آراء وأقلام نُشر

نعيب الأسواق العالمية.. والعيبُ فينا!

منذ بداية الأزمة المالية المحلية في سبتمبر 2008، تحاول شركات كويتية كثيرة، ومعها من يُسَمّون «اقتصاديين»، البحث عن شماعة ما لتعلق عليها أسباب فشلها في إدارة أموالها وأموال الغير. ولم يخلُ تصريح أو بيان أو تقرير من الإشارة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى أن أبرز سبب في تدهور جودة الأصول وانهيار نتائج الشركات متعلق بـ «تداعيات الأزمة المالية العالمية». وقد علت أصوات البعض في اليومين الماضيين أيضا معتبرة أن أزمة الديون السيادية الأوروبية والأميركية هي وراء انخفاض مؤشرات السوق. قد يكون للأزمة العالمية دون شك تداعيات على الاقتصاد المحلي خصوصا ما يتعلق بأسعار النفط، على اعتبار أن معظم إيرادات الدولة من بيع البترول. كما أن من أبرز التداعيات أيضا انكماش السوق الائتماني العالمي وتأثيره على إقراض الشركات المحلية، وكذلك انخفاض أسعار الأصول العالمية مما أدى إلى تراجع قيم ملكيات. لكن الغريب هو التركيز على أزمة الأسواق العالمية واعتبارها «بلاء» المؤسسات المحلية. وفي هذا الإطار يمكن تسجيل ملاحظات عديدة أبرزها:

