لو تطلّعنا بجدِّية إلى إحياء المشروع القومي؛ لوجدنا العمل الاقتصادي العربي المشترك هو أهم ركائز هذا المشروع؛ ولآمنَا بحتمية اللجوء إلى هذه الركيزة، من أجل عبور الأزمات العربيَّة، لا سيما الاقتصادية منها؛ وهي الركيزة التي تتعثَّر خُطاها للتصحيح، أمام الفجوة بين اقتصاديّات الدول العربية، والتفاوت الواضِح بين مستويات هذه الاقتصاديّات.
شهد العمل الاقتصادي العربي المشترك ، في العقود الأخيرة حالة من الفشل، مُتاثِّرًا بالظروف السياسيَّة لبلدان الوطن العربي، التي استهلَّها أحداث السبعينيات، والشقاق العربي ما بعد كامب ديفيد، والتي لحق بها أزمة غزو العراق، والجذر العربي الفائق، الذي تتعرَّض له معظم الأقطار العربيَّة اليوم.
ومما يزيد من أزمة الاقتصاد العربي، التكتلات الاقتصادية العالمية، والتي تسعى إلى السيطرة على كامل الاقتصاد العالمي، ولقد بات على رأسها منظمة التجارة العالمية
ولقد دفع مؤتمر القمة العربي، خلال اجتماعه الحادي عشر، الذي عقد في عمان، عام 1980م، إلى النهوض بالأوجه الأخرى للعمل الاقتصادي العربي المشترك حيث أفرز المؤتمر بعض الوثائق، كان أهمها استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك 1980 -2000م.
ثم جاءت قمة عمان الثالثة عشرة ، والتي أقرت تبنّي استراتيجية جديدة للتكامل الاقتصادي للعمل العربي المشترك خلال الفترة من 2000-2020م ، والتي اهتمت بالمتغيرات الاقتصاديَّة العالمية إلى جانب تفعيل اتفاقية الوحدة الاقتصادية والسوق العربي المشترك.
وعلى الرغم من أن العمل العربي المشترك قد حقق عددًا من الإنجازات، فإن حصاد ذلك العمل، لم يأت بالطريقة المُرضية، والتي يحاجها المجال العربي بشكل بالغ الضروريَّة.
كما أن التجارة العربيَّة البينيَّة، لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من تجارتها الخارجيَّة الكليَّة؛ وذلك منذ خمسينيات القرن الفائت، وحتى الآن. حيث بلغت التجارة البينية العربية 15 بليون دولار في العام، بينما بلغت 150 مليار دولار عالمياً.
وعن إمكانية بناء اقتصاد عربي مشترك؛ والتي تُعد السوق العربية المشتركة من أهم آلياتها؛ يجب علينا إنجاز عدَّة خطوات مرحليَّة؛ أولها العمل على إقامة منطقة تجارة حرة، بين الدول العربيَّة، يليها مرحلة تكوين سوق عربيَّة مشتركة.
هذا ويتحلَّى المدى العربي بوجود عوامل قوة جمَّة لقيام وحدة اقتصاديَّة جادة، لوجود عدد من الثروات الطبيعية، منتشرة في شتى البلدان العربية؛ كالنفط، والغاز،والحديد، والفوسفات... الخ.
وعن التجربة السابقة للسوق العربية المشتركة؛ والتي اقتصرت العضوية فيها على الدول الأعضاء في مجلس الوحدة الاقتصادية؛ فقد ضمَّت أربعة دول ؛ كانت الأردن، وسوريا، والعراق، ومصر؛ ثم انضمَّت اليمن، والسودان، وليبيا، وموريتانيا؛ فيما لم تنضم الإمارات العربية المتحدة، أوالصومال.
بقِيت السوق العربية المشتركة على خُطى ثابتة؛ إلى أن طَرأت بعض المشاكل بين الدول العربية، لا سيما تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية إثر اتفاقيّة كامب ديفيد؛ مما أودى باستقرار هذه السوق، وتجميد فاعليَّتها.
حتى اليوم؛ يقف في وجه هذه السوق عقبات بالغة، تُعرقِل تفعيلها، التباين الواضح في اقتصاديّات الدول العربية؛ وعلى طريق الحل؛ يجب إيلاء التجانس بين الاقتصاديّات العربية قدرًا من الاهتمام؛ إلى جانب العمل على توافُق السياسات الاقتصادية المختلفة للدول العربية.
كما أن المشاكل السياسية بين بعض الدول العربية، باتت أخطر عوائق قيام وِحدة اقتصادية في الوطن العربي؛ إلى جانب رغبة بعض الدول العربية في السيادة؛ أو على الأقل الرغبة في ما يرون أنّه استقلال سياسي، وتحرُّر - لا أعلم مِن مَن؟! – ما يوقِع كامل الوطن فريسة للتفرِقة، التي تؤدي إلى التبعيَّة السياسية، ومن ثمّ الاقتصادية، للغرب، ومخطَّطاته.
من يملُك المال، يملُك القرار؛ هذا ما يجب علينا إدراكه؛ يجب على دويلاتنا العربية - والتي شتَّتها الغرب بتقسيماته، وما تلتها من آليات الإضعاف – أن تستدرك أخطاءها، وتَعي أن في الاتحاد قُوَّة؛ وأنها من غير المنطقي أن تتحرَّر من قيود وهميَّة، للإيقاع في فخوخِ التجزئة، والتبعيَّة، والارتهان للغرب.
http://unitedna.net