آراء وأقلام نُشر

كوتا القاضي النسائية

كتب الاخ شوقي القاضي مقالا تحت عنوان نظام الكوتا النيابية للنساء, وبه ادخل كل المتناقضات في إناء واحد. فجمع آيات القران الكريم والسيرة النبوية مع احصائيات البنك الدولي والاتفاقيات الدولية. جمع ضرورات تمكين المرأة سياسيا واشراكها في صناعة القرار وتنمية المجتمع مع المبادئ الدستورية للمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ومبادئ العدالة. جمع الموروث الاجتماعي والعادات والتقاليد مع محاربة الفساد المالي والاداري. وفي مقالنا هذا سنحاول طرح بعض الملاحظات وعلى النحو التالي:

اولا:

يقر الجميع بان المرأة اليمنية هي نصف المجتمع وفي احيانا كثيرة هي كل المجتمع, فهي الام والاخت والابنة والزوجة وووووو. وبناء عليه فقد ساوى الدستور اليمني بينها وبين اخيها الرجل في الحقوق والواجبات, بل وخصها المجتمع اليمني بميزات رفيعة. فلا يمكن لرجل ان يمد يده على امرأة مهما اخطات ولا ان يقعد وهي واقفة ولا ان يتلفظ بالفاظ بذيئة في حضور امرأة. لكن الاخ شوقي يذكر في مبرراته لتطبيق الكوتا النسائية بانها ضرورة تقتضيها مبادئ العدالة لتعويض المرأة عن الموروثات والعادات والتقاليد الاجتماعية التي تنتقص من مكانتها في المجتمع وتهمش دورها وتحول دون مشاركتها في التنمية.

في هذه النقطة يمكن التذكير بان العادات والتقاليد الاجتماعية اليمنية الاصيلة لا تحط من قدر المرأة ومكانتها بل ترفعها عاليا. فالمجتمع اليمني يعتبر بان المرأة اليمنية هي الركيزة الاساسية للاقتصاد الريفي, كما انها اثبتت جدارتها في كل المجالات التي كانت حكرا على الرجل في المجتمع الحضري. ففي الجنوب وصلت المرأة اليمنية الى اعلى المراتب ليس على مستوى اليمن بل والمنطقة العربية., فاول قائدة لطائرة في المنطقة العربية هي امرأة يمنية واول قاضية في المنطقة العربية هي امرأة يمنية وهي الطبيبة والمهندسة ومربية الاجيال والقائد السياسي والعسكري ايضا. لكنها بعد الوحدة عزلت من وظيفتها لاسباب سياسية ولا علاقة للعادات والتقاليد الاجتماعية بهذا العزل السياسي.

ثانيا:

استرشد الاخ شوقي بالمادة السابعة من الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة. ومن عنوان الاتفاقية الدولية ونصوصها يمكن ملاحظة بانها تستهدف القضاء على (التمييز). فاذا كان هناك أي تمييز قائم ضد المرأة في اليمن فيجب ازالته بنص دستوري ملزم, غير ان المطالبين بالكوتا النسائية لا يتحدثون عن تمييز قائم ضد المرأة بل يسعون الى ايجاد تمييز للمرأة, في حين تلزم الاتفاقية الدولية جميع الدول الاطراف باتخاذ جميع التدابير التي تكفل للمرأة (على قدم المساواة مع الرجل) بالاتي:

1-   الحق في التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة،

2-   الأهلية للانتخاب لجميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام،

3-   المشاركة في صياغة سياسة الحكومة وفى تنفيذ هذه السياسة،

4-   شغل الوظائف العامة وتأدية جميع المهام العامة على جميع المستويات الحكومية.  

  وهذه الحقوق جميعها قد كفلها الدستور اليمني للمرأة اليمنية على قدم المساواة مع اخيها الرجل.

ثالثا:

استرشد الاخ شوقي باحصائيات البنك الدولي التي تظهر بوضوح بان الولايات المتحدة الاميركية التي لها 250 عام منذ استقلالها تحتل المرأة فيها نسبة 14% فقط, كما تحتل المرأة في اكبر الدول العربية وهي مصر نسبة 2% فقط. إضافة الى ذلك فقد خلت احصائيات البنك الدولي من أي ذكر للدول التي تعتبر نفسها متحضرة وديمقراطية وحامية لحقوق الانسان, ووضعت الدول الافريقية الفقيرة في المراتب الاولى عالميا.

