تمهد:
لم يكن مفاجئاً خبر توقيع قطر مع إيران لبعض الاتفاقيات فتحركات قطر منذ حوالي شهر وربما أكثر ولكن ربما من تحت الطاولة بدأت تتجه نحو محاولة ترميم علاقتها مع إيران، ولقد ظهرت بوضوح مؤشرات تلك الرغبة القطرية من خلال الخطاب الذي ألقاه أمير قطر الشيخ تميم في أواخر شهر أيلول/سبتمبر الماضي أمام الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ فلقد ظهر بوضوح خلال كلمته التي ألقاها محاولة الشيخ تميم مغازلة إيران بقدر الإمكان بل وحاول إظهار قطر كدولة لا علاقة لها بشأن الخلافات الدائرة بين إيران ودول الخليج حيث أبدا استعداد بلاده لاستضافة حوار على أراضيها بين دول الخليج وإيران.
إن ذلك الخطاب الودي الذي ألقاه أمير قطر والاتفاقات الأخيرة التي وقعتها قطر مع جمهورية إيران الإسلامية لم تأتي من فراغ بل من وعي سياسي قطري أدرك واستشعر مؤخراً مدى الخطأ الفادح الذي ارتكبته بقية دول الحليج وخصوصاً قطر حينما قبلت بالانجرار خلف السعودية في حربها ضد اليمن، وخاصة ان السعودية أعلنت أنها تخوض تلك الحرب جنباً إلى جنب مع حلفائها من الدول الخليجية والعربية في الحقيقة ضد إيران وضد ما أسمته النفوذ الإيراني في المنطقة، وذلك الإعلان جعل كافة الدول المشاركة في تلك الحرب في حالة عداء مع إيران وهو الأمر الذي مزق كثير من أواصر علاقات تلك الدول مع إيران ومن بينها العلاقات القطرية الإيرانية التي كانت جيدة وبين شد وجذب وليس كما ألت اليه مؤخراً فقد شهدت تدهوراً كبير بسبب مشاركة قطر في الحرب ضد اليمن عامة والحوثيين خاصة وإيران بشكل ضمني واستراتيجي.
سر وصول قطر أولا في ماراثون السباق الخليجي القادم نحو طهران :
أن الأمر الذي تغير حالياً ودفع بقطر فجأة ودون سابق إنذار نحو إصلاح ذلك الخطأ الجسيم الذي ورطتها به السعودية وبدئها في محاولة ترميم علاقتها مع إيران وعلى وجه السرعة ضاربه بكل ما سوف ينتج عن ذلك من سخط خليجي أو سعودي عرض الحائط هو وعلى الأرجح استشعار القيادة السياسية في قطر خطورة الوضع الداخلي في المملكة العربية السعودية، فأمر حدوث نزاع على كرسي العرش في السعودية أصبح أمرا مؤكدا ومحتوم ولم يعد يخفى على احد في العالم، بل وقد تحدثت عن ذلك وأكدته العديد من اكبر الصحف الأجنبية والدولية ولم يعد هناك شيء يؤجل ويمنع البدء في اشتعال ذلك النزاع وخروجه من خلف جدران القصور وتسريبات الصحافة إلى ارض الواقع سوى أمرين وحيدين فقط وهما: إما تدهور حالة الملك سلمان الصحية الى درجة فقدانه الوعي التام فيتم على اثر ذلك إعلان دخول الملك سلمان في حالة وفاة سريرة، وأما إعلان وفاة الملك سلمان رسمياً، فحدوث أحد ذلك الأمرين كافي لبدء اشتعال فتيل النزاع بين إفراد أسرة آل سعود على كرسي العرش .
إن انعكاسات ذلك الأمر تعتبر خطيرة جداً على بقية دول الخليج فغرق المملكة العربية السعودية في نزاع على كرسي الحكم يعني أن بقية دول الخليج سوف تجد نفسها ضعيفة جداً وغير قادرة على مواجهة أي تحديات تواجهها مستقبلاً سواءً على المستوى الداخلي أو الخارجي .
ويعني ذلك أيضا إن جمهورية إيران الإسلامية سوف تتربع على عرش القوة والتأثير في المنطقة وستنفرد بالإمساك بخيوط النفوذ والتحريك في المنطقة وبدون وجود لأي محرك لخيوط مضادة فالسعودية المنافس الوحيد لها غارقة ومشغولاً ساستها في نزاع داخلي على كرسي الحكم، وحينها وبكل تأكيد سوف لن تكون بخير وعلى ما يرام كافة الأنظمة الخليجية التي تعلن عدائها لإيران، لذلك يبدوا أن قطر سارعت لتلطيف الأجواء مع إيران لكي تتقي شر الأيام القادمة.. فسقوط نظام الحكم في البحرين أصبح أمر مؤكد فهو أول من سوف يتأثر بانشغال أفراد الأسرة الحاكمة في السعودية بالنزاع والاقتتال على كرسي الحكم ولن يجد حينها من يسانده أو يقف معه وسوف تلتهمه الثورة المشتعلة في البحرين منذ مدة طويلة بسرعة والتي لولا مساندة ملوك السعودية لهُ في مواجهتها لكانت أطاحت به منذ بدايتها.
