آراء وأقلام نُشر

طعام الإنسان وقودا للمحركات

كاتب صحفي سعودي

عبد المحسن بن إبراهيم البدر

كنا قد تحدثنا في مقال سابق عن مخاطر الاقتصاد العالمي وذكرنا الغذاء كأهم تحد يواجه الاقتصاد العالمي

خلال الفترة الحالية ومن ذلك ذكرنا العوامل الاقتصادية التي تعتبر لب مشكلة ارتفاع تكاليف الغذاء حول العالم والتي جعلت مخزون الغذاء العالمي يكون في أدنى مستوياته منذ 25 سنة، وكذلك ذكرنا أن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي وتحديدا في الصين يعتبران عاملان مهمان في تركيبة المشكلة التي توجه العالم، وذكرنا أن ارتفاع أسعار البترول كان له مردود طردي على إنتاج الوقود الحيوي الذي تحاول الكثير من الدول تطويره كبديل للبترول، كان هذا الحديث نابعا من القراءة الاقتصادية للمتغيرات العالمية في هذا السياق، ولكن هناك حقيقة ثابتة هي أن محاولة الضغط على أسعار البترول من خلال إنتاج الوقود الحيوي هو حل ناقص بكل المقاييس. ولذلك فإني اقتبست عنوان المقال من خطاب الرئيس حسني مبارك أمام منتدى الاقتصاد العالمي في شرم الشيخ الأسبوع الماضي، حيث ذكر أن " توفير الأمن الغذائي للفقراء يمثل تحديا أساسيا‏ للمجتمع الدولي وهو مسؤوليتها تجاه الفقراء والفئات الأقل دخلا‏..‏ بما في ذلك فقراء الدول الغنية المتقدمة‏..‏ ولا ينبغي أن يصبح هذا الهدف محلا لمضاربات ترفع أسعار الغذاء‏..‏ أو توجهات تستخدم طعام الإنسان وقودا للمحركات‏".‏ وانتقد الرئيس مبارك كثيرا بعض الدول من دون تسمية رغبتها الجامحة في إنتاج الوقود الحيوي، وأشار هنا إلى أن الرغبة تأتي وسط‏ دعم حكومي لمنتجيه وانتقد أن تستخدم المحاصيل الزراعية في إنتاج الوقود الحيوي وبذلك فإن أزمة الغذاء تزداد تفاقما. ويبدو أن حديث الرئيس مبارك في محله، فمن الواضح أن هناك توجها واضحا لبعض الدول المتقدمة إلى إنتاج الوقود الحيوي من بعض المحاصيل الزراعية التي أعدت للاستهلاك الغذائي بالأساس، مما أوجد بشكل واضح تأثيرا في مستقبل الأمن الغذائي وذلك لأن هذا الاستخدام يؤثر في مخرجات القطاع الغذائي لغير الاستخدامات الغذائية، وبالتالي قلة العرض من المنتجات الغذائية وهذا هو أساس التهديد وعليه ترتفع أسعاره أمام المستهلكين. فعلى سبيل المثال فإن 30 في المائة من إنتاج الذرة في الولايات المتحدة يستخدم في إنتاج الوقود الحيوي ولا شك أن الدعم الحكومي الأمريكي لذلك التوجه جعل الاتحاد الأوروبي يعترض على اعتبار أنه من الدعم الذي ينافي اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، ولم يكن الاعتراض على أساس حماية الأمن الغذائي العالمي. فالرأسمالية الجشعة جعلت الأعمال تنظر بعين واحدة للمعادلة التجارية ـ الاجتماعية. وعلى الرغم من قناعة الدول المتقدمة أن تكاليف إنتاج الوقود الحيوي لا تملك قيمة تنافسية أمام البترول على المدى الطويل حتى وإن كانت أسعار البترول اليوم في مستوى قياسي، إلا أن تلك الدول ما زالت تنتظر أن يكون الوقود الحيوي بديلا مناسبا حتى على الأمن الغذائي المحلي والعالمي، أو أن يكون أداة ضغط على أسعار النفط والغاز وبالتالي تحقق الهدف في كل الأحوال. ختاماً، فإن الأمن الغذائي العالمي الذي أصبح هاجس جميع الدول هو نتيجة حتمية وطبيعية للمتغيرات الاقتصادية الدولية وعلى رأسها ارتفاع أسعار البترول، ولذلك فإن هذه الدورة الاقتصادية إذا ما استمرت لفترة أطول قد تكون خطرا يجب التعاطي معه بصفة جماعية، إن المجتمع الدولي في حاجة إلى إعادة تقدير التكلفة الحقيقية لإنتاج الوقود الحيوي آخذا بعين الاعتبار انعكاساته الاجتماعية والبيئية‏,‏ وتداعياته على الأمن الغذائي للبشر‏. وكذلك توسع انعكاساته الاجتماعية بارتفاع معدل الفقر بسبب ارتفاع تكاليف الغذاء.


 عن الاقتصادية السعودية

مواضيع ذات صلة :