آراء وأقلام نُشر

الشفافية في النفط والغاز لتعزيز الموازنة العامة (2-2)

 

تساهم مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية في تعزيز الشفافية والمساءلة في إيرادات النفط والغاز والتعدين وحوكمة إداراتها في الدول التي تعتمد عليها بصورة رئيسية، وبما يجعل من هذه الإيرادات محركاً رئيسياً لحفز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية القابلة للاستمرار، وبما يمكن غالبية المواطنين من الاستفادة من ثمارها. إذ يجب على الدول الأعضاء الإعلان بشكل منتظم عن جميع مدفوعات الشركات النفطية إلى الحكومات وكذلك عن جميع الإيرادات التي تتلقاها الحكومات من هذه الشركات، وكذا خضوع المدفوعات والإيرادات لمراجعة مستقلة تتسم بالمصداقية، مع مراعاة تطبيق معايير وأسس التدقيق الدولية، وأن يشمل ذلك جميع الشركات العاملة بما في ذلك المؤسسات المملوكة للدولة.

تتكامل هذه المبادرة مع جهود وأنشطة "معهد رصد العائدات" الداعمة والمساندة، ومن بينها التقرير السنوي لـ" مؤشر إدارة الموارد 2013" والذي تم تدشينه ومناقشة وضع الدول العربية فيه في اجتماع الخبراء الذي عقد في بيروت نهاية شهر مايو الماضي. وتتأسس فكرة هذا المؤشر ايضاً، على أن سيادة السرية والفساد في قطاعات النفط والغاز والمعادن يؤدي إلى حرمان المواطنين بشكل كبير، وأحيانا بصورة كاملة، من الاستفادة من ثروات بلدانهم، وبالتالي فإن زيادة وتعزيز الشفافية والمساءلة وكشف المعلومات في هذه القطاعات، وحسن إدارة عائداتها تساهم بصورة كبيرة في الدفع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة استفادة المواطنين من هذه العائدات بصورة كبيرة. وتكمن المشكلة في أن الدول ذات الأداء الأسوأ والفقير في مؤشر 2013 كانت تلك التي تعتمد بصورة رئيسية في دخلها على عائدات هذه القطاعات، ومن بينها بلادنا، وهو الأمر الذي يؤكد أهمية الشفافية والمساءلة.

بالنسبة لليمن، فإن أداءها العام في مؤشر إدارة الموارد 2013 م كان ضعيفــــاً (43 درجة من 100درجة)، وبالتالي وقوعها في المرتبة 37 عالميا من بين 58 دولة شملها هذا المؤشر. ويرجع ذلك إلى تفاوت درجات المكونات الأربعة لهذا المؤشر، وكذلك الدور الإيجابي لانضمام اليمن لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية في رفع درجات بلادنا إلى 57 درجة في المكون الأول "الوضع المؤسسي والقانوني" وهي الدرجة الأعلى لليمن في هذه المكونات، خاصة وأن 30 دولة من الـ 58 دولة لم تنضم بعد إلى هذه المبادرة، ويقيس المكون الأول درجة تسهيل القوانين والإجراءات المؤسسية للشفافية والمساءلة والمنافسة الحرة. 

في المقابل، كانت درجة بلادنا متدنية جداً (16 درجة فقط من 100 درجة) في المكون الرابع "البيئة المحفـزة" ويرجع ذلك إلى سوء البيئة الإدارية العامة للدولة، بسبب تدني أداء الحكومة اليمنية في بسط سيادة القانون، وضعف سيطرتها على الفساد والمساءلة، وبالتالي التدني الشديد في فاعلية أدائها بصورة عامة.

كذلك كان تقييم اليمن ضعيفاً (46 درجة) في المكون الثاني "ممارسات إعداد التقرير"مشيراً بذلك إلى ضعف المستوى الفعلي للشفافية في بلادنا بسبب القصور الشديد في كشف الهيئات والشركات والجهات الحكومية المعنية للمعلومات والبيانات، وخاصة في ما يتعلق بالمؤشر الفرعي "العقود" حيث كانت درجة بلادنا صفر من 100درجة، وكذلك 17 درجة فقط في المؤشر الفرعي "التقييم البيئي والاجتماعي". وتكمن أهمية هذا المكون بمؤشراته الفرعية الـ 20 في كونه يقيس مدى كشف الهيئات الحكومية فعلياً عن المعلومات في الصناعات الاستخراجية، ولذلك يستحوذ هذا المكون على الترجيح الأكبر (40%) من قيمة مؤشر إدارة الموارد 2013م.

