آراء وأقلام نُشر

هذه حيـــاتـنا.. في ظـل القانون

قال  ألبرت شفايتزر :  “ أي نظرية في القانون يجب أن تنبثق من احترام الحياة” ..

وهكذا يجب أن تبدو حياة المجتمعات وثقافة الدول المنتصرة على الماضي وعلى الأزمات والانهيارات التي لحقت بها في ظل السياسات التي قمعت حريتها, وفشلت في تحقيق الكرامة للإنسان ولكل مفردات الحياة.

إن لسيادة القانون واحترامه دلالة كبيرة ومهمة في حياة الشعوب وفي حياة الشخصيات الملهمة وفي حياة الدول التي تحوّلت من دول مشتتة ومبعثرة إلى دول تسود العالم وتغزو الأسواق وتخترق الحواجز وتتعدى الثغور؛ وثبت بشعوبها وانتزعت حياتها من أزمنة التخلف إلى عالم السباق والمنافسة والصراع على جدارة الإنجاز..

وكل تلك الغايات تتحقق تباعا عندما يكون القانون هو الطريق الوحيد والسقف الآمن والقوي, الذي لا يتطاول عليه أحد.

ولكم تبدو التحديات متراكمة أمامنا نحن اليمنيين.. لعل في مقدمتها عدم احترام الحياة ومواصلة الصراعات.. والثقافات التي رفضتها الثورة ومن أجلها خرج الناس مطالبين بالتغيير.

ورغم أن الكل متفقون على أهمية بناء دولة النظام والقانون , لازال هناك الكثير ممن يعتقدون أن الدول لا تحكم إلا بالمتمترسين ببأس القبيلة, وجبروت الطباع, وملكات الاستبداد القادرة على إمساك مقاليد الوظائف والأعمال بأيدٍ من حديد.

ألم يخرج اليمنيون عن بكرة أبيهم مطالبين بساحات التغيير من أجل تغيير طريقة إدارة الحكم .. وتحقيق مصالح المجتمع وتنمية الاقتصاد والارتقاء بالإنسان اليمني في ظل قانون يحترمه الجميع ؟

من المؤكد أن مشكلتنا كانت مشكلة إدارة .. وبتحديد أولويات الحاضر ومتطلبات المستقبل, واحترام الإدارة, والإقلاع عن مهارة اختراق القانون وتعليق الأنظمة المنظمة للحياة.

نحن متفائلون بأن اليمن ستمضي قدما نحو مناخ أفضل يكفل للجميع العمل والاستثمار بحرية كاملة في اختيار مجالات العمل دون ابتزاز أو وصاية .. مادامت الحياة تمضي نحو تجسيد قيم عمل, وأجواء استثمارية تبدوا واعدة ومبشرة في شتى المجالات.

 

ورغم أن التحديات التي تواجه اليمن , إلا أن اليمن ستتجاوز كل ذلك وستصل إلى كل أهدافها المنظورة في مجال التنمية, إذا ما تم إعادة صناعة ثقافة احترام القانون كسلوك وقيم لا تخترق ولا تمس.

وبوجود مجتمع يقدس القانون , لن نحتاج إلى مؤتمرات مانحين, ولن نحتاج إلى مؤسسات تمويل, ولن نقبل بشروط الإذعان التي يمليها البنك الدولي وغيره من مؤسسات الإقراض , لأن بلادنا هي أرض الفرص الواعدة والكنوز التي مس أهلها شيئاً من السحر.

نعم .. لسنا فقراء , فبأيدينا خلقنا كل هذا الفراغ, وكل هذا الفقر .. وفي أيدينا كذلك كل هذه الثروة.

تعودنا على طلب المساعدات, ولم نتعود كيف نكرس القانون في حياتنا وفي سلوك أبنائنا.. وفي طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون منظمة بيننا وبين السلطات, وبين الدولة والشعب.

