فرضت مشكلة غسل الأموال ظلالها على المجتمع الدولي بقوة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001م ، حيث تزايد الاهتمام الدولي بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لمنع الجماعات الإرهابية من استخدام النظام المالي العالمي بتقنياته وأدواته المختلفة لتنفيذ أهدافهم، والحيلولة دون تمويل النشاط الإرهابي، سيما وأن جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتسم بأساليب معقدة، مما يتطلب دحر القوة الاقتصادية والاجتماعية للمنظمات الإجرامية والنيل من قدرتها على التسلل إلى الاقتصادات المشروعة واستخدامها في العنف والإرهاب.
ونظراً لكون مشكلة غسل الأموال قد تجاوزت في عصرنا الحاضر الحدود الوطنية والقارات والمحيطات في خضم التطور السريع في وسائل الاتصال والنقل والتكنولوجيا الحديثة، وفي ضوء الانفجار ألمعلوماتي، والتوسع التجاري الدولي، فقد أصبحت هذه المشكلة تستأثر باهتمامات دولية انطلاقا من أن التعاون الدولي في هذا المجال إذا لم يكن بمستوى الاستجابة لتحديات هذه المشكلة، وكذلك تحقيق إنجازات ملموسة في مواجهتها والتصدي لها، فقد يأتي يوم يصبح فيه معظم اقتصاد العالم في أيدي العصابات الإجرامية، ويُدار من قبل أباطرة الجريمة، حيث أن حجم الأموال المغسولة تقدر سنوياً بحوالي (3) تريليون دولار أمريكي، وما يعادل (8%) من حجم التجارة الدولية، و (5%) من مجموع الناتج العالمي، كما أن حجم الأموال المغسولة تحتل المرتبة الثالثة على المستوى العالمي بعد تداول العملة وتصنيع السيارات، آخذاً بعين الاعتبار حجم غسل الأموال غير المنظور أيضاً، مما يتطلب حفظ الاقتصاد المالي والمصرفي من العمليات غير المشروعة كون المؤسسات المالية والمصرفية تعتبر إحدى ساحات الحرب على غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مما يؤكد أن اقتصاد الجريمة لا يمكن الاعتماد عليه كبديل أو حتى كرديف للاقتصاد الشرعي في التأسيس لأي نمو اقتصادي أو مصرفي.
لذلك نجد أن غاسلي الأموال في سعي دائم للبحث عن ملاذ آمن تكون فيه أجهزة مكافحة غسل الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب متراخية أو غير فعّالة أو فاسدة أو محدودة التعاون الدولي.
ونظراً لتعقد مشكلة غسل الأموال كجريمة متداخلة مع جرائم أخرى، وعابرة للحدود معاً، نجد أن هناك نسبة ضئيلة من قضايا غسل الأموال التي يتم التحقيق فيها تصل إلى المحكمة، كما أن الإثبات في القضايا التي تنظر فيها المحاكم وإصدار أحكام إدانة بها تكون محدودة أيضاً، ويعود ذلك إلى أهمية التحقيق ومستوى نجاحه في تلك القضايا، سيما وأن تقنيات غسل الأموال تتطور بشكل مستمر بينما تميل طرق وأساليب التحقيق إلى التخلف في المسير، ولهذا من الأهمية البالغة حصول المحققين على المعرفة الأساسية والمهارات الضرورية بشأن التحقيقات الخاصة بغسل الأموال، والأهم من ذلك ينبغي أن تتوفر وسائل تكنولوجية متطورة للمحققين، وإتاحة الفرص التدريبية لهم لتعزيز قدراتهم المهنية على التحقيق في هذا المجال، لأن التحقيقات الفعالة في غسل الأموال تستلزم موظفين فنيين أكفاء، ذوي خبرة في معرفة النظم المالية والأساليب التحقيقية، لضمان النجاح في إجراء التحقيقات التي كثيراً ما تكون طويلة ومعقدة، وبغية تعزيز القدرات التحقيقية والمهارات الفنية للعاملين في هذا المجال، ويشكل ذلك تحدياً للدول حديثة العهد بهذه المشكلة يتمثل في عدم توفر العدد الكافي من الموظفين ذوي الخبرة والممارسة في إجراء تحقيقات معقدة وواسعة النطاق ، لأن التحقيق في هذه المشكلة الشائكة يشكل عنصراً أساسياً وفاعلاً يحول دون بقاء عصابات غسل الأموال خارج الأسوار تعيث فساداً في الأرض، علاوة عن استمرار وصول الإمدادات المالية إلى العناصر الإرهابية في مواقعها المختلفة(1).
ونتيجة للتطور المذهل الذي عرفته الأعمال المصرفية وخصوصاً فيما يتعلق بجانب الصيرفة الالكترونية ونظام التحويل المالي فقد وجد غاسلوا الأموال ضالتهم المفقودة في سحر أعين الناس وصرف انتباههم عن حقيقة المصادر الأصلية التي حصلوا منها على الأموال التي يتباهون في إدارتها في وضح النهار وأمام مرأى ومسمع الجميع . لكن ذلك لن يكون مبرراً للاستمرار في الطرق القديمة لإدارة العمليات المصرفية بل حافزاً لقبول الرقابة المالية على الأعمال اليومية بحيث أنه كلما توفرت الرغبة الكاملة لعدم التعامل مع الأموال المحرمة شرعاً وقانوناً وازداد الوعي القانوني عمقاً توفرت البيئة لمكافحة الأعمال غير المشروعة واستطعنا منع المتسللين من تحقيق مكاسبهم عبر تلويث الجهاز المالي والمصرفي .
وحيث ان المطلوب من المؤسسات المالية سواء منها البنوك أو منشآت الصرافة هو الالتزام بتوفير نظام متكامل يكفل الوفاء بجميع المتطلبات المطابقة للمعايير الدولية فقد أصبح لزاما عليها مراجعة نظمها والتأكد من مطابقتها لتلك المعايير قبل أن يكتشف المجرمون ضعف تلك الأنظمة وعدم فعاليتها ويبدؤون بغسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر تلك الأنظمة الباهتة الضعيفة وكذلك قبل ان تكتشف السلطات المختصة عدم التزام المؤسسات المالية بتلك الإجراءات فتكون خاضعة للغرامات والعقوبات بل ان الأمر يتجاوز ذلك حيث تحجم البنوك المراسلة عن التعاون مع البنوك المحلية وتوضع الدولة في مرتبة الدول غير الملتزمة بالمعايير الدولية وما يتبع ذلك من إجراءات سلبية، خصوصا وان القانون الجديد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قد وسع إجراءات المكافحة وأوجد البيئة القانونية لكشف الجريمة ومعاقبة الجناة و عدم التهاون مع المقصرين في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الجريمة والإبلاغ عن العمليات المشبوهة.
والله ولي التوفيق،،
* عضو وحدة جمع المعلومات المالية
البنك المركزي اليمني
صحيفة مال وأعمال العدد (95) 18 ابريل 2012م