آراء وأقلام نُشر

مشيخــة الـدولــة..!

 

تبدو حالة اليمن مختلفة تماماً عن سائر بلدان العالم من حيث مهام الدولة المنوط بها تجاه أفراد الشعب في حماية مواطنيها وفرض هيبتها القانونية والدستورية ومعاقبة المجرمين دون احد سواها ..بيد أن بلادنا ليست الدولة وحدها من تقوم بذلك الدور ولكن ثمة سلطات قبلية وجهوية ومشيخية نافذة مازالت تتدخل في شؤون الدولة وتمارس اختصاصاتها المؤسسية بعلم الدولة وإدراكها إذا لم يكن بتشجيع منها حيث أنها - أي السلطات التقليدية- تسجن وتقاضي وتساءل وتعفي وتنفذ الحدود القصاص بحق المواطنين هكذا ونكون في حالة دولة داخل دولة..!

لقد سعت الدولة اليمنية بكل مؤسساتها خلال العقود الثلاثة الماضية إلى ترسيخ وتجذير القوى التقليدية بكل الإمكانيات المسخرة لقيام دولة حقيقية الأمر الذي اضعف إلى حد ما من حضورها على الواقع الحياتي إذ جعلها سلطة شكلية ليس الا تمارس مهامها وفق أجندة تقليدية لا تمت للقانون والدستور بصله وبالتالي فان تلك القوى كانت وما زالت تسيطر على المشهد اليمني بكل تفاصيله أكان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً من وراء الستار وهو الأمر ذاته الذي افشل إدارة النظام السابق وأنتج عنها الاحتقانات في كل أنحاء المعمورة..

والحقيقة إن بقاء وضع البلد هكذا يسير على هذا النحو تحت مظلة العرف التقليدي ذو الرؤية الرجعية سيشكل أخطار مستقبلية على المجتمع برمته ولعل ما يحدث اليوم من صراعات وأزمات سياسية لاشك أنها تراكمات منذ قيام الثورة اليمنية حتى الآن بفعل تلك القوى التي غيبت مشروع الدولة لصالح مصالحها الشخصية..

اليوم لم يعد المواطن يضع للدولة أي اعتبار ولا هيبة بل لا يثق بها لأنه يرى أن قوة شيخ قبيلته أقوى وانفذ منها فهو يمتلك السجون الخاصة ويقضي ويصدر الأحكام القضائية بين الناس ولديه والرجال والعتاد والسلاح التي تمكنه من مواجهة الدولة وبهكذا يصبح الشيخ دولة بحد ذاته..

فلم نر ونسمع قط أن الدولة إذا لجأت لها لتنصف لك من مظلمة قد حلت بك من شخص ما تحولك إلى شيخ قبيلتك للنظر في القضية وحل النزاع عرفياً بينكما بدلاً عن القانون الذي شرع لنحتكم إليه جميعاً سوى في بلادنا ..وبالتالي أصبح الشيخ في هذه البلاد هو كل شيء أما الدولة فليست سوى سلطه تابعة لنافذين بل وتمتثل لأمره..!

وبرغم الحديث المتردد عن تأسيس الدولة المدنية في الوقت الحاضر الا ان ذلك بعيد كون الدولة ماتزال تستمد قوتها من القبيلة وتدين لها بالولاء. لذا ماذا ننتظر من دولة تستنجد بالقبيلة لحل المشكلات العالقة بينها وقبيلة أخرى آو متمرد آو مخرب ..؟!

واذا كانت مؤسسات الدولة وأجهزتها لا تعي مفهوم الدولة ولا تعول بتطبيق القوانين فكيف نرجو من المواطن العادي الانضباط والانقياد له أصلاً..؟

وكل هذا بكوم والجنوب اليمني بكوم آخر ولاسيما عدن الذي يضرب المثل فيها كمجتمع يمثل المدنية بأروع صورها وتعتبر خالية من ثقافة المشيخ صار لديها اليوم مشائخ وبهذا تكون العدوى قد انتقلت من أقصى الشمال اليمني إلى جنوبه ..!

على كل حال يتوجب علينا جميعاً تجاه ذلك هو استعادة كيان الدولة الحقيقية وسلطتها وهيبتها ونظامها المختطفة لدى تلك القوى التقليدية ورد اعتبارها وتعزيز نفوذها فمن العيب أن نظل هكذا وطناً وشعباً مرتهنان لإرادة أشخاص لا يفقهون في شيء من أمور الدولة سوى ثقافة الفيد والتسلط والنفوذ..

وفي الأخير نحلم ببناء دولة مدنية قائمة على نظام المؤسسات بعيدة عن المحاصصة السياسية، دولة تحفظ لمواطنيها حقوقهم وتساوي بينهم بالعدل وتأمن حياتهم من الخطر،دولة تهتم بالتعليم لا بالتجهيل دولة تقف إلى جانب المواطن الضعيف وتنصفه..

 

للمزيد من الأخبار تابعونا على صفحتنا في الفيس بوك

للمزيد من الأخبار تابعونا على صفحتنا في تويتر

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة :