في روايتي «دان براون»، اللتان تحولتا إلى فيلمين شهيرين «شفرة دافنشي» و«ملائكة وشياطين». تمت إعادة خلق قصة كنيسة روما ومقعد القديس بطرس، ودولة الفاتيكان ووضعها في إطار العصر الذي نعيش فيه، حيث جرى استدعاء الديانات ما قبل المسيحية في الرواية الأولى، بينما حضر الصراع بين العلم والدين في الثانية، وفي كليهما كان تاريخ الإنسانية يعاد ترتيبه والنظر فيه من جديد، ليس من قبل متخصصين ومؤرخين، وإنما من قبل العامة في المكتبات ومرتادي دور العرض السينمائي .
في فيلم «ملائكة وشياطين»، عمل فني لإعادة إنتاج مدينة روما، والفاتيكان في قلبها من جديد. هكذا نوع من الأدب ليس منتشرا في المكتبة العربية، وربما باستثناء رواية «عزازيل» للروائي المصري يوسف زيدان، ومن بعدها «النبطي»، لن تجد الكثير عن تلك اللحظة المثيرة تاريخيا لمولد الديانات السماوية التي تصنع تاريخها الخاص، الذي يلغي كل ما كان قبلها ثم يبدأ بعدها التاريخ «الحقيقي» للبشرية.
السياسة في الشرق هي محور البداية والنهاية لذلك يبدو فقيرا في إنتاج الأدب وغزيرا بإنتاج الصراعات السياسية والعرقية والدينية .
ظهر الدخان الأسود لبعض ممثلي الأطراف السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني من إحدى قاعات دار الرئاسة الشهير في صنعاء عبر نقطة نظام لم تكن في محلها ..فشلة محاولة الإرباك الأول للجلسة الافتتاحية لتبدأ الثانية برفع أعلام جمهورية اليمن الديمقراطية من قبل أطراف شاركوا في الحوار تحت سقف الوحدة ,بتنسيق منظم يثير ريدكالي قديم بلبلة مفتعلة في اليوم الثالث للحوار لا تستند على خلاف فكري بل على دور كمبرس يمارس قلة الأدب في ممارسته السياسة وهكذا دواليك .
هل كانت كل هذه الأحداث محض صدفة في محطة تاريخية مهمة لدوران عجلة التغيير .!
تصرف رئيس مؤتمر الحوار مع محاولات الإرباك البائسة بحزم ولم يتقمص دور الرئيس في التداخل المباشر وهنا تكمن حصافة الرجل الذي لم يظهر كحامل لاسم القديس فرانسيس، كما هي العادة أن يحمل رأس الكنيسة اسما لواحد من القديسين وسبب إعطائه لقب القديس هو اهتمامه الفائق بالفقراء وفرض هيبته على الصفوة والأغنياء.
في ظرف كهذا كان علية اقتناص الفرصة واستخدام سياسة المراضاة لو كان يفكر في الاستمرار بالرئاسة بالطريقة التقليدية .
لكنه اثبت أو حاول أن يبرق للآخرين انه سئم حكم بلد في فترة وجيزة لا تتجاوز العامين .
وما ترتب عليها، من مآزق تعيد فكرة بناء الدولة نفسها ، في ظل المواجهات المستترة و ا التاريخية بين الدين والدولة ،وحماية كهنة المعبد للقوى التقليدية المهيمنة عبر سيطرتها للثروة والقوة والقبيلة والسلاح على إرادة المجتمع في الأطراف من خلال هيمنتها على المركز .
هنا يصبح التكيف مع واقع جديد وسريع يحتاج لحكمه متوارية وباطنية سياسية وخبرة ادارية، ولكن ثمن التكيف ربما يكون الخلاص من جوهر الفكرة الدينية ذاتها. هنا، فإن رد الفعل الطبيعي يكون العودة إلى الأصول، والتقاليد، وإلى حقيقة الحاجة الإنسانية إلى «الإيمان» بالله الذي يعطي للعالم غير المحسوس معنى، ولمستقبل ما بعد الحياة تصورا ما، يجعل الحياة نفسها مقبولة.
