سياحية وترفهية نُشر

“ورود الرمال”… غرائب الصحراء الجزائرية وإبداعاتها


الحدث.. تشكلت عبر ملايين السنين في الصحاري والأماكن القصبية أشكال طبيعية فنية وساحرة، أبرزها ما يعرف بـ “ورود الرمال”، حتى أنه يكاد لا يخلو بيت في الصحراء الجزائرية منها، فهي “ورود” ليست كباقي الورود، تشكلت من الرمل لوحات وغدت لوحات رائعة، وكل من يراها لا يسعه إلا وأن يقول “سبحان الله خالق كل شيء”.

“الورود الرملية” هي زخرفة تزين الطبيعة ونتاج لها في نفس الوقت، وهي ليست وردة نباتية بل حجر من أحجار الصحراء، و”زهرة” جميلة غريبة التكوين، يطلق عليها ايضا زهرة الصحراء، وتوجد في الأماكن الحارة والجافة.

تتكون طبيعيا من الرمال بفعل مرور المحاليل المحملة بأكاسيد المعادن، وسرعان ما يتبخر الماء تاركا الأكاسيد على هيئة زهرة، تأخذ لونها من لون الأكاسيد المكونة لها، وتتميز الزهرة بوجود الأكاسيد على هيئة بلورات تعطيها بريقا أخاذا مع ملمس الرمال.

“تنمو” عبر مراحل عدة، وتتشكل عادة في المستوى العلوي للمياه الجوفية عبر سلسلة من التفاعلات بين المعادن المتواجدة في المياه، مثل الكالسيوم والحبيبات الكلسية في الرمال، ومع تبخر الماء تبقى كبريتات الكالسيوم (Ca SO4, 2H2O) التي تشكل ما نسميه بالجبس، وهو يتحلل ببطء بسبب عوامل الأكسدة ليصبح على شكل مسحوق، ولدى تفاعله مع الماء ثانية يكون ما يسمى بــكبريتات الكالسيوم المائية التي تتبلور بدورها لتعطي اشكالا مثل بتلات الزهور المتلاحمة مع بعضها البعض بزوايا مختلفة، مما يضفي عليها شكلا يشبة الورد، وتكون بأحجام مختلفة، والكبير منها يصل طوله لمتر واحد، ويأخذ شكلا كريستاليا رائعا وجميلا بلون الرمل، أو بلون بني وهو الغالب، وتتواجد في المناطق الصحراوية الجافة الحارة.

وهي أيضا “وردة الصحراء” كما فضل الفنان البريطاني العالمي “ستينغ” أن يسميها في إحدى أغانيه الشهيرة التي جابت الدنيا كلها بسحر لحنها وكلماتها، وهي إحدى بدائع الطبيعة وسط بيئة صحراوية قاسية.

ليست كباقي الورود

وتعتبر من أهم ميزات الصحراء الجزائرية، تجلب إليها كل سنة آلاف السياح الأجانب، حيث لامثيل لها في بلدان أخرى. فلا أحد يزور الجزائر دون أن يأخذها معه كذكرى، لأنها بكل بساطة جزء من الكل، ولأنها كذلك تحفة لا يبيدها الزمن ولايغير شكلها أو مكوناتها، وكأن الطبيعة أرادت الجمع بين القسوة والرقة لتصنع منهما شيئا جديدا يمزج بين الصفتين.

وكانت جولة لـ greenarea في محال بيع المنتجات التقليدية في الجزائر، خصوصا وأن هذه الوردة تمثل جزءا هاما من التراث الجزائري الذي يحرص أهل المهنة على عرضه وبيعه، طبعا بعد البحث عن أجمل القطع وأكثرها تميزا، فهي من أهم المنتجات التي تباع للزبائن، لا سيما الأجانب الذين يبحثون عن أجمل وأحلى الهدايا للأهل والأصدقاء.

أماكن تواجدها

أهم مورد لها هو الجنوب الشرقي للجزائر، فمنطقة “البور” وهي أشهر منطقة لجمع وردة الرمال، وتقع في ولاية ورقلة التي تصل فيها درجات الحرارة أحيانا إلى الخمسين درجة مئوية، وهو ما يصعب مهمة جامعي الوردة، كما يمكن إيجادها في منطقة تمنراست (جنوب الجزائر).

