قطاع المياه نفسه، فالملاحظ أن الجهات الرسمية المعنية بتأمين المياه للسكان في المدن أصبحت غير قادرة على مجاراة متطلبات التوسع السكاني والتنمية الصناعية والمنشآت السياحية مما يجبر كافة المرافق على شراء حاجاتها من مصادر خاصة.

إن احتياجات الفرد للمياه في المدينة بحسب التطور الاقتصادي والاجتماعي والصحي وبحسب مصادر منظمة الصحة العالمية فإنها تتراوح بين 150 - 130لتراً في اليوم للشرب وللأغراض المنزلية أما ما هو متاح حالياً في اليمن فإن نصيب الفرد لا يزيد عن 64 لتراً في اليوم أما الاحتياجات في المناطق الريفية كما حددتها منظمة الصحة العالمية فهو 80 - 60 لتراً في اليوم بينما لا يتجاوز في اليمن 21 لتراً من المياه للفرد، كما تشير بعض المصادر.

إن العديد من المناطق اليمنية بدأت تشهد تطوراً ملموساً .. ولكن تبرز شحة المياه كأول مظهر للتحدي أمام مسيرة التنمية في تلك المناطق، فهناك إمكانية أكبر لتسريع وتيرة التنمية غير أن شحة المياه تساهم في إبطاء هذا الاندفاع، فقد كان معولاً على بعض المناطق الاستنهاض بالتنمية الزراعية غير أن شحة المياه خيبت تلك الآمال .

وإذا اعتبرنا أن القطاع الزراعي هو العمود الفقري للتنمية فإن استمرار استنزاف المياه بالطريقة العشوائية يعني أن هذا القطاع سيفقد أهميته تدريجيا وسيجر معه مشاكل اقتصادية واجتماعية متعددة ومن أبرزها:

- تزايد هجرة العاطلين عن العمل من الريف إلى المدينة في ظل محدودية قدرة المدن على استيعاب المزيد من السكان وسيضاعف الضغط على سوق العمل وعلى الخدمات التي تعاني أصلاً من القصور والضعف، فالعمل الزراعي يعتمد عموماً على جميع أفراد الأسرة الريفية ولا يحتاج إلى مهارات نوعية متخصصة والعكس فإن العمل في المدن يتطلب المهارات العلمية والمعرفية، كما سيترتب أيضا مزيد من الضغط على الموارد المائية وزيادة وطأة الفقر وانتشاره بين شرائح المجتمع.

إن الزراعة تعد مهنة متأصلة ومتوارثة ولها تقاليدها وتراثها الحضاري الذي ينعكس في سلوكيات المجتمع الريفي والأسرة الريفية وليس من السهل شطبها بمجرد الانتقال إلى المدينة، حيث غالباً ما يحصل انقلاب جذري في حياة الأسرة الريفية بسبب تداخل المفاهيم وقيم وسلوكيات المجتمع الريفي مع المجتمع المدني بأشكال غير متناسقة أو مترابطة على خلفية ثقافية ومعرفية محدودة الأمر الذي قد ينتج عنه اغتراب ذاتي وذهني ونفسي.

وفي حال الاستمرار في استنزاف المياه دون ضوابط في القطاع الزراعي فإن العبء الأكبر سيقع على صغار المزارعين إذ أن أغنياء المزارعين سيتمكنون من متابعة الحصول على المياه بأي تكاليف ومن أي أعماق وسيستخدمون التكنولوجيا التي توفر تكاليف الإنتاج زراعياً ومائياً إلا أن توسعهم سيكون على حساب فقراء المزارعين الذين لا تتوفر لديهم هذه الإمكانيات وهذا من شأنه أن يعمق الفوارق بين الأغنياء والفقراء . 

وعندما يبدأ باستخراج المياه الجوفية يبدأ ارتفاع سعر استخراجه بالتصاعد ويصبح الري غير مجد اقتصادياً وسوف يؤدي إلى خسارة المساحات المروية، وعندما يصبح الري غير اقتصادي ستتضرر قطاعات أخرى كانت تعتمد على إنتاج المخرجات الزراعية، وتكشف التقارير المهتمة بدراسة ظاهرة الجفاف وشح المياه، إن مثل هذا الوضع يؤثر على العديد من مظاهر التنمية .

مواضيع ذات صلة :