آراء وأقلام نُشر

عاصفة الأسعار

 

تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط يزداد أهمية وتقرع الأجراس مجدداَ؛ فالنزول السريع للنفط دوليا بنحو 50 دولاراً للبرميل يجعل اليمن أمام مرحلة خطيرة وباقتصاد أصبح قاب قوسين من الانهيار.

وبلغة المجاز والتمني, قد تكون اليمن في الوقت الراهن بحاجة ماسة لمعجزة أو إلى تدخل الهي لتخرج من وضعها الراهن ؛ إذ أن الاسوار المحيطة تزداد ارتفاعا وسُمكاً, والتحديات تطغى وتهيمن دون رحمة أو ضمير.

كيف ستعمل السلطات, وليس بيدها اكثر من برنامج قيل انه طموح, وقيل ايضا إن فيه شططاً من احلام تتلاشى في الهواء؟

كيف سيتجاوز الاقتصاد محنته وتحديات السياسة تتسع.. و الحكومة بمجمل قطاعاتها, مثلما نعرف, تنام عندما ترتفع أسعار النفط وتتبلد عندما تنخفض وتتدهور.

نحن جميعا في هذا المجتمع نعلم ان سياسة الحكومات السابقة اعتمدت على المساعدات الخليجية, غير ان السياسات اليمنية ودون أي استثناء لم تمنع الاقتصاد اليمني من الضعف و الانهيار, بل وتتدافع السلطات ذاتها الى الاعتماد على خيارات مؤقتة وتبني سياسات ضيقة انعكست على تجميد المشاريع وشل حركة العمل وزيادة حجم الركود في مختلق المجالات ؛ فيما يظل الإنفاق الحكومي يتوسع ويزداد, وبخط موازٍ تنهب اموال الدولة وتتبعثر بمسميات تزيد من فجوة الصراع وتعمق من اسباب ضعف الدولة.

في العام الجديد 2015 تبدو نسب التعافي  الاقتصادي أقل من انتفاخ الامنيات في العام 2014 بصورة واضحة، نظرا للانخفاض الكبير والمدوي الذي جعل دولاً مثل اليمن ترتطم بشدة على واقع خالٍ من البدائل والحلول العاجلة لتجاوز ازمة المال التي ستزيد من اوجاع ضعف الدولة المحاصرة بالقوى الانتهازية وبنفوذ مطامع الصراع الى المؤسسة الرئاسية للتأثير على صناعة القرار والتحكم بمستقبل الاجيال التي طالما حلمت بتغيير لم يتحقق بعد على ارض الواقع, وتزيد ضغوطات التحديات المزمنة والتي تتمثل بالبرامج الحكومية التي تفتقد لأبسط الضمانات القادرة على حمايتها من المخاطر بغض النظر عن مدى اهميتها ومما اذا كانت مجدية أو غير ذلك !.

ولا ريب في  أن التضخم سيرتفع وسعر صرف الريال لن يصمد طويلاً وسيواجه عدة تحديات نتيجة ارتفاع متوقع ومحتمل للدولار, وهناك ركود في مجمل الاسواق الاقتصادية نتيجة احداث الصراع الذي شهده العام  الذي يوشك على الأفول 2014 ونزوح نحو 37 شركة تعمل في مجال النفط والغاز ومن بينها شركات عالمية مشهورة مثل شركة او كسيد انتال الامريكية من القطاع S1  وشركات اخرى علقت اعمالها وعرضتها للبيع وأعلنت القوة القاهرة في عملياتها واستثماراتها, وهذا بلا شك يعني ان الاستثمارات الاجنبية لن تقدم على الاستثمار في اليمن خلال العامين القادمين ما لم يحدث تحول يعيد بناء الصورة الايجابية ويعلن للعالم ان اليمن دخل مرحلة الاستقرار التام.

ورغم كل هذه الاجواء الملبدة بالغيوم والتي تعكس صورة سلبية مريعة؛ إلا ان الاطراف السياسية المتصارعة ومعها الحكومات المتعاقبة, ودون استثناء, جانبت وما تزال أبسط المبادئ الحكومية الرشيدة والمسؤولة.. انها حكومات مكررة بعقدة تكريس هيبة فقدتها الدولة امام القوى المتمردة على النظام والقوانين. وتتخذ الحكومات والقوى المارقة قرارات مرتجلة ومتهورة حتى ولو كان في ذلك تحامل وإضرار بالمجتمع المدني وبالشركات التي لا يمكن لها ان تحيا او تقوم إلا في البيئات النظيفة والنقية.

ولعل تسرع  الحكومة بعرض عضلاتها المفقودة وتهديدها لشركة توفيق عبد الرحيم بشان منشات حجيف وعدم انتظار كلمة القضاء؛ يعني انه لم يحن الوقت بعد لقيام حكومات يأتي في أولوياتها احترام القانون.

كذلك فإن ابتزاز المجموعات التجارية, عمل يتنافى مع ما تزعمه بعض الاطراف والجماعات التي تتحدث عن الثورة وعن مقتضيات التغيير.

وعوداً على بدء: إن سياسات تشجيع القطاع الخاص وتوزيع الأنشطة الاستثمارية على الأدوات المالية المختلفة سيمكن الحكومات من القدرة الفاعلة على تقليل حجم المخاطرة المترتبة على عاصفة انخفاض اسعار النفط وتجميد دعم المانحين، ومن الأفضل الاستفادة من الفرص بكل أداة ممكنة وفي مقدمة ذلك احترام القطاع الخاص واعتباره خطاً احمر لا يجب جره الى مستنقع الصراع.

إننا نقدر صعوبة المهمة للحكومة، لكننا لا نعفيها من عدم القيام بواجباتها التي يجب ان تعمل وفقا لتشريعات مرنة وحوافز مشجعة تسهم في تخفيض سقف التحديات المتراكمة, لما يسهم في تنويع الموارد والتخفيف من مخاطر تركيز السلطات اليمنية على نشاط واحد.

 

و باسم هذه المجلة نطرح مبادرة على طاولة الحكومة للعمل على تخطيط وتنفيذ 300 معرض ومؤتمر ومنتدى اقتصادي وتنموي وتعليمي في اليمن خلال 2015 للمساهمة في تجاوز الازمة الاقتصادية ولمواجهة لغة الخراب والدمار التي نتابع نشاطها المحموم على مدار الساعة.

ولإعداد وتنفيذ هذا المشروع لدينا 364 جهة موزعة بين الوزارات والوحدات والمؤسسات التابعة لها والمدن اليمنية والغرف التجارية والسفارات الفاعلة والمنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية, بالإضافة الى 8300 منظمة مجتمع مدني بحسب موقع البنك الدولي باليمن.

وقد مثلت المؤتمرات والمعارض والفعاليات الطاقة الأولى لإحداث التحول في الدول والمدن المزدهرة في دول الخليج أو في أسيا.. وكانت المعلومة الأولى التي أدلت بها دولة الإمارات العربية للعالم وروجت لها في كل العواصم والمنتديات : دبي عاصمة المال.

ولا مستحيل أن تشهد اليمن ذات يوم نفس الطاقة الخلاقة ونفس المعجزة التي نحتتها دول بلغة الانجاز على الأرض, وتخلفت أخرى, واليمن في مقدمتها.

نعم.. أن مشكلتنا الأولى مازالت مبعثرة بين الآمن والأراضي والأحزاب ولغة الصراع, لكن اليمن ستتجاز تحدياتكم وستركل خونة العصر والمتخاذلين الى مزبلة التاريخ. 

 

* مجلة الاستثمار العدد

مواضيع ذات صلة :