آراء وأقلام نُشر

الزعيم واحد والعبيد أنواع

لم يكن من المتوقع أن يسلم زعيم الصبغة السوداء أو زعيم الأزياء المزركشة بسهولة للثوار، هذه البلادة من تلك الشيزوفرينيا، ولولا حكمة الجيش المصري وانضباطه لكان فارق نهر الدم المصري عن النهر الليبي كالفارق بين النيل والنهر الليبي العظيم.

ومعلوم أن العبرة ليست بالأرقام؛ فمن قتل شخصا واحدا كأنما قتل الناس جميعا، ومع ذلك فإن ما أنقذه الجيش المصري من أرواح بإجبار مبارك على التنحي كان الديكتاتور قد أخذ أضعافه بالفساد الذي أودى وسيظل يودي بحياة جيل من المصريين تفيرست أكباده وتسرطنت أجساده.

وبعيدا عن المقارنة بين أعداد الشهداء، كان الظهور البليد للديكتاتور المصري في تليفزيون القاهرة والظهور العجائبي للديكتاتور الليبي في تليفزيون طرابلس أكبر إساءة لسمعة الشعبين.

«» «

كيف احتملنا كل هذه البلادة في مصر وكيف احتمل الليبيون أراجوزا؟

السؤال تبادر إلى أذهان المنكوبين من كابشي النار والمراقبين الخارجيين على السواء، والجواب يحتاج إلى كتب تشرح آليات البقاء؛ فهذه القدرات العقلية المتواضعة التي يتمتع بها ديكتاتور صريح وآخر يقوم بدور الديكتاتور في فيلم كوميدي لا تؤهل أحدهما للتوازن فوق دفة قيادة سرية مشاة لا دولة مترامية الأطراف، لكنهما توازنا لفترات غير مسبوقة في حكم البلاد من خلال شبكة مصالح مرعبة ضمت صفوفا من الشركاء تليها صفوف من الخدم ثم حشود من العبيد، ومثلهما يفعل كل ديكتاتور زنيم بسبيله إلى السقوط.

وصفة مبارك في الاستتباع قامـــــت على إتاحة الإتجار في الأرض، وخلطــة القـــــذافي في استباحة ما تخرجه الأرض، كلاهما احتـــــقر قدرات الشعب كقوة إنـــــتاج فهمشه واحـــــتكر ثروته للقلة التي حمـــــلت في مصر اسم حزب بحراسة جهاز شرطة فاسد، وحملت في ليبــــيا صفة اللجــــان الشعبــــية التي تفــــي بخلطة الهبل مع الشيطـــــنة، وتطلق يد عصابات من الشعب ضد الشعب، ليبقى القذافي فوق الجميع متعاليا كإله يوحي ولا ينزل إلى الأرض فيحكم أو يتعرض للخلع عندما يختنق شعبه.

والغريب أن تكشف تحقيقات ما بعد الثورة أن الشرطة المصرية كانت قد اتجهت إلى نهج القذافي بإنشاء قسم رسمي للبلطجية داخل كادر الوزارة وآخر لتفجير الكنائس وترويع المسيحيين ليبقى النظام فوق كل الأديان!

» «»

نتمنى أن تكلل ثورة ليبيا بالنجاح، من أجل مستقبل يستحقه الشعب الليبي، ومن أجل حقن سريع للدماء. ولا أعرف ما يمكن أن يحدث بعد اختفاء القذافي، لعدم معرفتي بطبيعة الحلفاء والخدم والعبيد في ليبيا، لكنني رأيت ولم أزل أرى ما يخيف من هذه الفئات الثلاث في مصر وما يجعلنا نتأكد أن الإطاحة برأس النظام كانت أسهل المهام.

«الحلفاء أكثر خطورة من حاميهم، وهم قيادات الحزب والأجهزة الأمنية وناهبو المال العام تحت مسمى » رجال الأعمال والوجوه القديمة في الحكومة القائمة.

هؤلاء، الطلقاء بفضل تأخر محاكمتهم، بوسعهم تجنيد الخدم والعبيد من البلطجية وصغار الضباط وصغار النفوس في الإعلام، وهذه الفئات المنفذة على درجة أخطر.

الضابط المنحرف الصغير والبلطجي سيحتاج إلى جهد خارق لتحريره من عبوديته لمن ظلموه، وقد يتحرر، أما العبيد في الإعلام فمن المستحيل إصلاحهم، لأنهم اختاروا الخدمة والعبودية بإرادتهم ولم يضللهم أحد.

الضابط الصغير أهانه النظام في رزقه وتركه يفرض الإتاوات على طالبي خدمته، بعد أن استلب وعيه وشوه نفسيته إلى حد إقناعه ـ وهو المبتز ـ أنه سيد الشعب، كما جاء في التسجيل الذي تم تسريبه لمدير أمن محافظة البحيرة السابق وهو يتحدث إلى ضباطه.

صناعة الوحوش تجري في المحاضرات التي يتلقاها طلاب الشرطة وفي مواقع العمل بعد التخرج.

والبلطجي غير النظامي لا يختلف كثيرا؛ فقد قتل النظام إنسانيته بحرمانه من الحياة الآدمية إلى حد أن يجعله يهرول للوقوف ضد من يسعون إلى تحريره مخاطرا بحيواتهم وحياته مقابل جنيهات معدودة.

«يبقى أصحاب الوعي المراوغ في الإعلام وخصوصا من يسمون » مثقفون وهي كلمة أصبحت خادشة للحياء من كثرة ما ارتكبت هذه الفئة الوصولية من جرائم سابقة ساهمت في تزيين العروش الهاوية، والآن يكملون جرائمهم بالعداء السافر والمبطن للثورة.

«المثقفون ـ لامؤاخذة ـ هم الأكثر استحقاقا للعقاب من بين فئات الخدم لتميزهم بالوعي والإصرار على ما يفعلون، بعكس صغار الضباط والبلطجية المثيرين للشفقة لاستلابهم ولتعرضهم للنبذ أيضا، بينما يملأ المثقفون ساعات الهـــــواء التليفزيونية ويحتلون المساحات المميزة في الصحف لأنهم حازوا لقب كاتب كبير، في ظل تبادل المنافع بينهم وبين النظام البائد، وأصبحت صفة » الكاتب الكبير درجة وظيفية ينبغي على الثورة الاعتراف بها!

المصدر : القدس العربي

مواضيع ذات صلة :