قد يكون من الطبيعي أن تنشر وثائق وفضائح عن السياسات الخاطئة في هذا العالم الكبير والذي تحول إلى قرية صغيرة جدا بفعل التقدم المهول في وسائل الاتصال وتقنية المعلومات، وهو عصر المعلومة أو عصر السرعة كما يطلق عليه.
صحيح هناك ارتباطا وثيقا بين الأمس واليوم حتى في أسلوب وطرق التسريب، فقبل ما يقرب من أربعة عقود من الزمن تقريبا، تم تسريب الكثير من الوثائق السرية عن حرب فيتنام وخسائر الأمريكان في تلك الحرب والمرحلة التي تم فيها تسريب مثل هذه الوثائق ولصحفي أمريكي وتم نشرها في صحيفة أمريكية شهيرة في سبعينيات القرن الماضي لكن الهدف من تلك التسريبات كان واضحا ومعروفا للقاصي والداني حيث ارتبط الأمر آنذاك بالانتخابات الرئاسية في أمريكا وما يرافقها من مماحكات بين الفريقين الجمهوري والديمقراطي.
ويومها استغل احد الفريقين الأمر وصعد إلى سدة الحكم على حساب الأخر ولا داعي لذكر تفاصيل لان ما حدث مؤخرا في تسريبات ويلكيليس يختلف تماما عن تلك الحقبة وان كانت حقبة الحرب الباردة هي الأخطر بالنسبة للحاكم الأمريكي أو بالأصح من بيده القرار، فما نراه بالفعل إن هناك أيدي خفية تدير الأمور في البيت الأبيض من خلف الكواليس غير الأسماء والقيادات المعروفة والتي تظهر لنا عبر الشاشات.
وبصريح العبارة كان قد جال في خاطري مثل هذا الأمر لكن حاولت ابحث عن أدلة تؤكد صحة هذا الرأي فلم أجد، لكن الأسبوع الماضي وأثناء متابعتي لقناة الجزيرة وتحديدا للحلقة التي استضافت فيها الكاتب الإعلامي الكبير محمد حسنين هيكل وأكد حسب اعتقادي صحة مثل هذا الاستنتاج، صحيح أن الرجل عرج إلى حكم الممثل السينمائي رونالد ريجان والذي أصبح رئيسا للبيت الأبيض في الثمانينيات من القرن الماضي وحسب هيكل لم يكن الرجل إلا مدفوعا من الأطراف البعيدة أو الحاكم الأصلي الذي لا يظهر في الصورة.
وكما هو الحال اليوم في أمريكا، فمن يحكم لا يصرح بل لا نراه أو هكذا يبدو المشهد الأمريكي اليوم تدار الأمور بصورة غريبة وعجيبة وتسريب وثائق ويليكيس تأتي ضمن أهداف سياسة إستراتيجية أمريكية بعيدة المدى بمعنى ان صانع القرار الأمريكي ينظر إلى المسألة من عدة زوايا ويقرأ التسريبات قراءة عميقة ولهدف استراتيجي بعيد المدى.
صحيح الإدارة الأمريكية هي خاسرة بلا شك جراء تلك التسريبات، لكنها تعول على المكاسب الكبيرة التي سوف تتحقق لها وعلى المدى البعيد ولا احد يمكنه الآن معرفة ما هي المكاسب التي تبحث عنها واشنطن، لكن سوف تأتي اللحظة التي يكشف عنها بلاشك وبهذا الاستنتاج اعتقد إن أكثر الخاسرين من التسريبات حتى اللحظة هو النظام الرسمي العربي والذي تسببت وثائق ويليكيس في فقدان الثقة أكثر بين الحاكم والشعب وبصورة عميقة عما كانت من قبل و اتساع الفجوة بين الأنظمة والشعوب ستولد مزيدا من الاحتقان وسوف تكرس للكثير من الأخطاء والسياسات الخاطئة والفعل ورد الفعل.
وكنا حقيقة لا نستبعد إطلاقا ان يكون هناك أكثر مما جاء في الوثائق هذا في الوقت الذي اعتبر البعض ان هذه الوثائق جاءت لضرب إسفين بين الدول بعضها ببعض (في العالمين العربي والاسلامي) وفتح المجال لواشنطن لتمرير سياساتها في المنطقة سواء فيما يتعلق بمواجهة المشروع النووي الإيراني أو فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وفرض مزيد من الضغوط على قوى المقاومة في المنطقة.
وان كنا حقيقة نزعم بان ما جاء في الوثائق لا يمثل إلا النزر اليسير من الحقائق، خصوصا فيما يتعلق بسياسات العرب والتي أثبتت الأيام والسنون فشلهم الذريع في إدارة الأزمات وكيفية المحافظة على مصالحهم أمام كل القوى الطامعة والطامحة. وللحديث صلة..