في الشهر الماضي «ابريل» كان مشروع قانون إنشاء صندوق يسمى «صندوق الأسرة» أمام مجلس الأمة الكويتي.
يهدف الصندوق إلى شراء الديون أو القروض الاستهلاكية للمواطنين الكويتيين العاجزين عن تسديد تلك المديونيات أو القروض التي سبق أن حصلوا عليها من المصارف الكويتية والمؤسسات المالية في الدولة، ولكل المواطنين الراغبين في الحصول على تلك الميزات التي سيقوم بها الصندوق والمتمثلة في شراء القروض لكل من يرغب من المواطنين، كما يقوم الصندوق نيابة عن الدولة بإعفاء المواطنين من فوائد تلك القروض وتقسيط ما تبقى من الديون على أقساط متساوية، على أن يترك للمواطنين تحديد نسبة الاستقطاع الشهري من صافي دخولهم الشهرية ولفترة زمنية تصل إلى خمس عشرة سنة وبدون فوائد على المواطنين وتتحملها الدولة ممثلة بالصندوق السابق ذكره ويتبع وزارة المالية.
إن ما سبق ذكره يدل دلالة واضحة على صوابية السياسات الاقتصادية الكلية - وبالذات السياسات المالية والنقدية - كما يدل دلالة واضحة ودقيقة لا لبس فيها على أن صناع السياسات الاقتصادية في الدولة وتوجهات القيادة السياسية ممثلة بسمو أمير البلاد مهمومون بما ينفع أفراد المجتمع الكويتي ويبقى خالداً في حياة المواطنين الكويتيين ويجسد مصداقية قيادة الدولة وصناع القرار الاقتصادي والتوجهات التنموية في الدولة مع الشعب الكويتي كما يعكس ذلك حرص القيادة على تحسين الظروف الاقتصادية لأفراد الشعب وتحسين مستويات معيشته وانتقال المجتمع إلى مستويات معيشية أفضل وسيادة العدالة في توزيع ثروات البلاد على كافة أفراد الشعب الكويتي الشقيق.
وحسب الأرقام المتاحة فإن عدد المواطنين الذين سيستفيدون «47» ألف كويتي تتراوح قيمة مديونيتهم بين 2.6 - 2.8 مليار دولار، سيقوم الصندوق نيابة عن الحكومة بإعادة تقسيط هذه المبالغ على المواطنين وبدون فوائد وعلى أقساط متساوية ولفترة خمس عشرة سنة قادمة، كما يسمح القانون الجديد للمواطنين الحصول على قروض وتسهيلات جديدة وفق القواعد العامة التي يضعها البنك المركزي شريطة أن لا يزيد إجمالي الأقساط التي يدفعها المواطن أو العميل عن ٪40 من دخله الشهري وتستثنى من ذلك القروض من المصارف والمؤسسات الإسلامية.
قد يقول قائل: هذه الكويت بما تملكه من ثروة وقدرة مالية كبيرة ويصعب بالتالي مطالبة أو مقارنة قدرة الكويت المالية بنظيراتها وبالذات عندنا في اليمن نظرا لمحدودية مواردنا المالية وعائدات ثرواتنا النفطية وغير النفطية.
نقول: إن القضية لا تكمن في امتلاك الموارد المالية غير المحدودة كما هو الحال في دولة الكويت أو في شحة الموارد المالية والمحدودة كما هو الحال في اليمن، وإنما تكمن القضية في الإدارة الاقتصادية وقدرة تلك الإدارة في إدراك وتشخيص الأوضاع الاقتصادية لأفراد المجتمع ونجاح الإدارة الاقتصادية في خلق المعالجات المناسبة واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب مع استهداف السياسة الاقتصادية للشريحة الاجتماعية بشكل مباشر وبأقل التكاليف دون أي هدر لموارد الدولة أو شبهة فساد أو اختلاس أو ضياع الموارد في غير محلها.