ومادامت التحديات أمامنا كبيرة  وبكل هذا القدر .. فإن علينا العمل الجاد لتطوير الحياة الاقتصادية وبيئة الأعمال؛ وهي مسئولية وشراكة بين القطاع الخاص والحكومة.. وبين المجتمع وكل الأطراف.

ولعل من واجبات الحكومة أن تولي اهتماماً خاصاً بتقديم التسهيلات والمزايا المشجّعة لتوسيع أعمالها ومشاريعها لما من شأنه دعم وتطوير بيئة الاستثمار وبناء وتصميم صورة جديدة للمشهد اليمني  الجديد بعد ثورة التغيير, وحتى تكون المرحلة القادمة قادرة على محاربة الفقر وخلق فرص عمل جديدة في ظل قانون يدعم المشاريع والبصمات التي تحترم الإبداع وتلهم المجتمع..

لقد حان الوقت لتعزيز النمو للخروج من الأزمة ومن التحديات الحالية, من خلال الدعم والتوسع في تمويل الاستثمارات باعتبارها أهم عوامل التنمية وزيادة فرص التشغيل لكافة المراحل والمجالات القادرة على تحريك الأعمال واستثمار الفرص واستغلال الطاقات التي تتمتع بها البلاد .. تحت سقف قانون يسود الحياة, ويساوي بين الجميع ويتيح الفرص للطاقات والمواهب.

 ومن نافلة القول التأكيد بأن على حكومة الوفاق أن تسهم في خدمة الشركات وأن تحل مشاكلها الناجمة عن تجميد المشاريع المستحقات خلال 2011 ..  وأن تعيد تقييم علاقتها بالقطاع الخاص, والإسراع في حل أزمة ضريبة المبيعات, التي عكست عن الدولة نضرة مخزية الشهر الفائت, عندما قامت أجهزة السلطات بحل قضية بهذا الحجم وبهذه الحساسية بمسيلات الدموع بدلا من استخدام سيادة القانون بروحه وحوافزه الحريصة على تشجيع الاستثمار وليس على تسميمه وإسقاطه مغميا عليه بين ركام مليئة بغبار القرارات الارتجالية التي تسيء للاستثمار ولليمن كدولة تسعى بكل أحلامها لتصبح جاذبة للاستثمار.

 إن تطوير الأعمال هو نجاح لسياسة الدولة ؛ ونموها وتوسيعها هو النجاح الحقيقي لليمن ؛ وعلى هذا الطريق وفي ظل قانون يحترمه الجميع ستشهد اليمن تغيرها بجاذبية القانون .. وليس بعصا الصراعات والسلوك المضاد لمتطلبات التغيير.

وبغير تحسين سمعة سيادة القانون , فإن التحدي سيظل قائماً , وستبدو كل الجهود الساعية إلى تحقيق التغيير المنشود مهزوزة الصور, ومظلمة الأفق.. وقد تصبح بيئة الأعمال واحتمالات تجاوز الصراع ضعيفة أمام كل إصرار مضاداً للقانون.

 وحتى لا تتلاشى أو تتأخر الإصلاحات والضمانات المطلوبة لتحسين بيئة الاستثمار وخدمتها ونقلها إلى مواقع المنافسة .. ومواكبة سباق التنمية التي نشاهدها في العالم على مدار الساعة.

إن تعزيز دور ومشاركة القطاع الخاص ومعاملته كشريك أساسي في عملية التنمية , في المرحلة القادمة ، سيسهم في إزالة كافة الصعوبات والتحديات التي تواجه نشاط الإنتاج والاستثمار ؛ وحتما فإن العجلة ستدور. . وكل هذه الأولويات يحث عليها القانون وينظمها, غير أنه كان معطلا ومشلولا, فهل نبدأ بتحقيق متطلبات كل ما ينعش الأعمال  ويحرك للحياة دورانها وللاقتصاد أمنه من المخاطر.


مجلة الاستثمار العدد (40) مايو 2012م


مواضيع ذات صلة :