بفضل احتياطيات ضخمة من العملة الأجنبية وخطة إنفاق لعام 2013 تستند الي توقعات متحفظة لسعر النفط تتمتع السعودية بمرونة كبيرة في تحديد سياستها لانتاج النفط هذا العام.
وعززت المملكة -أكبر مصدري النفط في العالم- الإنفاق الحكومي بشدة في العامين الماضيين إذ أضافت مئات الآلاف من الوظائف في القطاع العام واستحدثت إعانات اجتماعية جديدة وأطلقت مشروعات ضخمة للبنية التحتية.
ويتفق كثير من الخبراء الاقتصاديين على أن هذا الإنفاق السخي سيخلق تحديات مالية للرياض في المستقبل. لكن في الوقت الراهن تستطيع الحكومة بفضل وضعها المالي القوي الاختيار بين خفض إنتاج النفط لدعم الأسعار أو تحمل انخفاض الأسعار للمحافظة على حصتها السوقية في مواجهة المنتجين المنافسين.
وقال الكسندر بوجل مدير تطوير الأعمال في شركة (جيه.بي.سي إنرجي) في فيينا التي تقدم خدمات استشارية لقطاع النفط السعودي "هذا يعطيهم قدرا من الراحة في سياساتهم."
واضاف أن أولوية السعودية هي السير في طريق وسط في سوق الطاقة للمحافظة على استقرار الأسعار والمعروض من النفط.
وتتراوح توقعات المحللين لسعر النفط الذي تحتاجه السعودية لتحقيق التعادل بين الإيرادات والمصروفات من 65 دولارا الي 85 دولارا للبرميل استنادا الي توقعات الإنفاق. وهذه المستويات أدنى بكثير من سعر السوق الحالي للخام العربي الخفيف وهو خام النفط الرئيسي الذي تصدره المملكة والذي يبلغ نحو 115 دولارا.
وقد تكون المرونة التي يوفرها هذا الفارق مهمة للسعودية صاحبة القول الحاسم في تغيير إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إذ ان نزاعا مع إيران يهدد بزعزعة استقرار أسواق النفط ومن المرجح أن يتجاهل العراق دعوات السعودية لتهدئة معدلات إنتاجه.
ودأب مسؤولون سعوديون على تأكيد أن سياسة الطاقة السعودية تعتمد فقط على قراءة المملكة لقوى السوق وهو درس تعلمته بعد تكون فقاعات للاسعار وانفجارها في السبعينات والثمانينات.
غير أن محللين سياسيين محليين يقولون إن القادة السعوديين لديهم دائما وعي كبير بتأثير النفط على السياسة الخارجية.
وقال أسعد الشملان أستاذ العلوم السياسية "بوجه عام هم لم يستخدموا النفط كأداة للضغط السياسي. لكن في دنيا الواقع لا أعتقد أن بلدا لديه مثل هذه السلعة الاستراتيجية يستطيع فصل سياسته الخارجية عن هذه الحقيقة."
وفي ذروة انتفاضات الربيع العربي التي اجتاحت الشرق الأوسط في فبراير شباط 2011 أعلنت الرياض حزمة إنفاق وصلت إلى نحو 110 مليارات دولار أضيفت إلى ميزانية ضخمة.
وبلغ متوسط نمو الإنفاق الحكومي نحو 14 بالمئة سنويا على مدى السنوات العشر الماضية. وبالرغم من ذلك سمحت أسعار النفط المرتفعة للسعودية بمحو الديون الحكومية وبناء احتياطيات أجنبية بلغت قيمتها 648 مليار دولار بنهاية العام الماضي.
وما يقلق بعض الاقتصاديين هو أنه بالرغم من أن جزءا كبيرا من الإنفاق الإضافي اتجه إلى مشروعات البنية التحتية التي تهدف لجعل الاقتصاد السعودي أكثر إنتاجية إلا أنه أضيفت مبالغ كبيرة إلى الإنفاق الجاري.
وكتب ستيفن هيرتوج - مؤلف كتاب "أمراء وسماسرة وبيروقراطيون" وهو كتاب عن الاقتصاد والسياسة في السعودية - في بحث عرضه في ندوة بالرياض أن المملكة تسير في مسار مالي لا تتوفر له مقومات الاستمرارية.
وأضاف "قرارات الرعاية الاجتماعية والتوظيف تشير إلى عودة لسياسات كانت سائدة في فترة الطفرة النفطية في السبعينات لكن على نطاق أوسع بكثير واقل استدامة."