يبدوا أن القيادة السياسية في قطر نظرت نظرة مستقبلية فرأت حدوث كل ذلك بل وربما ما هو أسوأ من ذلك، كما أن علاقة قطر بنظام الحكم في مصر يشوبها حالة عداء شديد وذلك يجعل وضعها سيء للغاية وأكثر ضعفاً ويتماً في المنطقة وكل تلك العوامل تحتم عليها سرعة ليس فقط مراضاة إيران بل والتحول والتحالف والاصطفاف مع إيران ضد أعدائها فالوقوف على الحياد ربما لن يكون مرضياً لإيران في الأيام القادمة.
أما الإمارات فلا يبدوا أنها سوف لن تأخذ التحركات القطرية الوقائية على محمل الجد وسوف لن تتأخر كثيراً عن الحذو حذو قطر وسوف تبدأ بالتبسم في وجه إيران حتى ولو اضطرت إلى تعليق مشاركتها في الحرب على اليمن فالمكسب الإماراتي في اليمن هو يتركز حول السيطرة على محافظة عدن لكن يبدوا إن على الإمارات ان تتخلى عن ذلك المكسب سريعاً قبل ان تضطر مستقبلاً عن البحث عمن يساعدها في الحفاظ على دبي والإمارات بكاملها ..!!
لذلك لا داعي لإلقاء اللوم على قطر أو غيرها من دول الخليج من التي ربما سوف تحذو حذوها في الأيام القادمة بسبب تطبيع العلاقة مع إيران والتلطف معها فالأمريكيين أنفسهم والرئيس اوباما قد وضعوا تلك التوقعات في الحسبان منذ مدة طويلة وبدأ منذ حوالي سنتين تقريباً بتنفيذ الخطة التي رسموها لمواجهه تلك المتغيرات التي قد تحدث في المنطقة نتيجة غرق المملكة العربية السعودية في صراع داخلي على كرسي الحكم لذلك كانت أمريكا وغيرها من الدول الأوربية السباقين ومنذ مدة طويلة في بدء مد جسور العلاقة مع إيران ومحاولة استلطافها.
وقد استطاعت أمريكا بتلك التحركات الاستباقية أن تكسب كثيراً من الوقت قبل حدوث أي من تلك التوقعات واستطاعت إن تتجاوز أهم عقبة وهي الملف النووي الإيراني ووقعت عليه مع إيران قبل أن يصل الأمر إلى عنق الزجاجة فتحدث التوقعات فتصبح هي الطرف الأضعف على مائدة المفاوضات مع إيران وذلك هو من الفوائد والمكاسب التي يحققها التخطيط المستقبلي والذي اشتهر به الغرب فهم يضعون خططهم المستقبلية لمدة عشر أو عشرين سنه إلى الأمام، لذلك وبكل تأكيد سوف تفرج أمريكا في الأيام القادمة عن كل الأموال المجمدة الخاصة بإيران بل وسوف تحاول محاباة إيران إلى ابعد الحدود فأمريكا دائماً مع الأقوى ومع من يسطر على الأرض.
وكذلك الدعوة التي تلقاها منذ ثلاثة أيام وفد أنصار الله (الحوثيين) المشارك في العاصمة العمانية من الحكومة الفرنسية لزيارة باريس هي تعكس أيضا مدى الرؤية البعيدة والثاقبة التي يمتلكها الغرب بشكل عام ومدى احترافيتهم العالية في الانتقال من موضع إلى موضع أخر في الوقت المناسب وبعد أن يكونوا قد حققوا كافة أهدافهم في التموضع السابق، فيبدو أن فرنسا وبعد أن بدأت تشعر هي أيضا باقتراب موعود دخول السعودية في نزاع على كرسي الحكم بدأت بالانتقال من الخطة (أ) وهي مراضاة السعودية إلى الخطة (ب) وهي تلطيف الأجواء أكثر مع إيران وأصدقائها في المنطقة كون إيران سوف تكون هي صاحبة الكلمة العليا في المنطقة عما قريب... هكذا تقول الحسابات.
