أخذ التحضير لمؤتمر الحوار الوطني ما يقارب عشرة أشهر منذ بدأت لجنة الاتصال الثمانية عملها في شهر مايو 2012م مرورا باللجنة الفنية الثلاثينية التي بدأت أعمالها فعليا في أغسطس 2012م ولتنتهي منها في مارس 2013م، وبالتأكيد فقد أخذ التحضير وقتا طويلا جدا إذا ما قسناه بالمدة المحددة للفترة الانتقالية وهي عامين فقط، لكن إذا ما قسناه إلى كم ونوعية الإشكاليات المعقدة التي ورثها الرئيس عبدربه منصور هادي من عهد سلفه الطويل ومطلوب حلحلتها في فترة العامين الانتقاليين إن لم يكن حلها تماما.
لذلك عملت اللجنة الفنية على تلمس تلك الإشكاليات المعقدة في بواكير عملها وبلورتها فيما اصطلح على تسميته لاحقا بالنقاط العشرين، بغرض مساعدة الرئيس هادي على وضع إطار محدد لجوهر المشاكل التي قد تعترض الحوار... وبالفعل بدأت خطوات التمهيد الناجح للحوار في التبلور شيئا فشيئا وبدأت الإجراءات المتتالية تمضي قدما بغرض توفير أجواء صحية لحوار ناجح.
وتتوجت هذه الخطوات بالقرارات التاريخية التي أصدرها الرئيس هادي مساء الأربعاء 10 إبريل الجاري بالتعيينات في القوات المسلحة تنفيذا لقرار الهيكلة الذي صدر قبل ذلك بأربعة أشهر... وهكذا لم تبدأ الجولة الثانية من مؤتمر الحوار الوطني إلا بعد صدور تلك القرارات التي أنهت من الناحية العملية أهم الإشكاليات السياسية والمتمثلة في الجيش الفئوي عائليا ومناطقيا وأسست؛ لبناء جيش وطني حقيقي ينتمي قادته إلى مختلف مناطق اليمن، ويتميزون بالكفاءة العسكرية والولاء للوطن، كما يشهد لهم الكثيرون... والأهم أن هذه القرارات أعادت للجيش وحدته وتماسكه وأنهت انقسامه الذي كان نتاجا طبيعيا لانحياز عدد من قادته للثورة الشبابية الشعبية السلمية في مارس 2011م... ولن يقتصر التأثير الإيجابي للقرارات العسكرية الأخيرة على ما ذكرنا فقط بل ستنعكس على أجواء مؤتمر الحوار الوطني التي تلقفها أعضاؤه بمزيج هائل من الفرحة والتفاؤل... وإلى جانب ما سبق فإن الانعكاس الإيجابي لهذه القرارات سيمتد ليشمل كافة جوانب الحياة اليمنية باعتبار ما كان للجيش بتكوينه السابق من تأثير سلبي في الحياة العامة والسياسية والاقتصادية، وهو تأثير يفترض أن يتحول إيجابا بسبب التوجه الجاد لبناء جيش مهني مهمته الأولى حماية السيادة وليس حماية السلطة، وهذا الأمر بحد ذاته سينعكس بالطمأنينة على المواطنين من ناحية وعلى المستثمرين الوطنيين وغير اليمنيين من ناحية ثانية فلا يمكن أن توجد أجواء صحية للاستثمار في ظل وجود جيش ضعيف وقادة يتسمون بالنهم والفساد، فيما ستتوفر هذه الأجواء الصحية عندما يدرك المستثمر أن هناك جيشا مهنيا محايدا لا يتدخل في الحياة العامة ولا يدبر الانقلابات ولا يعبث بمقدرات البلاد.
لاشك أن قرارات 10 إبريل قرارات تاريخية بكل المقاييس وهي بداية لصفحة جديدة فعلا في اليمن وضمانة كاملة لنجاح مؤتمر الحوار الوطني بل هي التتويج الحقيقي لأهداف ثورة 11 فبراير السلمية والبداية الحقيقية لبناء الدولة المدنية الحديثة وتجسيداً لطموح وحلم شباب اليمن الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه.
* مدير مكتب رئاسة الجمهورية - عضو مؤتمر الحوار الوطني