ومولت الحكومة مئات الآلاف من الوظائف الجديدة في القطاع العام منذ عام 2011 واستحدثت إعانة بطالة وتعهدت بتقديم المزيد من القروض المنخفضة الفائدة لمشتري المنازل. وحذر صندوق النقد الدولي العام الماضي من أن السعودية قد تنزلق إلى عجز في الميزانية بحلول 2016.
لكن وزير المالية إبراهيم العساف وصف التحذير بأنه سيناريو متشائم ستتجنبه البلاد وقال الشهر الماضي إن الرياض تستطيع مواصلة الإنفاق بالمستويات الحالية في المدى المتوسط وأبعد من ذلك.
وحتى الآن تدعم الأرقام قول الوزير. فقد حققت السعودية إيرادات قياسية العام الماضي بلغت 331 مليار دولار مما نتج عن فائض ضخم في الميزانية بلغ 103 مليارات دولار.
وتتوقع ميزانية العام الجاري إيرادات قدرها 221 مليار دولار وإنفاقا قدره 219 مليار دولار. وفي شبه المؤكد أن الإنفاق سيكون أكبر بكثير من الرقم المستهدف. فقد تخطت الحكومة الرقم المستهدف للإنفاق بمتوسط يزيد على 20 بالمئة سنويا على مدى السنوات العشر الماضية.
لكن بفضل أسعار النفط المرتفعة من المنتظر فيما يبدو أن تكون إيرادات هذا العام أيضا أكثر بكثير من الرقم المستهدف. ووفقا لتقديرات شركة جدوى للاستثمار تعتمد ميزانية العام الجاري على توقع متحفظ لسعر النفط يبلغ حوالي 65 دولارا فقط للبرميل.
لذلك من المتوقع أن تسجل السعودية فائضا كبيرا في الميزانية هذا العام أيضا. وحتى لو انزلقت المملكة إلى عجز متوسط -ربما في حدود عشرات المليارات من الدولارات- فإن احتياطياتها يمكن أن تغطي بسهولة عجزا بهذا الحجم لسنوت مقبلة.
وتبدو السعودية أكثر ارتياحا لوجود سعر النفط العالمي حول 100 دولار للبرميل أو فوق ذلك بقليل. وقال وزير البترول السعودي علي النعيمي إن 100 دولار هو سعر مناسب للمنتجين والمستهلكين على السواء إذ انه يسهل التنقيب عن النفط دون أن يضر النمو العالمي.
ومن هذا المنظور تبدو الرياض في وضع موات من حيث الميزانية والسوق إذ ان سعر النفط أعلى بكثير من 100 دولار بعد أن خفضت المملكة إنتاجها بنحو 700 ألف برميل يوميا إلى 9.02 مليون برميل يوميا في آخر شهرين من 2012.
وخفضت أوبك في تقرير أصدرته الشهر الماضي توقعها للطلب على نفط المنظمة في 2013 بسبب زيادة المعروض من منتجين آخرين. لكن وكالة الطاقة الدولية التي تضم أكبر البلدان المستهلكة للنفط قالت إنها تتوقع شحا في الأسواق في الأشهر المقبلة.بحسب رويرتز
وأظهرت السعودية قبل 18 شهرا أنها مستعدة لزيادة الإمدادات للتعويض عن توقف إنتاج النفط الليبي بسبب الثورة التي شهدتها البلاد.
والآن تتراجع صادرات إيران التي تتصارع مع السعودية على النفوذ في الشرق الأوسط. وهبطت الصادرات الإيرانية بمقدار الربع العام الماضي لتصل إلى نحو 1.09 مليون برميل يوميا وقد تواصل التراجع في 2013 مع تطبيق عقوبات أمريكية جديدة على البلاد بسبب البرنامج النووي الإيراني.
وهذا يعني أن سعرا مرتفعا للنفط يصبح أكثر أهمية لإيران لتعويض تقلص حجم الصادرات. ومن شأن سعر أقرب إلى 100 دولار للبرميل أن يساعد على قص أجنحة إيران التي تعتبرها الرياض تهديدا لها.
وفي غضون ذلك قد ترغب السعودية في أن يشارك العراق العضو في أوبك في تخفيضات إنتاج المنظمة إذا دعت الحاجة إليها بعد عقود من استثناء بغداد من تلك التخفيضات. ويقاوم العراق هذا الاحتمال بشدة مما يزيد من إمكانية الصراع بين البلدين على الحصة السوقية
المصدر: مباشر