آراء وأقلام نُشر

سوق المال.. أفق جديد للاقتصاد اليمني

يوسف الحوثي*
وين ما رحت وفي أي عملية بيع وشراء أو تبادل خدمات بتلاقي الوسيط في وجهك وحاضر قبل أصحاب الشأن؟ تواجد الوسيط ليس بالشيء الجديد بل قديم وتطورت مهنة الوسيط حتى أصبحت في صورتها الجديدة بما يعرف بسُوق الأموال، فكيف كانت بداية سوق الأموال و نشأتها.

سوق المال.. أفق جديد للاقتصاد اليمني

بدأت القصة مع عائلة فان دير بورس Van Der Bourse والتي احترفت الوساطة التجارية بين رجال الأعمال في مدينة انتورب Antwerp البلجيكية لتصبح في ذلك الوقت ملتقى التجار وأصحاب رؤوس الأموال.
سرعان ما تطورت الفكرة – فكرة الوسيط – وانتشرت في بلدان أوروبا لتشكل تنظيما للتبادل التجاري لتصبح ما يسمى سوق الأموال، سوق الأموال!!! نعم سوق الأموال؟ طيب وهذه السوق ما الذي يباع فيها؟ أو كل شخص يحضر بضاعته ويعرض خدماته والوسطاء يعملون على الربط بينهم وبين من يحتاجون هذه الخدمات والمنتجات؟؟ لا هذا ولا ذاك، ما يتم تداوله في سوق الأموال هو أوراقاَ مالية أو أصولاً مالية وفي الغالب ما تعرف باسم أسهم وسندات.
بعيداً عن الجاني النظري وهذه الأشياء خلينا نأخذ مثالا من واقعنا تتضح لنا الصورة بشكل أكبر وكيف ممكن نوظف هذا الشيء لخدمة الاقتصاد اليمني، لنفرض بأن الحكومة اليمنية تريد أن تنشئ طريقاً حيوياً ضخماً كالمشروع الذي أقره مجلس النواب في عام 2001 والذي سيقوم بربط المحافظات اليمنية ابتداء بمحافظة عمران وصولاً لمحافظة عدن بطريق عملاق يبلغ اتساعه 110 أمتار. يمتلك هذا المشروع قدرة على إحداث تغيير جذري في الدولة في مجال البنية التحتية وتسهيل تنقل البضائع في عموم الجمهورية والذي سينعكس مباشرة على الاقتصاد والمواطن بشكل إيجابي، المشروع لا يختلف فيه عاقلان بأنه سيعود بالنفع على الاقتصاد والمواطن لكن تمويل مثل هذا المشروع يحتاج مبالغ كبيرة والدولة مش قادرة تعمل مثل هذا الشيء برغم أنه تم اقراره في 2001م؟؟ هنا تأتي فكرة سوق المال؟
ستتيح الدولة للشركات وأصحاب رؤوس الأموال بإنشاء شركات اكتتاب تقوم بتنفيذ مثل هذه المشاريع، وقت إنشاء الشركة تطرح أسهم هذه الشركة للبيع بحيث يتسنى لأكبر عدد من المواطنين وأصحاب الأموال أن يساهموا فيها، بهذه الطريقة استطعنا أن نجمع المال الكافي لتمويل المشروع وأنشأنا شركة قادرة على تنفيذه، طيب، وين دور الدولة في الموضوع؟ وماذا سيستفيد الاقتصاد والمواطن؟ وماهي الضمانات أن مثل هذه الشركات لن تأخذ الأموال ويهرب أصحابها للخارج خصوصاً وأن هذا الشيء حصل من قبل؟
 أولاُ، بالنسبة لدور الدولة سيكون دورا إشرافيا ورقابيا فهي من ستشرف على إنشاء مثل هذه الشركات ومنحها الحق في بيع أسهمها وفق تشريعات وقوانين تضمن للمساهمين حقوقهم على أكمل وجه كذلك ستكون هي الجهة الرقابية على تنفيذ المشروع ضمن المواصفات والمعايير العالمية، وبذلك تكون الدولة ضمنت بنية تحتية دون عبء التمويل والتنفيذ مروراً بالإجراءات والمعاملات الحكومية الطويلة كما هو طبيعة الحال في المعاملات البيروقراطية.
ثانياً، بالإضافة لما سبق مثل هذا المشروع سيشكل بنية تحتية هامة للاقتصاد اليمني لأنه سيعمل على ربط اليمن جنوباً وشمالاً بطريق سريع يقلل تكاليف النقل ويسرع العملية، وكذلك إتاحة آلاف فرص العمل لكافة شرائح الشعب من مهندسين وحرفيين وعمال بناء ويساعد في التخفيف من البطالة ويوفر مصادر دخل لآلاف الأسر.
 ثالثاً، بالنسبة لضمان حقوق المساهمين سيكون إنشاء مثل هذه الشركات والدخول في المشاريع تحت إشراف الحكومة ورقابة تامة تضمن حقوق المساهمين، لتتضح الصورة أكثر ومعرفة جدية مثل هذه الشركات.
 لنلقي نظرة كيف تتم عملية الاكتتاب.
ستقوم الدولة بالإعلان عن المشروع وفوز إحدى الشركات بحق تنفيذ المشروع، ستتساءل عزيزي القارئ من أين ستوفر هذه الشركة التمويل لهذا المشروع؟ في الحقيقة فإن الشركة لا تمتلك ميزانية المشروع، ولكنها ستجمعه عن طريق سوق المال بواسطة طرح المشروع للاكتتاب على شكل أسهم ويطلق عليها اصطلاحا (مساهمة مفتوحة) كون عدد المستثمرين (المساهمين) فيها بالآلاف ودون عدد محدد من الأسهم.