في هذا الجانب يمكن القول بان العادات والتقاليد في بعض الدول الافريقية تضع المرأة في مرتبة ارفع من الرجل, يصل الحال في بعضها الى حق تعدد الازواج للمرأة الافريقية وهي التي تصرف عليهم بعكس الدول العربية, وكذا في العادات والتقاليد الهندية تكون القوامة للمرأة وهي التي تختار الزوج وتدفع له المهر وكانت تحرق معه عند موته. المهم في هذا الجانب هو المقارنة مع الدول الغربية المتقدمة والمتحضرة والديمقراطية, ففي معظم تلك الدول تتجاوز نسبة النساء في المجتمع نسبة الرجال بفارق كبير, غير اننا نلاحظ نسبة وجودها في البرلمانات والحكومات ضئيل جدا واقل بكثير مما هو موجود في دول جنوب شرق اسيا ولا وجود لنظام الكوتا لديهم مطلقا ليس فقط في البرلمانات والحكومات بل وحتى في المواقع القيادية للمرافق الادنى مثل الجامعات والمستشفيات والبنوك وغيرها. فلماذا التركيز على الدول العربية والاسلامية؟ ولماذا 30% مباشرة وليس بالتدريج؟

رابعا:

للنناقش الان الوضع النسوي في اليمن, ففيها نجد بان المرأة اليمنية في المناطق الحضرية قد اقتحمت جميع المجالات المدنية والعسكرية, على خلاف المناطق الريفية التي ترتفع فيها نسبة النساء وتنحصر وظيفتهن في الاقتصاد الريفي فقط. كذلك الامر في المجال التعليمي الذي تتجاوز فيه نسبة الطالبات كثيرا نسبة الطلاب في مختلف التخصصات الجامعية. من ناحية اخرى يلاحظ مؤخرا تزايد دور المرأة اليمنية في الحياة السياسية وفي قيادة منظمات المجتمع المدني وفي الاعلام داخل المدن الرئيسية. هذا التزايد الملحوظ يدل بشكل واضح لا لبس فيه على ان المجتمع اليمني لا يرفض المرأة بل يدعمها ويساندها, غير ان خبرتها السياسية قصيرة جدا ومحصورة في المدن الرئيسية, إضافة الى بعض خصائصها الفسيولوجية التي تعيق نجاحها في العمل السياسي الجماهيري. لذلك اذا اردنا مساعدة المرأة اليمنية للارتقاء بدورها السياسي والاجتماعي فعلينا:

1- ان لا نخرق الدستور اليمني الذي ساوى بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات ومنها الحقوق السياسية, وان نحافظ على مبدأ المواطنة المتساوية.

2- ان نسعى الى دمج المرأة تدريجيا في المواقع القيادية مبتدئين بالمواقع القيادية للاحزاب السياسية ومن ثم في قوائمهم الانتخابية وترشيحاتهم للمواقع الحكومية.

3- منح المرأة المرشحة وقتا اكبر في الدعاية الاعلامية الانتخابية الرسمية, وحصر التنافس في بعض المراكز الانتخابية بين النساء فقط.

4- عدم حصر الدعم للمرأة الحضرية بل التركيز على المناطق النائية التي هي بحاجة ماسة الى التقدم والخدمات وغيرها.

اخيرا فاننا نرى بان المقترحات التي تقدم بها الاخ شوقي القاضي في مقالته آنفة الذكر ليست واقعية ولا تتطابق مع مبادئ العدالة ولا مع الدستور اليمني, بل هي استجابة سياسية لضغوطات الغرب على شعوبنا العربية والاسلامية بالتنازل تدريجيا عن التمسك بعاداتنا وتقاليدنا العريقة المرتبطة بتعاليم ديننا الاسلامي الحنيف, حتى وان استرشد القاضي بالقرآن والسنة. فديننا الاسلامي الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا الحضارية العريقة لا تنتقص من المرأة ولا تهدر دورها ولا تمنعها من المشاركة في بناء المجتمع, لكن الفترة الزمنية منذ التحرر من عبودية الاستعمار والامامة ليست كافية لتنتقل المرأة اليمنية المتطلعة والمتوثبة للمستقبل وخدمة شعبها ومجتمعها. ولنا في التجربة الاميركية (250 عام) والتجربة المصرية خير دليل.



 

مواضيع ذات صلة :