آراء وأقلام نُشر

الليبية وغياب المثقف الليبي

لم يتصور احد- على الأقل في الظاهر من خلال ما حدث في تونس ومصر - إن تؤؤل الأوضاع في ليبيا إلى ما آلت إليه من حرب أهلية وتدخل أجنبي, وبعدا عن عمليات تفسير الأسباب - والتي من السهل القيام بها وهي ليست موضوعنا هنا - فإن المثقف الليبي أديبا وكاتبا وأكاديميا هو الغائب الوحيد في لجة الأحداث وهو غياب فعلي بمعني كلمة الفعل المنتظرة من مثقفي أي بلد في هكذا ظروف عصيبة يعاني منها الوطن.
ويبدو أن المثقف الليبي هو أول من صدم بما يحدث فتاه ( من التيه ) وهرول البعض بين هنا وهناك, واستتر البعض الآخر متنكرا لدوره المأمول الذي ينتظره منه الوطن - الذي طالما تغنى به -, فلم يمثل المثقف الليبي إلى اليوم صوت الحكمة المأمولة وسط القذائف وانهار الدماء والشظايا والقصف واليورانيوم المنضب والتدخل الأجنبي, ولم نسمع إلى الآن صوتا أو تكتلا لمثقفي ليبيا كتابا وأدباء وأكاديميين من اجل حوار وطنيا يمثل صوت العقل بين الليبيين ويظهر للعالم إن ليبيا بها مثقفين يمكن إن يكونوا قاعدة للتلاقي لحقن الدماء - التي تسفك من الإخوة ومن الأعداء - كمحاولة لأنقاض ليبيا من هول ذبح الأخ لأخيه ومن هول المطامع والتدخلات الأجنبية النهمة والشرسة التي لا تبقي ولا تذر.
أن حجم السؤال وقسوته تأتي بحجم مكانة الأديب والأكاديمي والمثقف الليبي في المنطقة العربية والعالم والتي تسألنا فيه الضمائر اليوم عن مثقف هذا الشعب الذي له مكانته المحلية والعربية والإفريقية والعالمية, هذا المثقف الذي يعبر عن روح الوطن ورؤيته وشريانه النابض بالحكمة والعقل الممسك بإيقونة التعقل والرؤية الثاقبة التي ننتظرها لكنها مفقودة وغائبة الآن في لحظة حاجة الوطن الماسة لها.
إن أزمة المثقف الليبي تبدو واضحة في التعاطي مع الحرب في ليبيا بين الصمت ,أو ركوب الموجة , وكأن الحرب ليست على جسد ليبيا وإنما في بلاد « الواق واق» , إن أزمة المثقف الليبي يبدو إن البعض فوجئ بما حصل فولى هاربا تجاه إحدى الضفتين - وترك قارب بلاده يصارع أهوال الحرب الأهلية والدماء والتوماهوك والناتو والتدخل الأجنبي - وصار ينظم الكلمات مدحا أو سبا في هذا أو ذاك ,هنا أو هناك وعيون ليبيا ترقب مذلته بدهشة قاتلة ودموع ساكبة.
أين صوت العقل للمثقف الليبي في العمل على تقليل الأضرار على المجتمع وعلى مقدراته وأجياله, بالظهور بصوت الضمير الذي يمثل الحكمة مخاطبا أهله للتلاقي الضروري من اجل حوار لابد منه - لا الاكتفاء بالصمت أو ركوب الموجه - وسط دخان المعارك والقذائف والصواريخ واليورانيوم المنضب ,وأيضا وسط تسارع الأحداث, التي ربما تؤدي إلى الاحتلال الأجنبي الذي نراه اليوم وشيكا.
أن ليبيا اليوم تحتاج مثقفيها ليرفعوا صوتهم وسط تسونامي القتال والرصاص والذبح وحرب الإخوة والتدخل الأجنبي والقصف والتدمير المتعمد للبنية التحتية, إنها تحتاجهم اليوم ليخاطبوا العالم ويخاطبوا أهلهم وأبنائهم ويكونوا جسر عبور الوطن من أزمته لبر الأمان.
إن ليبيا اليوم لا تحتاج مزيدا من صب الزيت على النار وركوب الموجة والتمترس خلف أسهل المواقف الإنكارية التي تعيب المثقف أكثر مما تبني له مجدا, فالوطن يحتاج مثقفيه كصوت عقل وحكمة في أحلك ظروفه كحاجة الأب وألام لأبنائهما, وكحاجة الأجيال للقامات الفكرية المثقفة السامقة لتكون نبراسا لها في تلمس طريق الخروج بأقل الخسائر من الصراع على السلطة وقتال الإخوة حقنا للدماء وتجنب التدخل الأجنبي والاحتلال من قبل عفاريت النهم والنهب التاريخي الكبير التي لم تتب فوثبت في أول فرصة سنحت لها.
إنها صرخة واجبة وضرورية وليست تقليلا أو تطاولا على قامات ليبيا الفكرية والأدبية والاكاديمية - التي نجلها ونحترمها .
إنها دعوى صادقة لمثقفي بلادي وحثا لهم بالنهوض فان ليبيا تناديهم وتحتاج حكمتهم ولا تحتاج ركوبهم للموجة أو الصمت - فان ذلك لا ينتظر منهم - وإنما ما ينتظر منهم هو إن يكونوا جسر التواصل للقاء الليبي الضروري للحوار الوطني ,جسر حقن الدماء بين الإخوة ,جسر تخليص ليبيا من براثن القوى الطامعة التي لا تبقي ولا تذر والتي لا تحب إلا مصالحها ولم تأتي حبا لسواد عيون الليبيين.

*كاتب ليبي مقيم في بريطانيا
gharssalla@gmail.com

مواضيع ذات صلة :