يبقى في كل الأحوال أن الدين وهو يواجه الدولة المدنية ..والعولمة بدلا من العولمة الدينية، يحاول الظهور في أشكال إنسانية، بعضها يعود إلى تقاليد الدفاع عن الفقراء والمحرومين والإغاثة، أو التقاليد الخاصة برموز المسجد .. ولكن المواجهة أخذت أشكالا مختلفة، فالمعتدلون ركزوا على فكرة عدم التناقض بين الدين والعلم والحداثة، بل إن صيحة كبرى جرت في صفوف جماعات دينية بأن دولة المسلمين هي في جوهرها دولة مدنية، فإن الواقع الفعلي أبرز، ليس سيادة المعرفة بشؤون الدنيا في تقرير الأمور الدنيوية، وإنما النص الحرفي الديني وتفسيراته المنتمية إلى عصور قديمة. الأخطر من ذلك، أن كان المحاولات العنيفة والقسرية لوقف حركة التاريخ كلية، والعودة إلى عصور سابقة بشكل قسري وعنيف، تستخدم فيه القوة المسلحة والإجبار والاضطهاد للمرأة والأقليات الدينية لكي يبقى التاريخ على حاله أو يعود القهقرى إلى الوراء. وفي تجارب السودان وأفغانستان وإيران والصومال الكثير، مما يشير إلى أن عودة التاريخ القديم على قسوته في العصر الحديث، كان أكثر سهولة من قبول التحدي العظيم للتعامل مع العصر والبقاء فيه في آن واحد.
من يتأمل خارطة اليمن اليوم سيرى بلد ومدن مقسمة بدقة كومبيوترية مذهلة، تقطعها مئات الحواجز الثابتة وتتحرك فيها عشرات المشاعر الطيارة بالعنف والكراهية، بعناصر تتجول فيها ليل نهار سيرا على الأقدام أو بالسيارات، وتقوم بتفتيش المارة والتحرش بهم، وباقتحام البيوت، واعتقال الآمنين والاعتداء عليهم، بينما يبقى لديها ما يكفي من وقت لاختطافهم وترويعهم . فضلا عن إطلاق النار العشوائي بفوارق زمنية مدروسة تتزامن مع حالات تثير الرعب الاجتماعي المنظم .
مسئولية.....
اليمنيون بتكويناتهم السياسية المختلفة والمؤتلفة اليوم على مسافة واحدة من بناء الدولة اليمنية الحديثة التي لم يعرفوها أو يبنوها في ظل دويلات متصارعة وغير مستقرة لكنها سطرت في ذاكرة ومذكرة التاريخ اسم اليمن كجغرافيا مؤثرة ومتأثرة في الجزيرة العربية والشرق الأوسط . أفل نجم الدولة اليمنية بنموذجها الإنساني (الطاهرية والفاطمية والعامرية ...الخ) ليتسيد اسم القبيلة حاشد وبكيل ومذحج وبينهما يحظر الصراع المذهبي ببشاعة لا تنم عن الإنسان اليمني الأصيل بتسامحه المذهبي والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي مسخت الاستبداد السياسي الذي حكم وتحكم بمصير اليمنيين في التاريخ القديم والحديث .
أدرك اليمنيين ذلك وثاروفي26 سبتمبر ,14 أكتوبر على الاستبداد والاستعمار. دون أن يتمكنوا من بناء الدولة اليمنية الحديثة المركبة في ضل حضور وتسلط الدولة المركزية المتحكمة بالأطراف . وهو من أهم العوامل التي استدعت .
لذلك تؤكد وتردد الأطياف المختلفة والمؤتلفة على طاولة حوار غير منسجمة على فرصة تاريخية لكل اليمنيين لإقامة دولة لامركزية على أسس ومبادئ وشروط الدولة المدنية الحديثة.
