آراء وأقلام نُشر

اقتصاد الظل

    تشير توقعات بعض الاقتصاديين إلى أن حجم اقتصاد الظل في المملكة قد يصل هذا العام إلى 330 مليار ريال. أي ما يقارب 17% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا مبلغ مثلما نرى ضخم جداً. فهو يتعدى الناتج المحلي الإجمالي لليمن والبحرين مجتمعتين عام 2011. أو أنه يصل إلى حجم اقتصاد بلد كبير مثل السودان.
 
طبعاً مثل هذه الظاهرة لا يمكن أن تخلق بين يوم وليلة. فحسب إحصائيات صندوق النقد الدولي فإن نسبة اقتصاد الظل في المملكة خلال الفترة 2002-2007 كانت تتراوح بين 17.5% إلى 19.9% من الناتج المحلي الإجمالي. إذا فنحن أمام مشكلة مزمنة من ناحية وخطيرة من ناحية أخرى.
 
وأنا هنا أود التوقف عند بعض الجوانب السلبية التي يخلقها هذا الاقتصاد. فالمملكة مثلما نعلم تعتمد على خطط التنمية كوسيلة للتأثير على التطورات في مختلف نواحي الحياة. ولهذا فإن وجود اقتصاد خفي بمثل هذا الحجم يعتبر بمثابة نقاط إذا لم نقل بقع عمياء في تلك الخطط. فإحصائيات الناتج المحلي الإجمالي سواء من ناحية الإنفاق أو من جهة الدخل سوف تتأثر بغياب هذه الثلاثمائة والثلاثين مليار ريال عن الحساب. وهذا من شأنه أن يؤثر على الحلول التي يضعها المتخصصون في وزارة التخطيط. فبدون معرفة دقيقة لحجم رأس المال الثابت والإنفاق الاستثماري والاستهلاكي فإنه من الصعب وضع حلول للمشاكل الاقتصادية.
 
بالفعل فإن وجود اقتصاد غير علني بهذه الضخامة يشكل تحديا كبيراً للمخططين بلا شك. فال 330 مليار ريال تعني أن هناك نشاطا واسعا تسيره أموال ضخمة وتعمل فيه أعداد كبيرة من الناس يصل عددهم إلى الملايين. فهذا الناتج المحلي الإجمالي الخفي يجعل من كافة المؤشرات التي نعتمد عليها في وضع الخطط المستقبلية غير دقيقة. فبدون إضافة حجم الأرباح والأجور التي يخلقها اقتصاد الظل سوف يكون من الصعب علينا حساب حجم الإنفاق في الاقتصاد بشكل صحيح. وهذا يؤثر على معالجتنا للتضخم وحل موضوع البطالة. فهذه البلايين التي تعمل دون علمنا من شأنها أن تثير العديد من التساؤلات حول الجهود التي تبذلها وزارة العمل لتصحيح أوضاع العمالة الأجنبية. ولا تقل عن ذلك الأنظمة التي يتم بموجبها استقدام العمالة من الخارج.
 
الأمر الأخر والذي لا يقل عما سبق أهمية هو أن هذا الوضع غير القانوني لهذا الاقتصاد من شأنه أن يحد من شبكة العلاقات الأمامية والخلفية التي يقيمها مع الاقتصاد العلني. والأسوأ من ذلك أن أصحاب مئات المليارات هذه، والتي يمكن اعتبارها استثمارات أجنبية تعمل من دون تراخيص مسبقة، لا يهتمون بدفع الزكاة ولا الضرائب. وهذا معناه تمتع رؤوس الأموال تلك بقدرة تنافسية إضافية أمام بقية الاستثمارات الأجنبية المرخص لها. إذاً فالأمر مغر لأصحاب الأموال السعودية والأجنبية للعمل خارج مظلة الهيئة العامة للاستثمار.
 
من هنا فنحن بين خيارين: الأول العمل على استئصال هذا الاقتصاد. وهذا أمر جربناه خلال السنوات الماضية دونما جدوى. إذاً فقد يكون من الأفضل خلق الظروف المناسبة لخروج هذه المليارات من الظل إلى العلن؟
 
 

مواضيع ذات صلة :