آراء وأقلام نُشر

جذر المشكلة

 
 
- سبق أن قلنا وأكدنا مراراً (في لقاءات إعلامية رسمية) أن معضلتنا نحن اليمانيون تكمن في عدم قدرتنا على قراءة جذر المشكلة .. وقلنا أنه مهما اجتهد الساسة والمعنيون بعيداً عن تحسين المستوى المعيشي للمواطن فإنهم سيظلون أشبه بمن يحرث في البحر .. وقلنا أننا (حكومة وشعب) نغرد خارج السرب عندما نفرط في الملف السياسي على حساب الملف الاقتصادي .
وقلنا أننا كبلد مصنف ضمن الدول النامية والأقل نمواً مشكلتنا اقتصادية وليست سياسية .. بالتالي عندما نختلف لابد أن نختلف على الاقتصاد وعندما نتفق لابد أن نتفق على الاقتصاد .. وفي هذه الحالة يكون الاتفاق والاختلاف سلوك سياسي صحي ينم عن توجه صحيح وهدف نبيل و عقليات بمقدورنا المراهنة عليها في انتشال الوطن من براثن المعاناة. 
ورغم أن البعض لم يرق له ما ذهبنا اليه حيث ردوا علينا بأنه إذا صلحت السياسة صلح الاقتصاد .. لكن هذا القول (مع احترامنا لأصحابه) لا يمثل سوى تعزيز لعقمنا الفكري في التعاطي مع مشاكلنا واولوياتنا .. فهذه النظرية التي أراد لها دعاتها أن تخرج الى الناس في إهاب الحقيقة غير أن التطبيق بها الى ما يعاكس ذلك .
فالواقع أنه إذا صلح الاقتصاد صلحت السياسة .. لاسيما أن تركيز الشعب على المعضلة الاقتصادية يجبر الحكومة على السير نحو إيجاد الحل لأن الرأي العام هو أحد أبرز المحددات التي تعمل الحكومة وفقاً لها .
وإيماء الى المستجدات الراهنة الرهيبة والتداعيات الخطيرة التي حبست أنفاس الناس جميعاً حيث أصبحت العاصمة صنعاء مرشحة للحرب في أي لحظة، بل والأدهى من ذلك فتح الباب على مصراعيه أمام احتمالية دخول اليمن في منعطف تاريخي من خلال تغير شكل الدولة في حال غابت الحكمة اليمنية وانفجر اللغم وانتصر طرف على الآخر سيما إذا كان هذا الآخر المهزوم هو الدولة القائمة .. نجد أن كل ما يحدث حالياً هو نتاج المشكلة الاقتصادية ( التي حذرنا من عواقبها الوخيمة مراراً ) بدليل أن جميع مطالب الطرف الحامل لراية التصعيد هي مطالب اقتصاديه تخاطب معيشة المواطن العادي وحياة الناس .. لذلك تكتسب وتستمد أهمية وقوة .. حتى المختلفين مع الحوثي يتفقون على صحة المطالبُ والمبررات التي رفعها لأنه يتكلم بمنطق الاقتصاد الذي لا يختلف عليه أثنان .
حتى أيام الثورة السابقة 2011م ما يعرف بالربيع العربي ..كنا نقول لا تجعلوا ثورتكم موجهة نحو أشخاص بل أجعلوا ثورتكم موجهة نحو مطالب اقتصادية لأن الثورة من وجهة نظري لابد أن تكون بواعثها اقتصاديه وأهدافها اقتصادية تنعكس على حياة الناس .. فليس من المهم أن يتغير الأشخاص بل ان تتغير الأوضاع الاقتصادية من المعاناة إلى الرفاه كمطلب إنساني وكاحدى مقومات الحكم الرشيد .
أو فلنقل يتغير الأشخاص والأوضاع .. فالمواطن أو الشعب إذا لم تحسن وضعه الاقتصادي سيظل يتذمر منك وسيطفق ينتقل من ثورة إلى ثورة .. ولئلا نجد من ثوار الأمس من يلعن ثورته التي قام بها ويعض أصابع الندم .
بمعنى حتى لو غيرنا الحكومة الحالية.. وجاءت حكومة جديدة ولم تحقق نجاحات اقتصادية تتجاوز الظاهرة الصوتية بل ملموسة في انخفاض الأسعار وارتفاع العملة الوطنية وتحسن المستوى المعيشي للمواطن .. فإن المشهد سيظل يكرر نفسه وستبقى البلاد رهينة الفوضى والصراعات التي ليس لها بداية ولا نهاية. 
حتى أيام الحوار الوطني الذي كان يؤمل السواد الأعظم أنه طوق النجاة الذي سيخرج الوطن من عنق الزجاجة .. كنا نقول لابد أن يكون الاقتصاد ومكافحة الفقر هو الأولوية التي لا يعلى عليها والملف الذي يتقدم كل الملفات بل أكدنا أن كل القضايا في كفة وهذه القضية في كفة .. اذ لابد ان نخرج بمعالجات اقتصادية لا تفتقر إلى القوة تنهض بوضع البلاد مستفيدين من الدعم الدولي الأممي والاقليمي الخليجي .. وأن نترك تحت سقف الحوار خلافاتنا جانباً وان نستغل هذه الفرصة التاريخية المناسبة فنكون من الذكاء بمكان بحيث نضع أيدينا ( كفرقاء ) في أيدي بعض وننتقل إلى الخطوة التالية الأهم وهي التركيز على انتزاع الموافقة من الدول الراعية للمبادرة الخليجية بسرعة تقديم الدعم المادي المطلوب للنهوض باقتصاد اليمن الذي يمثل العمق الاستراتيجي للمنطقة .. مؤكدين لهم أنه إذا حلت معضلة الفقر ( المشكلة الاقتصادية) فإن ذلك سيكون كفيل بحل جل المشاكل الاخرى .
وحتى عندما اختلفت النخب والساسة حول شكل الدولة المزمع كأبرز قضية في مؤتمر الحوار الوطني بين مؤيد للفيدرالية ومعارض .. كنت أنا أردد وأكرر أن المواطن في حقيقة الأمر لم يعد يعنيه شكل الدولة الجديد بل قد يكون من الصعب القول بأن المواطن وصل به الأمر إلى التسليم بأي بيييييdي شكل للدولة ( حتى الانفصال ) .. المهم في نظره هو الشكل الذي يحقق له مخرجات اقتصادية.
أذن المشكلة في جذرها اقتصادية .. وبدون وضع حل ناجع للوضع المعيشي الاقتصادي .. فإنها ستلبث هي السبب الرئيسي في عدم الاستقرار السياسي في بلادنا و شتى البلدان النامية. 

مواضيع ذات صلة :