أسس الشراكة الفاعلة مع مجتمع المانحين وعوائقها (3-1)
بقلم / د. طـه أحمد الفسيل
،، تنبع فكرة الشراكة على المستوى الدولي من فكرة التعاون وهي فكرة متأصلة في المجتمع الدولي، وتنبني هذه الشراكة على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة بين الدول وبعضها البعض على المستوى الثنائي وبين الدول والهيئات والمؤسسات الدولية والإقليمية وبالذات بين الأخيرة والبلدان النامية والأقل نموا المتلقية للمساعدات والمنح والقروض التنموية وتقوم الشراكة على المستوى الدولي على أساس وجود مسئوليات وواجبات على أطراف الشراكة وعلى حد سواء ومن بين المسئوليات التي يجب على البلدان المتلقية للمساعدات والمعونات الإنمائية توفير بيئة ملائمة تساهم في تمكين هذه المساعدات من تحقيق نتائج أفضل وتأثيرات أكبر في مجالات التنمية المختلفة.
ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يعتبر الحكم الجيد والإدارة الرشيدة في الدول المتلقية الشرط الأول لجعل المساعدات التنموية والقروض الميسرة أكثر فعالية وأقوى تأثيرا ولذلك تربط الدول والمؤسسات الدولية والإقليمية المانحة مساعداتها ودعمها بالجهود التي تبذلها الدول المتلقية للمساعدات لتعزيز وتقوية جوانب الإدارة والحكم الرشيد، يأتي في مقدمتها تلك الجهود الموجهة للحد من محاربة الفساد، وكذلك تبني سياسات اقصادية ومالية صائبة وتطبيق أنظمة فعالة وقابلة للمحاسبة والمساءلة عن استخدام الموارد العامة وينطبق الأمر نفسه بالنسبة لسيادة القانون والبناء المؤسسي السليم لأجهزة الدولة وسلطاتها وتحسين بنية الأعمال ومناخ الاستثمار.
الشرط الثاني يتمثل في ملكية البلدان المتلقية «country ownership» للمساعدات التنموية بحيث تتولى هذه البلدان مزيداً من السيطرة على انفاق هذه المساعدات والقروض، بما في ذلك مسئولية اختيار وتصميم المشاريع والبرامج التنموية بصورة أساسية مع المانحين وانتهاء بتنفيذها ومتابعتها وتقييم مخرجاتها وآثارها ومع ذلك يشير واقع الحال إلى أنه عادة ما يتولى المانحون ذلك بصورة أساسية تحت مبررات عديدة أبرزها ضعف القدرات المؤسسية والبشرية والتنظيمية للبلدان المتلقية في إدارة التنمية وبالتالي مشاريعها وبرامجها. وفي ظل اختلال توازن القدرة والقوة بين الطرفين «المانحين والبلدان المتلقية» - واحياناً انعدامه - فإن ذلك تكون له عواقب وخيمة على ملكية هذه البلدان، الأمر الذي ينعكس ذلك سلباً على كفاءة وفاعلية وتأثير المساعدات والقروض التنموية ويجعلها أقل فاعلية وأقل تأثيراً.
ويتمثل الشرط الثالث في ثلاث صور مرتبطة ببعضها البعض.. التزام المانحين بتقديم وتسليم المساعدات والمعونات بكميات كافية تسمح بالشروع في دعم التنمية البشرية بصورة صحيحة وسليمة، وأن يتم تقديم هذه المساعدات بشكل يمكن التنبؤ بها، وبالتالي أهمية عدم تقييد المساعدات والمعونات التنموية فيما يعرف بالمشروطية.
استناداً إلى ماسبق، يمكن القول أن العلاقة الراهنة بين اليمن ومجتمع المانحين تتسم حالياً بعدم التكافؤ ولم تصل بعد إلى مستوى الشراكة التنموية الاقتصادية ولو في حدها الأدنى، وأن ذلك يرجع بصورة أساسية إلى أمرين رئيسيين يتمثلان في:
1- إن صنع القرار يتمركز أساساً في يد خبراء المؤسسات الدولية وفي عواصم الدول المانحة عامة، فالقرارات يتم اتخاذها مسبقاً ومجالات التدخل يتم تحديدها مسبقاً.. وفي هذا الإطار يشير مركز معلومات البنك (Bank Information Center BIC) المستقل ومركزه في واشنطن، إلى أنه في الوقت الذي تواجه فيه اليمن العديد من التحديات التنموية الكبيرة، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض احتياطي النفط وتناقص الموارد المائية، قامت مؤسستا البنك وصندوق النقد الدوليان بإقناع الحكومة اليمنية بتبني سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الرامية إلى تخفيض معدلات الانفاق الحكومي وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في البلاد.. إلا أن هذه الإصلاحات المقترحة كان من شأنها أن أثرت إلى حد كبير على مستوى ما توفره الحكومة اليمنية من خدمات أساسية للفقراء والرفع من تكلفة المعيشة، كذلك تسعى هاتان المؤسستان الدوليتان إلى تنفيذ أجندة إصلاحات اقتصادية يمكن أن تكون لها آثار كبيرة ومباشرة على مستوى الحياة اليومية للمواطنين اليمنيين، كذلك فإنه على الرغم من إصرار مؤسستي البنك وصندوق النقد الدوليين على أن ما تقومان به ليس سوى توفير الدعم لبرامج الإصلاح الاقتصادي النابعة من الحكومة اليمنية ذاتها، إلا أن هذه البرامج عادة ما يتم وضعها بطلب من هاتين المؤسستين الدوليتين كشرط مسبق لتتأهل الحكومة اليمنية للحصول على المزيد من قروض الدعم المالي.
2- تقييد المساعدات والمعونات بما في ذلك القروض التنموية الميسرة فيما يعرف بالمشروطة ( Conditionality) الأمر الذي يجعل من مساعدات وقروض المؤسسات الدولية ذات كلفة باهظة للدول المتلقية، بل إن التأثير لهذه المشروطية لا يقتصر فحسب على تقليل استفادة الدول المتلقية من المساعدات التنموية وإنما أيضاً قد يجعل من هذه المساعدات عبئاً على الدول المتلقية لها لأن مثل هذه الشروط تُقيد في أغلب الأحيان دور المؤسسات السياسية الوطنية وتحد كذلك من تطوير المؤسسات الديمقراطية فيها.
فمحاولة الوفاء بعشرات الشروط قد يصبح عائقاً صعباً أمام صانع القرار في الدول المتلقية لاتخاذ قرارات تعزز عملية الإصلاح، كذلك من غير الممكن فرض الإصلاحات المؤسسية على الدول المتلقية بواسطة شروط تأتي من الخارج، بل ينبغي تصميم هذه الإصلاحات وتطويرها من الداخل.