فهنا تتكون هذه الوردة الغريبة، فهي وردة لا تذبل ولا تتساقط أوراقها، وهي بذلك هدية أبدية تحمل معها عبقا غريبا من رائحة الصحاري.

صدفة الجمال

سفيان ابن مدينة غرداية (600كلم جنوب الجزائر)، وأحد الباعة القدماء للمنتجات التقليدية، أكد لنا اهتمامه الخاص بالبحث والغوص في ماهية وردة الرمال، فسألناه: كيف تتكون هذه الوردة في الصحراء؟ فقال “إنها تتشكل بفعل مجموعة من العوامل الطبيعية التي تلتقي بالصدفة في مكان ما، فتخلق من الرمل أشكالا مختلفة، لكنها كلها تدور في فلك الورود”.

ويوضح قائلا “وردة الرمال تتكون داخل التربة في أماكن خاصة وليس في الأراضي الرملية كافة، هي أراض تتكون من بعض المعادن التي تتبلور بنزول الأمطار أو بوجود مصدر من مصادر الرطوبة، هذه المعادلة (رمل – معادن – رطوبة) تعطينا ورود الرمال بأشكالها المختلفة التي نراها في المحلات”.

ويشير سفيان إلى أن “اختلاف حجم وردات الرمال يرجع أساسا إلى المدة التي بقيت فيها داخل الأرض، فكلما طالت المدة زاد حجم الوردة. أما الأشكال فتختلف تبعا لطريقة وكيفية التبلور، مع العلم أننا لا نجد وردة الرمال على السطح وإنما يتطلب استخراجها الحفر لمسافات هي في حقيقة الأمر غير عميق،ة لكن ذلك لا يتم إلا ببذل جهود كبيرة لا سيما مع حرارة الجو.

استعمالاتها

تباع وردة الرمال على طبيعتها دون إضافات، أو بإضافة حامل خشبي يوضع كدعامة قاعدية لها حتى تمكن مقتنيها من وضعها في أي مكان يريده، وتستعمل للزينة في المنازل بوضعها في شكل تحف صغيرة أو في أفنية المنازل بحجمها الكبير في الزوايا أو أسفل الأشجار.

ويقر محدثنا أن الطلب عليها من الأجانب معتبر “لا سيما من طرف الايطاليين والصينيين”.

الجيولوجيون متخوفون

من جانبهم يؤكد الجيولوجيون أن وردة الرمال تتشكل بفعل تبلور الجبس حين يختلط بالصلصال والرمل، بشرط وجود كل هذه المكونات في مكان رطب، أي توفر كميات من المياه، لا سيما تلك المختلطة بمعدني الكبريت والكالسيوم، والذي عادة ما يكون مصدره أودية المنطقة، وتتميز وردة الرمال الجزائرية عن غيرها التي نجدها في بلدان أخرى (لا سيما تونس) بلونها الفريد من نوعه، الذي يتراوح بين الوردي والبني مع لمعان يزيدها بهاء ورونقا، عكس الأخرى التي تتميز بلونها الأصفر الذي يضفي عليها نوعا من الشحوبة.

وفي الصحراء حيث تنمو هذه الوردة توارثت بعض العائلات مهنة استخراجها من الأرض، حيث يعمل العديد من أهالي  مدينة ورقلة في هذا المجال، وبفعل الطلب المتزايد عليها فإن عملية الاستخراج توسعت وتضاعفت في السنوات الأخيرة، لأن الأمر تعدى مجرد إخراج بعض من هذه الورود لبعض من الراغبين في تزيين بيوتهم بها أو إهدائها، إلى اعتبار هذا النشاط تجارة مربحة.

لكن عندما تبدأ التجارة ينتهي التفكير في المحيط وفي الحفاظ على هذا “الإرث”، وهذا بالذات ما يثير التخوف لدى الجيولوجيين الذين يشيرون إلى خطورة الاستخراج العشوائي للوردة التي يتطلب تكونها وقتا طويلا، هؤلاء لا يترددون في وصف ما يحدث، لا سيما من طرف بعض “التجار” الذين لا يعرفون شيئا عن وردة الرمال بالكارثة، مطالبين بحمايتها وباحترام أوقات وطرق الاستخراج، فوردة الرمال ثروة وطنية وجب المحافظة عليها كأي ثروة أخرى.


 

مواضيع ذات صلة :