اقتصاد عالمي نُشر

بسبب الزيادة الكبيرة في التجارة الإلكترونية.. الصين تقود التحول إلى المدفوعات الرقمية ما بعد كورونا

تحديات تكنولوجية وتنظيمية أمام تطور تطبيقات الدفع الإلكترونية

بسبب الزيادة الكبيرة في التجارة الإلكترونية.. الصين تقود التحول إلى المدفوعات الرقمية ما بعد كورونا

أحمد مصطفى- اندبندنت

أظهر تقرير اقتصادي هذا الأسبوع أن الصين والهند تقودان التحول عالمياً إلى نظم المدفوعات الرقمية، خصوصاً باستخدام تطبيقات الهواتف الذكية، وتتفوقان على الولايات المتحدة وأوروبا في هذا التطور السريع في القطاع المالي العالمي.

وخلصت دراسة لـ"وحدة استخبارات إيكونوميست" البريطانية إلى أن عام وباء كورونا عمل على تسريع التحول في نظم المدفوعات نحو البطاقات اللاسلكية (من دون لمس بطاقة الائتمان لماكينة الدفع) وتطبيقات الدفع الرقمية على الهواتف الذكية والتطبيقات الفائقة التي تشهد الصين أكبر توسع بالعالم في استخدامها.

ويرجع التطور السريع في التحول نحو نظم المدفوعات الرقمية إلى الزيادة الكبيرة في التجارة الإلكترونية والمبيعات عبر الإنترنت في عام الوباء 2020، ويشير التقرير إلى أن تلك الزيادة تبدو أكبر وأكثر وضوحاً في آسيا. وذلك سبّب تطوير حلول تكنولوجية للمدفوعات الرقمية تتجاوز استخدام البطاقات ذات الرقائق الإلكترونية وعمليات الدفع بواسطتها التي تطلب إدخال البطاقة في ماكينة الدفع وإدخال رقم سري يتم التحقق منه، بينما اللجوء إلى تطبيقات الدفع الرقمية على الهواتف الذكية لا يأخذ وقتها، ولا يتطلب أي ملامسة أو إدخال أرقام سرية.

وفيما تستخدم تطبيقات الدفع الرقمية الشائعة في أميركا وأوروبا مثل "أبل باي" و"سامسونغ باي" بيانات بطاقات الائتمان أو بطاقات الحسابات المصرفية المخزنة في التطبيق، تطوّر الصين تطبيقات فائقة لا تحتاج إلى تلك البيانات. ويساعد ذلك في الأسواق الآسيوية وغيرها، حيث لا تملك غالبية الجمهور في تلك الدول حسابات مصرفية، بالتالي ليست لديهم بطاقات ائتمان.

الصين والهند

مع تشجيع الحكومات على التحول الرقمي في نظم المدفوعات في عام وباء كورونا، شهدت عمليات المدفوعات باستعمال تطبيقات الهواتف الذكية نمواً هائلاً العام الماضي 2020. فزاد عدد مستخدمي الدفع بتطبيقات الموبايل عالمياً بنحو نصف مليار نسمة من 2019 إلى 2020، وارتفع حجم تلك المدفوعات بما يقارب نصف تريليون دولار.

وتأتي الصين في مقدمة دول العالم في استعمال نظم الدفع الرقمي بتطبيقات الموبايل كنسبة من بين مستخدمي الهواتف الذكية من السكان، فبينما وصلت تلك النسبة في الصين العام الماضي إلى نحو 80 في المئة وفي الهند إلى ما يقارب 40 في المئة، لم تزِد في الولايات المتحدة عن 30 في المئة وفي اليابان عن 25 في المئة. أّا في بريطانيا مثلاً، فنسبة من يستخدمون تطبيقات الدفع الرقمي على الهواتف الذكية أقل من 20 في المئة، وفي ألمانيا وفرنسا في حدود 15 في المئة.

ينعكس ذلك على عدد مستخدمي تطبيقات الدفع الرقمي باستعمال الهواتف الذكية. فمثلاً يقترب مستخدمو تطبيق "علي باي" (الصيني، التابع لمجموعة "علي بابا" العملاقة) من 700 مليون شخص، أما مستخدمو تطبيق "وي تشات" (الصيني أيضاً) فيزيد على نصف مليار شخص.

في المقابل، لم يتجاوز مستخدمو "أبل باي" (تطبيق شركة "أبل" للهواتف الذكية للدفع الرقمي بالموبايل) 200 مليون شخص، أما "غوغل باي" و"سامسونغ باي"، ففي حدود 150 مليون فرد لكل منهما.

كان التطور الأسرع في نظم المدفوعات الرقمية الفورية في الهند، على الرغم من أن غالبية سكان البلاد في مناطق ريفية، ويميلون أساساً إلى نظم الدفع بالنقد المباشر. لكن تشجيع البنك المركزي على استخدام شيفرة (كيو آر) للمنتجات وتركيب ماكينات الدفع اللاسلكية أدى إلى ارتفاع كبير في عدد عمليات الدفع الرقمي وحجمها العام الماضي.

وبلغ حجم عمليات الدفع السريع بالنظم الرقمية في الهند ما يزيد على 25 مليار دولار، بينما في الصين لم يتجاوز أكثر من 16 مليار دولار. في المقابل، بلغ حجم المعاملات المماثلة في بريطانيا مثلاً 3 مليارات دولار، وفي الولايات المتحدة 2 مليار دولار.

تحديات جديدة

يطرح هذا التحول السريع نحو نظم المدفوعات الرقمية تحديات مختلفة على الحكومات والشركات أن تواجهها، بحسب تقرير "وحدة استخبارات إيكونوميست". أولاً، على الحكومات في الدول التي لا تتمتع بتطور رقمي كبير وليست بها شمولية واسعة أن تدرك أهمية تعديل السياسات وزيادة الاستثمارات بغرض تبنّي نظم المدفوعات الرقمية.

كما أنه على مطوري ماكينات المدفوعات ومنتجيها العمل لزيادة الطاقة الاستيعابية استعداداً للطلب الكبير الذي سيرتفع بسرعة على نظم الدفع الرقمية في وقت قصير. كما أن عليهم تجهيز أنفسهم لمزيد من الإجراءات التنظيمية التي ستقرّها السلطات في الفترة المقبلة مع التوسع الكبير في نظم المدفوعات الرقمية.

أما الشركات التي تبيع السلع والخدمات، وتستخدم نظم المدفوعات الرقمية للحصول على مقابلها من المستهلكين، فعليها العمل بسرعة لإنجاز التحول التكنولوجي الذي يمكّنها من الاستفادة من تلك الفورة الرقمية. ويتعين أن تشمل استراتيجيات تلك الشركات تحسين التشغيل التفاعلي لمنصاتها الرقمية، وأن تستخدم برامج التطبيقات الحديثة، التي تساعدها في التعامل مع نظم المدفوعات الرقمية التي تتطور بسرعة.

يبقى أن كل تلك التطورات المتسارعة في نظم المدفوعات الرقمية تطرح تحدياً تنظيمياً وقانونياً وإجرائياً على السلطات المنظمة للقطاع المالي. وعلى تلك السلطات والهيئات الرسمية أن تتبنّى توجهاً متعدد المستويات، حين تضع القواعد واللوائح لتنظيم وتقنين تلك التطورات التكنولوجية، وأن تتابع عن كثب أي مخاطر محتملة في نظم المدفوعات الرقمية التي يجري تطويرها بسرعة.


 

مواضيع ذات صلة :