ذلك هو ما قصدنا به تناول هذا الامر على بساطته من منظور الإدارة الاقتصادية في اي مكان لكن آثاره ومردوداته المجتمعية كبيرة ومباشرة وملموسة لدى افراد المجتمع ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب وإنما أيضا الاجتماعي والسياسي بما يحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والسلام الاجتماعي.
ثم إننا في اليمن ننفق الكثير من الموارد المالية في مجال التحويلات الاجتماعية العينية والنقدية لكنها للأسف الشديد لا تذهب للشرائح الاجتماعية المستهدفة وإنما تذهب بفعل انتشار وتعدد مظاهر وأشكال الفساد إلى مسؤولين حكوميين، المعنيين وصناع القرار الاقتصادي المناطة بهم مسؤولية تلك السياسات والمعالجات.. فمثلا دعم المشتقات النفطية وصل في عام 2007م إلى حدود الـ 800 مليار ريال يمني، كذلك التحويلات الاجتماعية أو الدعومات أو المساعدات التي تقدمها شبكة الضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية المباشرة وغير المباشرة تتجاوز مئات المليارات لكن للأسف الشديد نقول أن تلك الأموال لا تذهب في معظمها إلى الناس المستحقين والمستهدفين فعلا وإنما تذهب أدراج الفساد والفاسدين في معظم أو كل الجهاز الإداري للدولة مرة على سبيل المجاملات وأخرى تقديم هذا المسئول أو ذاك كشفاً يضم عدداً كبيراً من الأسر الفقيرة المستحقين للدعم بينما يصب الصرف في صالح ذلك الشخص والأمثلة كثيرة لدينا في اليمن .. ولذلك نجد أن المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها أفراد المجتمع لا تزال باقية وماثلة وتتراكم حجما وتكلفة يوما بعد يوم ولم يلمس المواطن تحسناً يذكر سنة بعد أخرى بل يتدهور مستوى المعيشة لغالبية أفراد المجتمع أكثر وأكثر بينما خطة الدولة المالية وغير المالية تكبر حجما وأرقاما، المديونية العامة للدولة الداخلية والخارجية تكبر وتكبر والمساعدات والهبات والمنح المتدفقة من المانحين دولا ومؤسسات مالية عربية ودولية يتم توقيع اتفاقياتها يوميا ولكن غول الفساد المنتشر في الجهاز الإداري للدولة يتكفل بالتهام كل أخضر ويابس وبالتالي ظهور وبروز المسئولين الحكوميين وغياب المجتمع.
وبالمناسبة هنا لا بد من توجيه الشكر والتقدير لكل المانحين دولاً شقيقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولاً صديقة بقيادة الولايات المتحدة والشكر والتقدير للصناديق العربية في دولة الكويت الشقيقة وكل دول الخليج وأيضا للمؤسسات المناظرة في مختلف دول العالم، وذلك لكل الدعم الذي يقدم لليمن سابقا ولاحقا والوقوف إلى جانب اليمن في مختلف المراحل وبالذات في المرحلة الراهنة التي تمر بها اليمن في غاية الصعوبة كما يصفها فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي وأن الأزمة التي تمر بها البلاد في جزء كبير منها اقتصادية وأن المرحلة أيضا استثنائية وحاجتها (أي البلاد) إلى قيادات استثنائية.
إن الاستغلال الأمثل للموارد والنضج والرشد الاقتصادي في اتخاذ القرارات لمعالجة مشكلات اقتصادية ونجاح الإدارة الاقتصادية الكويتية مثلت نموذجا يحتذى وخاصة بالنسبة لبلدنا اليمن بمواردنا المحدودة فنحن بأمس الحاجة إلى الاستغلال الأمثل لمواردنا المحدودة وبكل رشد اقتصادي والعمل على مكافحة الفساد الذي يأكل كل أخضر ويابس ولا يؤدي إلى تحقيق الغايات التنموية المنشودة.
قال تعالى"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
* أستاذ الاقتصاد والعلوم المالية والمصرفية - جامعة تعز/ وكيل وزارة المالية