وفي المكون الثالث " الإجراءات الوقائية وضوابط مراقبة الجودة" كان أداء اليمن جيداً جزئياً (52 درجة) نظراً لوجود رقابة حكومية فاعلة جزئياً لكن في الوقت نفسه تعاني الهيئات الحكومية ذات العلاقة من عدم كفاية قدرات تدقيق الحسابات المالية للنفط والغاز. ويشير تقرير مؤشر 2013م إلى عدم وجود إطار قانوني ملزم للشروط المالية يلتزم بها موظفو الحكومة المختصون بالترخيص للشركات النفطية خلال المفاوضات مع هذه الشركات. كذلك فإنه رغم أن وزارة المالية ومدققي الحسابات في الحكومة اليمنية يقومون بمراجعة الإيرادات النفطية لكنهم غالباً ما يفتقدون قدرة القيام بذلك بصورة فاعلة. ومع أنه يجب أيضاً تقديم تقارير التدقيق المحاسبية لأعضاء مجلس النواب ولرئيس الجمهورية إلا أنه من غير الواضح أن ذلك يتم فعلاً في الواقع، كما أن مثل هذه التقارير لا تكون متاحة للعامة، وكل ذلك وفقاً لتقرير مؤشر 2013م.

وفي ظل أحداث الربيع العربي، يرى البعض أن قضايا الثروات الطبيعية والبيئة كانت هي السبب الحقيقي والأساسي لاندلاع هذه الثورات، خاصة وأن إهدار الثروات يعتبر إحدى القضايا التي تُتهم بها السلطات السابقة، كونها تتحكم في تصدير هذه الثروات والأصول البيئية مثل البترول والغاز الطبيعي وفي توزيع عوائدها بصورة غير عادلة، إلى جانب التفريط في المحميات والجزر الطبيعية. معتبرين كذلك أن وجود الاختلالات الدستورية والقانونية والتنظيمية أتاحت للسلطات الحاكمة -بدائرتها الضيقة- السيطرة على التراخيص التي تمنح للشركات الأجنبية في عمليات الاستكشاف والتنقيب على الموارد النفطية والغازية وكذلك على إيراداتها، الأمر الذي فتح الباب للفساد وهدر الثروات الطبيعية بصورة كبيرة، حتى بلغ الحال ببعض وزراء المالية الإشارة صراحة بأنهم كانوا غير قادرين على الاطلاع على حجم الموارد النفطية والغازية التي يتم بيعها فعلا وكذلك على إيراداتها الحقيقية. 

ولذلك أصبحت الدساتير الصادرة حديثاً تنص على أن الثروات والموارد الطبيعية ملك للشعب، وأن عوائدها حق له، وأن على الدولة الالتزام بالحفاظ عليها وحسن استغلالها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها وفقاً للقانون، وأنه لا يجوز منح التزامات أو امتيازات باستغلال أراضي الدولة أو أي من مواردها الطبيعية أو المرافق العامة إلا بقانون. وكذلك على الدولة الالتزام بحماية شواطئها وبحارها وبحيراتها، وصيانة الآثار والمحميات الطبيعية، وإزالة ما يقع عليها من تعديات.

بناءً على ماسبق، على الوزارات والجهات المعنية بالصناعات الاستخراجية دراسة وتحليل وضع اليمن في مؤشر إدارة الموارد 2013م، خاصة وأن هذ المؤشر يحتوي على معلومات وبيانات تفصيلية هامة يمكن الاستفادة منها لتعزيز جوانب القوة وتلافي أوجه القصور، وكذا الاستفادة من بعض التجارب والنماذج الرائدة في إدارة هذه الثروات، وفي مقدمتها النموذج والتجربة النرويجية.

مواضيع ذات صلة :