
لكن إذا تعمقنا في واقع هذه المصارف نجد أنها في الغالب عبارة عن مؤسسات تمويلية للأفراد أو للشركات، فإدارات الاستثمار ليس لها من الاستثمار إلا الاسم فهي واقعاً عبارة عن إدارات تمويل - في حال ابتعدنا عن مصطلح إدارات ائتمان-.
والحديث عن سبب هذا التحول يطول فالأسباب تتقاسمها أطراف عدة من ضمنها هذه المصارف الإسلامية والمصارف المركزية والبيئات الداخلية والخارجية وغيرها، لكن ما يخشى منه بمرور الزمن أن تصبغ التجربة بهذه الصبغة الحالية وتصبح هي الأساس ويُنقلب على تلك الرؤى النظرية الرائعة والتي وإن كانت ليست بمثابة نص لا يحاد عنه إلا أنها رؤى اتفق عليها أهل الاختصاص ورواد الفكرة، بل إن المصارف الإسلامية تستقي كثيراً من رواجها بناء على هذه النظريات.
كما أننا إذا نظرنا للصيغ الشرعية في المعاملات المالية نجد أن الكثير منها يصب في إطار الاستثمار الذي أمر به الشرع ورغب فيه، وأما التمويل فإنه موجود في أطر ضيقة منها القرض الحسن أو البيع والشراء الناتج عن تملك حقيقي للثمن والمثمون ، بل إن هذه الصيغ التمويلية إنما هي في إطار مرحلة من مراحل الاستثمار المتعدد والمركب، ويبقى التمويل الاستهلاكي عبر الاقتراض في زاوية ضيقة .
فالمصارف الإسلامية تدفعها أطرها النظرية للقيام بواجبها الأساس وهو الاستثمار الحقيقي وتحقيق التنمية للفرد والمجتمع والأمة، ولن تخرج المصارف الإسلامية من هذه الأزمة التي رهنت نفسها بها إلا بثورة قوية تسبقها تجربة ناجحة ملموسة.
وفي الجانب الآخر نجد على الساحة المالية ظهور شركات التمويل والتي سعت وبقوة في منافسة مصارف التمويل لما تتمتع به من سهولة وبعد عن التعقيد والبطء الذي يتعارض مع طبيعة التمويل مقارنة بهذه المصارف التي تحكمها سياسات المصارف المركزية ومتطلبات الصيرفة العالمية ومقرراتها، وفي هذه الحالة ستجد هذه المصارف نفسها عاجزة عن منافسة شركات التمويل في حال ما إذا انتظمت هذه الشركات وجوَّدت منتجاتها.
فلا بد من أن تنظر المصارف الإسلامية إلى هذه التحولات القادمة ، كما يمكن لها في إطار ذلك أن تقوم بالآتي:
1. أن تركز المصارف الإسلامية على البعد الاستثماري وبالأخص الاستثمارات طويلة ومتوسطة الأجل.
2. أن تترك المصارف الإسلامية قضايا التمويل قصير الأجل للأفراد والشركات لشركات التمويل الإسلامية.
3. وحتى لا تحرم المصارف الإسلامية من أرباح قصيرة الأجل، فيمكن أن تؤسس المصارف الإسلامية شركات تمويل إسلامية تابعة لها كجزء من مشاريعها الاستثمارية وتتولى هذه الشركات قضايا التمويل.
أما إذا ما اقترن التمويل بالاستثمار في المصارف الإسلامية فإن ذلك سيؤدي إلى طغيان الجانب التمويلي على الجانب الاستثماري والذي يعتبر الحلقة الأضعف في هذا التنازع.
*مراقب ومدقق شرعي وباحث في المصرفية الإسلامية
gammal.i@hotmail.com