ثلاثة وثلاثون عاماً وعلى عبدالله صالح يُدَّوخ البلاد والعباد ويعجن الدنيا عجين، ولا أحد تجرأ وقال له: ثلث الثلاثة كم. في عهده أصبح السفلة سادة القوم، والجهلة علماء وجهابذة، والأميون من كبار المتفوهين، والمشائخ سفراء وبرلمانيين وقادة ألوية، واللصوص شرفاء ومؤتمنين على ثروات ومقدرات هذا البلد، بينما الأقارب والأصهار وزراء وكبار, قادة ورؤساء مجالس إدارات لأهم مؤسسات وهيئات الدولة، أما الجيش وأجهزة الأمن فحدث ولا حرج، إذ لم يختلط الحابل بالنابل في أية مؤسسة من مؤسسات الدولة مثلما هو الخلط في هذه المؤسسات الاستراتيجية.
للتدليل على مدى المهزلة التي سادت هذه المؤسسات إبان حكم صالح. أذكر مرة وبعد حرب 94 المشئومة أن أحد المشائخ طلب من الرئيس السابق علي عبدالله صالح أن يعينه في وظيفة. حاول الرئيس يومها زحلقته, إلا أن هذا الشيخ الذي لا يتزحلق أصر على تحقيق طلبه لدرجة كان يلحق بالرئيس إلى كل محافظة يتوجه إليها ليلح عليه في هذا الامر. في الأخير استسلم الرئيس لهذا الإلحاح, فوجه بتعيينه مستشاراً لوزارة الدفاع، وعندما سُئل الرئيس عن فعلته هذه من قبل المقربين إليه كون لا علاقة لهذا الشيخ بهذه الوظيفة رد الرئيس ساخراً: لم أجد له عملاً غير هذا.
حكاية كهذه تغني أي باحث عن السؤال عما وصلت إليه أوضاع هذا البلد خاصة عندما وصل الاستهتار بمكانة الدولة إلى حد المساس بقدسية المؤسسة العسكرية التي تعد صمام أمان الوطن وحصنه المنيع.
في كل مجالات الحياة وفي كل مناحي الدولة كان هنالك استهداف لهذه المواقع من قبل السلطة الحاكمة وبالتحديد من قبل رأس السلطة. قابل ذلك صمت مطبق من قبل مثقفي المجتمع مقابل التهليل والتكبير والتمجيد بإنجازات القائد الذي لم تأت بمثله الأوائل، والذي ألصقت به خلال فترة حكمه كل ألقاب العظمة من قبل كبار المنافقين والأفاقين وعبدة الدرهم ومتسلقي المواقع الوظيفية من حملة المباخر وملمعي الأحذية.
لم يمر على الرئيس هادي في كرسي الحكم وحتى اليوم غير عشرة أشهر. ما من يوم مر منها إلا ووجدنا فيه ومن خلال الصحف ومواقع الانترنت من يرشده إلى حيث يتجه، فيما البعض ذهب إلى ما هو أبعد من هذا التنظير وهنا موضع علامة الاستفهام إلى نقده كونه اتخذ من ابن أخيه سكرتيراً خاصاً، ومن ابنه مسئولاً عن أمنه الشخصي.
أنا لا اعرف حتى اللحظة ما هو وجه الخطأ في هذه الإجراءات لقائد بلد وضع أمنه الشخصي الذي هو في الأساس أمن وطن وشعب برمته في يد أقرب المقربين منه، ووضع أسراره التي هي أسرار الدولة والتي يتوقف عليها أمن هذا الوطن وسلامته واستقراره في يد أحرص الناس على هذا الامر وهو ابن أخيه... ما وجه الخطأ في هذا خاصة إذا ما عدنا بذاكرتنا إلى جريمة اغتيال الشهيد الحمدي في 11 أكتوبر 1977م. إذ ما سهل على أعداء الوطن في اغتيال هذا الشهيد هو استسهاله لمثل هذه الأمور الامنية عندما أحاط نفسه بقتلة لا ضمائر لهم، ولا أخلاقيات طالما كانوا يعشقون القتل والغدر أكثر من عشقهم لأي شيء.
كثيراً ما تناول الكتاب والمحللون السياسيون وكل المهتمين والمعنيين بالوضع اليمني موضوع الهيكلة والحوار وبالتحديد في أيٍ منهما يتقدم الآخر. هذا التناول الذي طالما حمل الرئيس هادي مسئولية عدم البت في هذا الامر الحساس والخطير. إذ كان يشير الجميع إلى الرئيس على أنه العقبة الكأداء أمام هذا الحسم نتيجة عدم إقدامه على اتخاذ قرار يعيد للمؤسسة العسكرية هيبتها, ويضمن لها تماسكها في إطار ولائها الوطني وعقيدتها الوطنية، كون قرار كهذا وبإجماع كل من كتبوا في هذا المجال في صحف محلية وإقليمية ودولية يمهد الطريق أمام عقد الحوار الوطني وربما في إنجاحه.
بعد اتخاذ الرئيس قرارات يوم الأربعاء 19/12/2012م بهذا الشأن ، أي بهيكلة الجيش استباقاً للحوار وفق رؤية كثير من السياسيين ومن المحللين الاستراتيجيين الذين يرون في بقاء الجيش على ما هو عليه من تشظ ومن انقسام يشكل أس الأخطار التي تتربص بمؤتمر الحوار، وجدت من يطرح بأن مكان النقاش في موضوع الجيش هو في لجنة الحوار، وليس من خلال قرارات كهذه, وممن هذا الطرح؟! من الدكتور محمد المتوكل – في مقاله المنشور في صحيفة الأولى يوم السبت الموافق22/12/2012م.
إذ ما صدقت أنا وغيري أن يُقدم الرئيس على اتخاذ هذا القرار قبل أيام فقط من الولوج إلى مؤتمر الحوار, وإذا بي أفاجأ بهذا الطرح الذي يتبنى مناقشة معضلة الجيش التي أرقت كل الناس ضمن مواضيع الحوار المطروحة. أي أن نتحاور وكل منا قابض على الزناد ومصوب فوهة بندقيته إلى صدر الآخر دون قدرة للرئيس لحظتها على فض هذا الاشتباك.
سؤالنا للرئيس كي يتحقق حلمنا وحلمه أيضاً في إحكام قبضته على مفاصل هذه المؤسسة العسكرية، وفي نزع فتيل إشعالها – لا قدر الله- هو: ما جدوى قرارات على الورق دون ترجمتها إلى فعل ملموس على الأرض، فلكي يتخلص البعض من هواجسه المشروعة لابد من ترجمة هذه القرارات المتعلقة بالهيكلة إلى فعل ملموس من خلال إصدار قرارات سريعة تتضمن تسمية قادة المناطق، ومن ثم المباشرة في الدمج. دون ذلك فإن قرارات كهذه ستظل حبراً على ورق طالما هي مفرغة من المعنى، فيما هواجس البعض ستظل هواجس مشروعة لن تعبر عن هذا البعض فقط وإنما عن هواجس كل الناس في هذا البلد.