لقد أشار الدكتور الإرياني في ندوة تمهيدية قبل 18 مارس (الدولة المدنية الحديثة بين الواقع والطموح) إلى أن مبدأ قيام الدولة المدنية الحديثة أصبح عنصرا أساسيا وهدفا ساميا من أهداف عملية التغيير عبر التداول السلمي للسلطة التي أسفر عنها ما يمكن أن نسميه الربيع العربي في اليمن ، وقال " إن هذا المبدأ لا يقتصر على التداول السلمي للسلطة فحسب بل هو مبدأ متعدد الشروط الأهداف والمضامين لأنه يلامس حياة الناس حقوقيا وسياسيا واقتصاديا وقانونيا ".
الارياني مستشار رئيس الجمهورية الحالي لليمن أبن سلاله عريقة في القضاء والحكم ولا عب رئيسي في المعادلة السياسية المختلة (أتذكر ان الشهيد الرفيق جار الله عمر قال لي في بهو اللجنة المركزية بعد عودته الصادمة والمفاجئة للنظام (الساقط) برمزه أن الارياني قال له إن ابن القاضي قال له (يكفيني أني انتصرت عليكم ) فرد جار اللة على من انتصرت على اليمن ..!! يشهد على ذلك أحياء ومناضلين أحبوا الحزب واليسار بعد حرب صيف 1994 ومنهم عبد الله بيدر ومعن دماج وصلاح الشرجبي ومصطفى راجح ...وأسماء أخرى .الارياني الدكتور اليوم يتصالح مع نفسه والبلد والناس وهو يقر ويعترف أن اليمن لم تشهد دولة مدنية منذ قيام ثورتي الـ 26 سبتمبر و الـ 14 من أكتوبر قبل نصف قرن .. لافتا إلى أن الشطر الشمالي من الوطن كان يخضع لحكم الجيش ، فيما الشطر الجنوبي من الوطن كانت تحكمه إيديولوجية صارمة وكلا الحالتين لا تسمح بقيام دولة مدنية حديثة.
وتطرق الدكتور الإرياني إلى أهم شروط قيام الدولة المدنية الحديثة .. مشيرا إلى إن هذه الدولة تأتي عبر إشاعة الديمقراطية بين جميع أبناء الوطن دون تميز في عرق أولون أو جنس أو مذهب.
وأضاف " إن الدولة المدنية تمنع أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو عصبة أو نخبة أو نزعة أيديولوجية ،وإنه يخطئ من يقول أن الدولة المدنية الحديثة لا دينية فالدولة المدنية بكل شروطها لا تعادي الدين ولا ترفضه لذلك فإن إقامة الدولة المدنية ستكون هدفا أساسيا من أهداف الحوار الوطني القادم ".
وأكد ضرورة إدراك الجميع أن الدولة المدنية بكل مقوماتها ترتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم ثقافي وسلوكي يلتزم بأسس الدولة المدنية .. مبينا أن قيام الدولة المدنية وبلوغ غاياتها لا يأتي بجرة قلم أو رفع شعار إذ لابد من وقت لبناء ثقافة الدولة المدنية في المجتمع لا ككل ولا شك أن مناهج التعليم بكل مراحله هي أنجح وسيلة لجعل الدولة المدنية واقعا وحياة.
دور رأس المال :
هنا تبرز ضرورة الشراكة الايجابية وحضور دور رئس المال ممثل بالقطاع الخاص في صنع القرار ورفع مستوى مشاركته في العملية السياسية عبر مؤتمر الحوار الوطني .
لقد سعى منتدى التنمية السياسية وشركائه الدوليين (USAID)مع مؤسسة المستثمر للصحافة على الدفع بمشاركة القطاع الخاص في الحوار الوطني عبر سلسلة حلقات نقاش أقيمت في ثلاث مدن يمنية ذات أهمية اقتصادية وتجارية (صنعاء وعدن والحديدة) وتطوير علاقة شراكة في صياغة الرؤى التنموية بين القطاع الخاص والحكومة .
أن ذلك يتطلب إصلاحات شاملة للقضاء ومكافحة الفساد وتعديل القوانين الضريبية والجمركية وقانون الاستثمار، لإيجاد بيئة مستقرة وجاذبة للمستثمرين المحليين والاستثمارات الأجنبية.