حتى لا نتوه بين شعارات وهتافات هلامية علينا أن نحدد ونشخص المشاكل والأخطاء التي كانت السبب المباشر وغير المباشر في الكثير من ظواهر التخلف والتدهور الذي نعيشه , ونضع الآليات والوسائل التي تقطع الطريق وتحد من تلك المشاكل , وهذا الكلام موجهة للحكومة الجديدة .
فلننظر للفترة الماضية التي عملت فيها حكومة الوفاق , وكذلك الحكومات السابقة , ولكيفية تعاملنا كمهتمين بالشأن السياسي والاقتصادي مع تلك الحكومات, وكيف كانت مفردات الخطاب الإعلامي , سنجد أن حال الشكوى والبكاء , وعدم الرضا من الأداء الحكومي , والتحدث عن مظاهر فساد وإفساد في حياتنا العامة , وفي ذلك الكثير من الصواب , لكن كل ذلك لم يغير من الأمر شيئا , والسبب أن كل ما قيل ويقال عبارة عن كلام في الهواء .
ورغم أن المناخ الديمقراطي المنفتح منذ فترة , ونعيشه الآن بصورة أشمل , إلا أننا لم نستغله بطريقة عملية وفعلية , واستمررنا في إطلاق الأصوات المتشنجة , ونبتعد عن ممارسة الأدوات الفعلية التي تتصدى لكل المظاهر المعيقة للتنمية .
فنحن لانزال نطلق شعارات ضد الفساد والمفسدين, وطالبنا بإسقاط حكومة الوفاق ونعتها البعض بأقذع الصفات , ومع ذلك ستذهب , ولم يحدث لها أي شيء , لماذا :لأن كل ما قيل كان كلاما لم يجد له حاضنة رقابية وقانونية وقضائية يتفحصه ويقيمه ويزكيه ويتابعه , ويصدر على ضوئه الأحكام , ويحدد العقوبات .
وأكثر من ذلك فقد مصطلح الفساد والإفساد خطورته بعد استخدامه دون تريث في خطاب بعض القوى السياسية ضد خصومها في الأطراف الأخرى , وأصبح عبارة عن كلمات مرادفة لكلمات الشتائم المتداولة في الشارع .
وحتى التقارير والدراسات البحثية , والوثائق التي كانت تدين بعض الجهات والأشخاص , لم توظف وتستغل بطريقة سليمة , والسبب الخلط القائم بين ما هو سياسي وبين ما هو اقتصادي وإداري , وكانت الأخطاء والتجاوزات الاقتصادية والإدارية العميقة والمضرة , تميع وتضمحل لأنها محصنة بالعامل السياسي .
ولذلك نخشى أن يكون وضع الفترة القادمة لا يختلف عن الماضي, إذا ما استمررنا في استخدام المفردات العبثية للاستهلاك الشعبي, والمناكفات والمكايدات السياسية , فإن الحال سيكون أسوأ بكثير وتراكم مشاكل التخلف ستنمو إلى مستوى العجز عن المعالجة والمواجهة .
لذلك فإن لغة التهبيش والربيش يجب أن تختفي أولا وأخيرا .
ثانيا :لابد من حضور الدولة في كل شبر من أراضي اليمن وإخضاع كل مواطن للنظام والقانون دون استثناء ( لا سلاح , ولا نفوذ إلا للدولة )
ثالثا - لابد من تفعيل هيئات وأجهزة الرقابة ومكافحة الفساد .
ورابعا : لابد أن يعاد النظر في الجهاز القضائي , ليكون جهازا تنفيذيا حقيقيا ومكملا لدور الأجهزة الرقابية , لا يخضع لرغبات وضغوطات الأطراف السياسية والقوى المتنفذة مهما كان , وبعد ذلك إذا كان هناك من توجيه الاتهام بالتقصير , فيجب أن يوجه إلى الجهات الرقابية والقضائية على وجه التحديد .
خامسا : تفعيل دور الرقابة المجتمعية , وهو ملحوظ في الكثير من الدول , والمعروف حاليا بمفهوم الحوكمة , ويعني ذلك أن المواطن شريك في الرقابة على أداء المؤسسات والمرافق التي تقدم له الخدمة , ويكون مطلعا على طبيعة المشاكل وطريقة الإدارة , من خلال تمثيله في مجالس إدارات هذه المرافق , وبالتالي , يكون المواطن كما يقول المثل ( يعرف البير وغطاءه )
سادسا : لابد أن يكون معيار الشفافية هو البارز والحاضر في كل الأنشطة , والمعلومات متاحة لكل مهتم , والحمد لله أصبح لدينا قانون حرية الحصول على المعلومات , ولكننا نتساءل إلى أي مدى استفاد المهتمون من هذا القانون .
صدقوني أن الكثير من الكلام قد قيل والكثير من العبارات الثقيلة قد تطايرت , ولكنها زوبعة في فنجان , وظل العابثون والفاسدون والمخربون وقطاع الطرق والقتلى والمأجورون منتشرين في كل مكان , ومع ذلك لم نشاهد أحدا منهم في قفص الاتهام , ولم نتأكد فعلا هل هم مذنبون , لأن هذا من اختصاص العدالة أولا وأخيرا , فكل الأمل والرجاء هو النظر مستقبلا لما ستعمله أجهزة الرقابة ومكافحة الفساد ,وما ستنطقه العدالة من أحكام .