كانت صناعة السيارات الأميركية على موعد مع أمر جديد لم تعهده منذ سنوات وهو الوظائف الجديدة. فبعد سنوات من المعاناة وتسريح العمالة بدأت شركات صناعة السيارات الأميركية الكبرى التعافي وتوظيف عمال جدد لزيادة الإنتاج. يذكر أن مراكز إنتاج وإدارة شركات صناعة السيارات الثلاث الكبرى في الولايات المتحدة وهي جنرال موتورز وفورد و كرايسلر تتركز في مدينة ديترويت عاصمة صناعة السيارات في الولايات المتحدة.
ولكن منذ سبعينات القرن العشرين بدأت أرباح الشركات الأميركية وحصتها السوقية وعمالتها تتقلص مع استثناء لحظات ازدهار ترتبط بدورة الاقتصاد الأميركي.
معاناة ديترويت
وقد عانت ديترويت بشدة من تدهور صناعة السيارات الأميركية طوال السنوات الماضية فامتلأ مركزها بالمباني الخالية والأحياء المهجورة مع انتشار الجريمة والتفكك الاجتماعي نتيجة الأزمة الاقتصادية.
ولكن الأمور بدأت تتغير منذ شهور حيث أعلنت شركة كرايسلر ثالث أكبر شركة سيارات في الولايات المتحدة عن توظيف 1100 عامل جديد في مصنعها بمنطقة جيفرسون أفينو بالمدينة. ويعمل المصنع في إنتاج طراز جديد من السيارة جيب جراند شيروكي.
وكانت جنرال موتورز وكرايسلر قد أشهرتا إفلاسهما في منتصف 2009 حيث حصلتا على عشرات المليارات من الدولارات من الحكومة الأميركية لتنفيذ عملية إعادة هيكلة ضخمة.
والآن ومع انطلاق معرض ديترويت الدولي للسيارات وهو أهم حدث سنوي في صناعة السيارات الأميركية ويقام على بعد 10 كيلومترات فقط من مصنع كرايسلر في جيفرسون أفينو تبدو شركات صناعة السيارات الأميركية في وضع أفضل بكثير عن ذي قبل.
ويقام المعرض خلال الفترة من 14 إلى 22 يناير الحالي.
مبيعات السيارات
وكانت مبيعات السيارات في الولايات المتحدة قد زادت العام الماضي بنسبة 10.3% لتصل إلى 12.8 مليون سيارة حيث تراجعت السوق الأميركية إلى المركز الثاني على مستوى العالم بعد الصين التي شهدت بيع 16 مليون سيارة تقريبا العام الماضي. في الوقت نفسه تشير التوقعات إلى استمرار نمو مبيعات السيارات في الولايات المتحدة لتصل العام الحالي إلى 14 مليون سيارة.
وبعيدا عن الولايات المتحدة فإن شركات السيارات في أوروبا وباقي مناطق العالم تشهد زيادة في الإنتاج، حيث أعلنت شركة فولكس فاغن الألمانية أكبر منتج سيارات في أوروبا فتح مصنع جديد لها في الصين.
ولكن مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني التي توجد في نيويورك تتوقع تراجع مبيعات السيارات في أوروبا خلال العام الحالي على خلفية أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو. كما تتوقع تراجع وتيرة نمو مبيعات السيارات في الأسواق الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل.
السوق الأميركية
لذلك فإن سوق السيارات الأميركية الضخمة يمكن أن تلعب دورا حاسما بالنسبة لصناعة السيارات خلال العام الحالي.
فالسيارات القديمة التي تشبث بها الأميركيون خلال عامي الركود الاقتصادي 2008 و2009 أصبحت متهالكة ويمكن استبدالها خلال العام الحالي. ولذلك يمكن أن يشهد العام الحالي انتعاشا في مبيعات السيارات بالسوق الأميركية.
ورغم أن الاقتصاد الأميركي بدا على وشك الدخول في دورة ركود مزدوجة خلال النصف الأول من العام الماضي، فإن النصف الثاني من العام شهد تراجع معدل البطالة من أكثر من 9% إلى 8.5% في ديسمبر الماضي. وفي حين أن هذا المعدل يظل مرتفعا مقارنة بمعدل البطالة خلال العقود الأخيرة فإنه كاف لتحويل الأميركيين من حالة القلق على الاقتصاد إلى حالة التفاؤل الحذر. وكانت شركات صناعة السيارات الألمانية فولكس فاغن وأودي وبورش ومرسيدس وبي إم دبليو وميني من بين الشركات التي زادت حصتها السوقية في الولايات المتحدة العام الماضي.
ارتفاع المعنويات
وارتفعت معنويات مصنعي السيارات هذا العام، الذي يسوده التفاؤل وروح التنافسية.
ويشتد التنافس بين مصنعي السيارات في معرض ديترويت في مسعى إلى الحفاظ على حصص السوق، التي اكتسبوها أخيراً، بفضل تجديد شامل لمنتجاتهم، أو حتى زيادة هذه الحصص إذا سنحت الفرصة.
وتحاول كل من «تويوتا» و «هوندا» خلال المعرض تعويض التأخر المسجل في عام 2011 إثر تعليق الإنتاج خلال أسابيع، فيما تأثرت سلسلة الإمدادات الخاصة بهما إلى فترة طويلة من جراء الزلزال الذي ضرب اليابان والفيضانات التي عمّت تايلاند.
«والمشكلة هي في نظر المحلل جيس توبراك من الموقع المتخصص » تروكار.كوم « » أنهما قد خسرتا على الأرجح هذه الحصص لفترة طويلة، لأن منافسيهما قد حققوا تقدماً ملحوظاً «. وبما أن نسبة السيارات اليابانية المتوافرة قد انخفضت في العام الماضي » فقد اعتمد المستهلكون الذين كانوا يشترون سيارة من طراز هوندا أو تويوتا خيارا آخر، تبين أنه بالقدر عينه من الجودة، إن لم يكن أفضل في بعض الأحيان.
«أما المصنعان الكوريان » هيونداي « و» كيا، اللذان كانا أفضل من اتقى شر الأزمة من خلال حشد محبي السيارات الموفرة للطاقة، فهما سيحاولان قدر المستطاع الحفاظ على مكانتهما.
«وعلى صعيد السيارات الفاخرة، يعتزم المصنعان الألمانيان » بي ام دبليو « و» مرسيدس « مواصلة الإنجازات التي حققاها، بعدما انتزعا مركز الصدارة بين السيارات الفاخرة الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة لعام 2011 من سيارات » ليكزوس « التي تنتجها شركة » تويوتا.
«وتعتزم الشركة الألمانية العملاقة » فولكس فاغن « من جهته التفوق على » جنرال موتورز « ثم » تويوتا لتتربع على عرش الصدارة في قطاع السيارات.
وأياً تكن النتائج، فمن المتوقع أن تكون الظروف مواتية لمصنعي السيارات هذه السنة في السوق الأميركية، إذ إن سيارة من أصل كل خمس سيارات مستخدمة الآن فيها، تعود إلى أكثر من عشرة أعوام، أي إنه من المفترض استبدال أكثر من 50 مليون سيارة في غضون السنوات المقبلة.
البيان الاقتصادي