أهو الماضي ما يحياه البعض أم الحاضر معتقدين أنه المستقبل ، صراحة لا شيء يستهوي(عندهم) البال ، إلا الاحتماء بالخيال ، عساهم في هذا البلد لا يكونوا كذاك المغفل ، القاطع الطريق وفي نهايته أدرك بارتدائه القميص ونسي السروال ، فتذكر بعد فوات الأوان كم من عشرات مروا حياله مبتسمين ظنا أنه بالأحضان يُقابل ، فإذا به مسخرة على عقله (بعد الحدث) لا يُعول .
المرحلة أية في الخطورة والمرور منها يقتضي التعامل مع الجديد بصرف النظر إن كان القديم سبب ما تحياه الأردن حاليا من أزمات وحادة في بعض المجالات أو عذره أنه كان مسيرا دون التمكن من نعمة الاختيار .
الدستور الجديد رغم ما يعتريه من إبقاء نفوذ يقيد ما يقيد به (دون الدخول في التفاصيل) إلا أنه يفسح المجال لمزيد من المكتسبات إن تدبر أمره من فهم أبعاده ووجده جسرا للانتقال بالوعي المكتسب مع التجربة الرامية لإقناع عموم الشعب فتعود الثقة ليتم تعويض ما ضاع.
الصعوبات التي واجهت البرلمان في اختيار رئيس الحكومة الأليق ، في التوقيت المدقق، يعرض التجربة إلى التوقف عند الخطوة الأولى في الطريق السيَّار، كفاقد البصر، ينتظر من يقوده لضفة البداية . وحتى إن جاء من يُخرج المؤسسة الدستورية العالية الشأن والمحصنة بما يكفى لممارسة واجباتها طبقا للقانون المعمول به في هذا الصدد، ستظل العامة من الشعب غير مقتنعة بما سيؤول إليه مصيرها المربوط بعقليات لم تتغير ولن تتغير لاعتمادها على المألوف،والانتظار بما قد تأتي به بعض الظروف .
المسألة السورية شأن آخر له مجاله وما تم في أمره يراها البعض تضحيات جسام مبذولة من طرف الملك عبد الله الثاني لتبقى الأردن محايدة الحياد الايجابي وليس العكس، بصورة تنبيء بتحول غاية في الأهمية يساهم مباشرة في ضبط استراتيجية جديدة تلقي بظلالها على برامج تشارك في إعدادها المؤسسة الملكية من جهة، ومؤسسة البرلمان من جهة أخرى ، في إطار توافق تفرضه اتصالات جانبية ألفها الأردن على مستوى عالي في دواليب الحكم ، بتنسيق مع أطراف دولية معنية باللاجئين المتدفقين على البلد بصورة تدعوا إلى القلق المتزايد باستمرار، كمدخل لما هو آت في الطريق مما قد يخلط بعض الأوراق رأسا على عقب، يخرج منها الأردن الرسمي وقد حصل على جل ما يريد . طبعا القادم يستوجب الهدوء بترك المؤسسات الدستورية تقوم بواجباتها دون ضغوطات ما يُهْمَس بها في الشارع ، أو تغلي به بعض الميادين بوضعيات ونسب مختلفة ، مما قد يلزم المؤسسة الملكية في تحقيق نوع من الانفراج المصاحب لطرح وتنفيذ حلول بأبعاد ملموسة لقضايا ظلت عالقة بحجة عدم توفر الإمكانات المادية، والدولة قادرة متى شاءت ،لكن المشكل كامن في انتظارها حتى تستفحل الأمور أزيد فتتدخل إما بما يرضي أو يغضب ، وهذا إن تكرر في الأردن فمعناه أن خللا فادحا يعتري عملية تلاحم الشعب بحاكمه أو الحاكم بشعبه . الجولة التي قام بها الملك عبد الله الثاني لبعض العواصم المعروفة بتفاصيل محدودة في إبانها ، لم تكن للتشاور الأمني أو تحديد دور كل تلك الدول الواجب لعبه في تنسيق يكمل أي طرف فيه الأطراف الأخرى ، بل أيضا لحصول الأردن على ما يمكنه اقتصاديا من مواجهة اكراهات ثابتة لا تبرح مكانها منذ سنوات، وما سيلحق بها مما لا مفر من الاستعداد له ، خاصة والزمن هذا ، كل إنسان فيه يعمل للعيش في مستوى القائم بواجباته الحاصل على كل حقوقه ، وهذه الأخيرة في الأردن (للأسف الشديد) يعتريها ما يعتريها أحيانا من ضبابية إن لم نقل العدم . الإخلاص للوطن ركيزة، لكن الوطن الذي لا يستطيع الإخلاص لمواطنيه، شيء فيه لا يسير طبيعيا، ليس الفقر عيبا ، هذه إحدى مسلماتنا الثقافية والعقائدية، لكن الفقر المصطنع بتفضيل هذا عن ذاك لم يعد أي عاقل يقبل به خاصة إن كان التفضيل المذكور خاليا من شروط تؤكد ذاك الاستحقاق .
الأحداث تتلاحق ، وسوء الفهم لمجرياتها في ألباب بعض المسؤولين يتعمق ، المسألة لم تعد منفصلة خلفياتها عن باقي دول الجوار بل شرورها أخذ في الاتساع ليطال من حسب أنه في مأمن مطلق ، وتيك نتائج تخطيطات جهنمية يُسْتَغَلُ فيها اندفاع إيران ، الحالمة بزعامة المنطقة الشرق أوسطية من زمان . و احتياج روسيا لما يبرزها كقوة عظمى لتتصرف الند للند مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وطموح ممزوج بالغرور مشخص في مقاطعة "حسن" جنوب لبنان الطامع في قيادة شيعة لا تستوطن بلاد الفرس لكنها خاضعة لتعليمات وتوجيهات قوات حراس الثورة التي يرأسها بلا منافس ساكن مدينة "قم" ، و محاولة فنزويلا (وما يدور في فلكها) تمثيل القارة اللاتينية كقوة صاعدة مستقلة عن سياسات الولايات المتحدة في نفس الجهة بما قدمته بتشجيع من إيران التي أظهر ما أظهره رئيسها بتقبيل نعش الراحل هوجو شابيس المسجي في كنيسة بحضور قادة ورموز تلك القارة تحديدا . وأشياء أخرى يطول الحديث فيها وعنها . يكفي متابعة ما يجري في تونس مرورا بمصر وتعرجا على فلسطين فجنوب لبنان فلبنان وصولا إلى العراق و بالتالي الأردن ليجد هذا الأخير الهادي لحد الساعة وفي العامل محطة يجب التنبيه والتنبه عند حط رحيل التحليل الصريح النزيه فيها ، في مثل الحالات لا شيء متروك للصدفة ، وإنما لما تمت دراسته ووُضِعَ له ما يستحق انتظارا لما سيترتب عليه هذا الاستحقاق من مرور آمن أو في الأقصى بأقل الأضرار ، مسؤول عنه الحكم المحلي بمقوماته وتسلسل قدراته على الصمود والابتكار واستنباط العبر مما جرى ليصبح تدبيره المحكم تأشيرة مستقبل تشرق عليه الشمس وتتخلله الفصول الأربع دون التوقف عند الربيع فقط .