بينما يعيش الشارع العربي ربيعه الديمقراطي هذه الأيام، تعيش أحزاب الدولة العربية خريفها. في ظرف أسابيع تعرض حزبان كبيران للحل عن طريق حكم قضائي، فيما تعيش أحزاب الدولة في باقي البلدان العربية «حالة اكتئاب» وخوف شديد على مصيرها في اليمن وسوريا والسودان...
إلى ماذا استندت المحكمة الإدارية العليا في مصر لحل الحزب الوطني الديمقراطي الذي أسسه الرئيس المصري الراحل أنور السادات سنة 1978، وارتكز عليه مبارك للبقاء في السلطة لمدة 30 سنة؟
قالت المحكمة الإدارية إن حزب مبارك ارتكب جملة من المخالفات والتجاوزات وحتى الجرائم، منها:
- تزوير الانتخابات وتوظيف المال في العملية السياسية بطرق غير مشروعة.
- إضعاف الأحزاب المنافسة والاستئثار بالسلطة.
- توظيف الأجهزة الأمنية من أجل مطاردة الخصوم السياسيين ومن أجل حماية الفاسدين وسط الحزب الذي يمولونه ويترشحون باسمه.
- التقرب من الحكومة وتوظيف أجهزة الدولة ومقراتها وممتلكاتها في نشاط الحزب.
المسوغات التي اعتمدتها المحكمة التونسية لم تبتعد كثيرا عن هذه الجرائم لحل الحزب الدستوري الديمقراطي الذي أسسه الرئيس المخلوع زين العابدين بنعلي سنة 1988 على أنقاض الحزب الدستوري الجديد الذي أسسه الحبيب بورقيبة بعد استقلال تونس، وإن كانت المحكمة التونسية أضافت جريمة أخرى إلى حزب بنعلي، تتعلق بالتحريض على العنف والتشجيع عليه أثناء ما سمي بمؤامرة إجهاض الثورة التونسية في يناير الماضي..
كانا الحزبان معا سلاحين لتركيز السلطة في يد الأقلية، ولزيادة الثروة في يد رجال الأعمال المتحالفين مع النظام، ولهذا كان طبيعيا أن ينهارا مع انهيار نظاميهما. هل يوجد في المغرب «حزب الدولة»؟ خصوم حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أسسه فؤاد عالي الهمة، يقولون نعم، والحزب ونواته اليسارية، التي كانت راديكالية فأصبحت حليفة لجناح في السلطة، يقولون لا.
بين نعم ولا نقرأ بموضوعية بطاقة تعريف حزب الجرار: حزب أسسه وزير داخلية سابق مقرب جدا من الملك، وكان، ومازال، مستشاره الخاص... هل يستطيع فؤاد عالي الهمة أن يقسم عقله نصفين، واحد للقصر وآخر للحزب؟ هذا مستحيل. حزب الجرار أسس منذ البداية بلا إيديولوجيا، وبلا برنامج سوى ما يردده رموزه من أن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية يشكلان برنامج الحزب. الآن الملك وافق على دسترة هذه التوصيات، فهل انتهى مبرر وجود الحزب؟ في أول خرجة إعلامية للهمة قال إنه ضد الإسلاميين، وظلت جل تحركات الحزب تصب في اتجاه إضعاف خصومه بوسائل مشروعة حينا وغير مشروعة أحيانا أخرى. الحزب لم يمض على إنشائه سوى سنة حتى حصل على المرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية، أما البرلمان، الذي تشكل قبل ولادة الحزب، فإن حصة الأسد فيه أصبحت من نصيب الجرار عن طريق بدعة مكروهة اسمها «الترحال».
وزارة الداخلية اتهمت في أكثر من واقعة بأنها قدمت خدمات للحزب الوليد، خاصة أثناء تشكيل مجالس المدن التي أغرقت بالأعيان.. تجار السياسة الذين يبحثون عن مصالح وامتيازات غير مشروعة بواسطة بطاقة الحزب...
إذا أراد المغرب أن يفتح صفحة جديدة، بعد إقرار دستور جديد، لا بد من حل مشكلة اسمها حزب الجرار، بطريقة قانونية وديمقراطية.