1 - أكبر أسباب الأزمة هي الفقاعة التي بناها مستثمرون في سوق الكويت للأوراق المالية على مدار 5 أعوام بين 2003 و2008، فانفجرت مع انفجار الأزمة العالمية عند انهيار بنك ليمان برازرز. الفقاعة كانت مبنية باختصار على مبدأ الاستدانة للتوسع في أنشطة ورقية، سرعان ما أحرقتها الأزمة لتبقى الديون قابعة على صدور من روّج لسنوات أنه «الرائد في قطاع التمويل والاستثمار في الأسواق المحلية والخليجية».
2 - صحيح أن أكثر من 100 مليار دولار تبخرت من البورصة إلا أن ودائع القطاع الخاص لدى البنوك المحلية ما زالت تعبّر نوعا ما على وجود ثروات كامنة بقيمة وصلت 28.59 مليار دينار كما في نهاية يونيو الماضي. وقد نمت هذه الودائع بشكل لافت في العامين الماضيين، وتابعت مسيرتها التصاعدية عندما ارتفعت %0.7 في النصف الأول من العام الجاري، وفق بيانات نشرها امس بنك الكويت المركزي.
3 - أغلب الشركات المدرجة تعمل في السوق المحلي حصرا، فادعاء أن انخفاض الأسواق العالمية أثر على أعمالها باطل. أما الشركات العاملة في الخارج، فالكثير منها أخطأ في كيفية اختيار استثماراته. فكيف يمكن تفسير تمكن بعض الشركات من التخارج من أصول خارجية بأسعار جيدة وأرباح خلال العامين الماضيين، في حين أن شركات لم تستطع بيع ولو جزء يسير مما تدعي امتلاكه لولا رداءته؟
والجدير ذكره على سبيل المثال لا الحصر أن بنك الكويت الوطني هو من أكثر المؤسسات المحلية العاملة والمنتشرة في العالم، في حين ما زال يحقق نموا في أعماله رغم جميع ظروف الأزمة العالمية. وهذا دليل آخر على أن حصافة الإدارة ومتانة الدفاتر تمكنان الشركات من عبور الأزمات، ولو بضرر محدود.
4 - كانت الاستثمارات الحكومية في الخارج الأكثر تأثرا بتداعيات الأزمة، وقد خسرت الهيئة العامة للاستثمار ومؤسسة التأمينات الاجتماعية عشرات المليارات من الدولارات دفتريا في عام 2008. لكن الصحيح أيضا أن استثمارات المؤسسات الحكومية عادة هي طويلة المدى، مما ساعدها على تعويض الخسائر الدفترية في عامي 2009 و2010، كما لم يحرمها من إيرادات سنوية كانت تحصلها من السندات أو غيرها. وما زالت هذه الخسائر، إن وجدت، دفترية قد تُعوّض مع مرور الوقت، خصوصا أن لا عوامل ضاغطة على هذه المؤسسات لتسييل استثمارات، كما أنه لا خوف على المالية العامة للدولة بفضل الفوائض والنفط.
5 - ارتكبت أغلب شركات الاستثمار أخطاءً لا تغتفر خلال الطفرة، مما دفعها للتعثر عند أول مفترق. إذ كانت تريد «مد رجليها أكثر من بساطها»، بمعنى استدانت أكثر من قدرتها على الوفاء بالالتزمات. فجاءت الأزمة لتعريها وتكشف تلاعبات قامت بها شبيهة بــ «هرم بونزي»، الذي يأخذ أموالا من عميل ليسدد عوائد لعميل آخر وهكذا. وما زالت وكالات التصنيف العالمية تشير «في السراء والضراء» على مشاكل شركات الاستثمار، المحشوة بالديون، والعاملة وفق نموذج غير مجد، وغير المراقبة بشكل فعال.
6 - سجلت الكويت ثالث أسوأ أداء عربيا في النمو الحقيقي لاستثماراتها خلال العام الماضي، بعد كل من الإمارات والمغرب. وهذه الاستثمارات العامة والخاصة نمت %4 فقط في 2010، مقارنة مع %14 في قطر و%11 في السعودية و%7 في عمان و%6 في البحرين و%3.8 في الإمارات، وذلك وفق بيانات نشرها اخيرا بنك إتش اس بي سي.
7 - في وقت كانت الأسواق المالية العالمية منتعشة في عامي 2009 و2010، شهدت البورصة الكويتية أداء متواضعا من دون أي مفاجآت إيجابية تذكر. ولولا أرباح بيع شركة زين لأصولها الافريقية، لكان الأداء أسوأ من ذلك. فالسوق مليء بأسهم ورقية لا نشاط حقيقي لها سوى المضاربة بالاسهم.
8 - صحيح أن المؤشر السعري فقد 100 نقطة امس، غير أن النزيف في المؤشرات مستمر منذ بداية العام. ويشبّه مدير استثمار جلسات التداول بمباريات كرة القدم، تخسر فيها البورصة يوميا، في حين أن خسارة أمس كانت 5 أهداف مقابل صفر، لذلك أتت صادمة بعض الشيء. وكان المؤشر أقفل أمس عند 6069 نقطة، وسط تداولات بلغت قيمتها 24.1 مليون دينار، وهو قاع جديد يبلغه خلال الأزمة المالية الحالية، وأدنى مستوى منذ أكثر من 6 سنوات.
9 - لولا التعثرات الداخلية لما أقفلت البنوك أبوابها نسبيا أمام المقترضين، عكس ما يدّعي البعض بأن الظروف الائتمانية العالمية أجبرت المصارف المحلية على ذلك. فشركات عدة كانت تعتمد على الاسهم كمصدر وحيد للإيرادات في حين أن بنوك ارتكبت اخطاء أيضا بإقراض هكذا نوع من الشركات. وتجد المؤسسات اليوم صعوبة في سداد القروض وفي الحصول على تمويلات جديدة لأسباب متعلقة بالضمانات المطلوبة وبالملاءة المالية.
وقد هبط إجمالي القروض المصرفية المقدم لشركات الاستثمار 158.5 مليون دينار في النصف الأول من 2011، أي بنسبة %5.6، كما تراجع إجمالي تمويلات الأسهم 121.7 مليون دينار (%4.5) في أول 6 أشهر من العام الجاري.
10 - عملت السلطات حول العالم على تحفيز اقتصادياتها وقطاعاتها الخاصة عبر حزمات إنقاذ وطنية بعشرات المليارات من الدولارات. بيد أن الكويت اكتفت بإصدار قانون عقيم اسمه قانون الاستقرار المالي، وبمعالجة بعض الثغرات الرقابية. وقد غابت خطط التحفيز الكويتية، خصوصا أن المحفظة الوطنية لم تؤت أكلها في سوق الأسهم على اعتبار أنها دخلت لتحقيق عائد سنوي لا لتبني مراكز وتستثمر على المدى الطويل. كما أن منسوب تنفيذ مشاريع خطة التنمية ما زال ضعيفا جدا.
11 - جاء قانون هيئة أسواق المال في التوقيت الخطأ ليزيد الطين بلة. فبورصة لم تعتد لعقود على ممارسات شفافة، لا يمكن تطبيق عقوبات حازمة عليها بشكل غير تدريجي. كما أن الثغرات في القانون جعلت مؤسسات تتردد في ضخ استثمارات في السوق. وتفتقد البورصة اصلا هذه الأيام لصانع سوق نظرا لغياب شركات الاستثمار عن الساحة، وعزوف بعض الصناديق والمحافظ الحكومية عن التداول لغموض في مواد قانون الهيئة.
جملة الملاحظات هذه مفادها بأن معظم أسباب الأزمة محلية، على أن تكون حلولها أيضا محلية من خلال زيادة الحكومة للانفاق الاستثماري، عبر طرح سلة مشاريع لتحسين البيئة التشغيلية، تماما كما فعلت دول خليجية. لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟

مواضيع ذات صلة :