لتوفير التمويل النقدي، تُطرح المشاريع للاكتتاب بعد إتمام دراسات الجدوى والحصول على موافقة الحكومة الرسمية عن طريق إجراء الطرح العام الأولي Initial Public Offering والذي يتمثل في طرح المشروع في سوق المال على هيئة أسهم Stocks بأسعار تمكّن المواطنين باختلاف أحجام مدخراتهم من الدخول كمساهمين في المشروع.
جدير بالذكر هنا وجود عقبات مهمة في النظام المالي اليمني والتي يجب أن تُزاح لتسهيل عملية الطرح للاكتتاب، تتمثل في مشكلة تسويق الأسهم بكونها لا زالت بدائية وغير منظمة، كالتسويق لأسهم شركة مساهمة محلية كشركة يمن موبايل عن طريق موظفي المحكمة التجارية أو التسويق الشخصي والذي يجعل من بيع وشراء الأسهم عملية محدودة وغير مجدية وقد يتم التلاعب بأسعارها وتوافرها بشكلٍ يضر بعملية التداول عموماً.
يُذكر أيضاً أن غياب البنوك الاستثمارية عن النظام المالي اليمني يشكّل عقبة كبيرة في نمو الشركات واستثمار المدخرات عن طريق استخدام سوق المال، وتقوم البنوك الاستثمارية بدور الوسيط بين الشركات والمستثمرين عن طريق تقييم المشاريع والمؤسسات وإعادة توجيهها إلى سوق المال وبالتالي توفر تمويلا للشركة وطرح فرص استثمارية في سوق المال في نفس الوقت الذي تحقق فيه عائداً مالياً من خلال عملية الشراء والبيع، وبالتالي فإن غياب هذا الوسيط يجعل من عملية طرح الأسهم وتوافرها إشكالاً يتمثل بالكم وبالسعر والذي ينعكس سلباً على المستثمر والمؤسسة.
مراجعة تحليلية بسيطة لأثر سوق المال من خلال المثال الافتراضي السابق، نستطيع أن نلاحظ العديد من المؤشرات الإيجابية على الاقتصاد اليمني، بالإضافة لفرص العمل التي ستوفرها مثل هذه المشاريع التي تم تمكينها من خلال سوق المال فإن مستويات البطالة ستنخفض ويرتفع دخل المواطن وبدورها ترتفع قدرته الشرائية والتي ستفضي في نهاية الأمر لحركة اقتصادية دائمة مبنية على الطلب المتزايد للخدمات والسلع، وهذا بالضبط ما يدفع حركة الاقتصاد الى الأمام. بالإضافة لذلك، يحمي سوق المال المواطن من الاستثمارات الوهمية التي تعتمد على التسويق الهرمي كما حدث في مشروع قصر السلطانة وتهامة فلافور والتي حصدت المليارات من مدخرات الآلاف من المواطنين بشكل عبثي، وذلك عن طريق توفير البديل الرسمي والحقيقي للاستثمار عبر جهة ترعاها وتشرف عليها الدولة بمشاريع حقيقية ومدروسة تطرح للتداول علناً بدلاً من الاستثمارات الهشة والمبنية على الوهم أو غياب الرقابة.
كما أن الدولة ستتخلص من ضعف كفاءة الإدارة المجهرية للمشاريع في عموم الجمهورية عبر مؤسسات الدولة وإفساح المجال أمام القطاع الخاص عبر مؤسسات متخصصة بشكلٍ متنوعٍ في المجالات لإدارة هذه الأمور، في حين انها لا تترك الحبل للغارب، فالدولة تضع متطلبات ومعايير جودة يجب على الشركات الالتزام بها والحفاظ عليها أثناء وبعد إنشاء المشاريع ويتحقق ذلك عبر رقابة صارمة ومستمرة من قبل الدولة تضمن الاستدامة والجودة.
يمثل سوق المال بديلاَ عملياً لأذون الخزانة التي تضيف التزامات مالية كبيرة على ميزانية الدولة بالإضافة الى ارتفاع السيولة المالية لدى المواطن الذي سيرفع حجم أرصدة الحسابات البنكية بشكل موازِ وبالتالي دخول البنوك الى سوق المال والذي سيكسب السوق موثوقية عالية وبالتالي تجاوز المخاوف حول سلامة الاستثمار في سوق المال والتشجيع نحوها.
كما يستطيع سوق المال معالجة مشكلة تضخم الأسعار في سوق العقار في اليمن والذي يعاني منه القطاع منذ سنين كونه القطاع الأكثر موثوقية بالنسبة للشركات والمواطنين على حد السواء للادخار والاستثمار الذي أفضى بدوره لحدوث تكدس للمدخرات على شكل عقارات تجمد رأس المال وتمنع الحركة السوقية من التطور.
في الأخير يجب النظر بجدية حول الموضوع لما يمكن أن يقدمه سوق المال من فوائد جمة على المنظومة المالية والذي يمكن أن يكون بحق الأفق الجديد الذي يلوح للاقتصاد اليمني.

* محلل مالي واقتصادي





 

مواضيع ذات صلة :