ثقافة وفنون نُشر

مستقبل التعليم في ظل العولمة

Imageترى دراسة حديثة للأستاذ مقبل نصر غالب, مستشار وزارة التربية والتعليم, ألقاها عصر اليوم في المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل "منارات" أن التربية وصلت إلى حالة تشبع بالأفكار والنظريات التربوية، وفائض من الدراسات والأبحاث التربوية وبحر من المقترحات والتوصيات لحل المشكلات التربوية ومحيط من التجارب والخبرات والمشروعات والأنظمة والفلسفات وأي جهد في هذا المجال يعد تكراراً مملاً ومخلاً وإضاعة مال ووقت..إن أي تربوي يستطيع أن يسرد لنا فلسفة التربية غيبياً مما حفظه بالتكرار ويسرد لنا مشكلات المناهج، المعلم، التخطيط التربوي، التقييم التربوي من كثرة ما قرأ وكثرة الندوات والدورات التدريبية والمحاضرات.
وترى الدراسة أن الصعوبة لا تكمن في الفكر والثقافة التربوية، ولا في المال الموفر الذي لم يستغل بطريقة أفضل مما عليه الآن، ولا في القوة البشرية التي لم توظف توظيفاً سليماً بقدر ما نكمن الصعوبة في التفكير التربوي العلمي ذلك أن المفكر لا يملك سلطة القرار والذي يملك إتخاذ القرار لا يملك العمق التربوي والعلاقة بين الأثنين غير متوازنة. فالتربوي يصر على التغيير الشامل بعموميات تفتقر إلى الآليات التنفيذية والإجراءات الرسمية والحسابات الإدارية والقانونية والإداري يهتم بتسيير العمل كما هو فترة تكليفية وغير مستعد للمغامرة وراء عموميات لا يدرك نتائجها، فإذا تسلم التربوي موقع القرار يقع في فخ اللوائح المقدسة، يهوي بها صريعاً إلى خانة الإستشارات وإذا ثبت يقتل وقته في ملفات المراجعين اليومية التي تزداد كثافة في رأس السلم الإداري وتكثر المقابلات والإستقبال والإتصالات والبت في المشكلات في المكتب والشارع والمنزل. بين الفكر وأزمة التفكير : لا نستطيع أن نقول أن كل تربوي يملك التفكير العلمي مهما كان مؤهله وخبراته، فهناك من يرى تطبيق نظام دولة معينة كما هو أو تطبيق منهج لدولة ما وهناك من يرى إضافة لغات ومقررات في المنهج، أو إدخال التقنيات الحديثة لجميع المدارس رغم علمه بالواقع وكفاءة التشغيل والبرمجة، وهناك من يرى توفير إمكانيات للعاملين وتسهيلات وخدمات تتجاوز إمكانية الدولة كلها، وهنا نلتمس العذر للإداري أمام الخيال الواسع والترف الفكري. القليل من يقدم توصيات مقبولة ومعقولة ولكنه يطالب الإداري بإتخاذ آليات تنفيذها وإجراءات تطبيقها وهو لا يجد الوقت لإستيعابها وبلورتها وفي حالة الإلحاح والمتابعة يظهر التربوي كالمشاغب الذي يصر على خلق مشكلة. أما إذا طلب المسؤول من التربويين دراسة مشكلات ووضع الحلول المناسبة سيجد نفسه أمام كتاب من الأرقام والرموز والنسب المئوية والوسط الوسيط المنوال، الإنحراف المعياري وتحليل الإجابات وفي آخر الكتاب توصيات ومقترحات لا تزيد عن صفحتين على الأكثر . لأن الباحث لم يفرق بين البحث الأكاديمي كشرط لنيل الشهادة ولبحث الإجرائي لحل مشكلة بالبديل العملي لإجتثاث المشكلة لا يهم المريض أن يكتب له الطبيب دفتراً لأسباب المرض وما فعله في جسمه وإجراءات تشخيصه للمرض وأدواته التي استخدمها، ثم يقول له أبحث لك عن علاج فعال يتناسب مع مرضك مهما كان غالياً ولو تطلبه من إحدى الدول ولو تسافر إليها ولم يكتب له علاجاً واحداً بل والأدهى من ذلك أن يوصيه توصيات سياسية لا علاقة لها بالمرض كان يتزوج ثلاثاً أو يطلق زوجته . لذلك يميل المسئول إلى الخبراء الذين يصفون المشكلات في مقدمة الدراسة ثم يقدمون الحلول على شكل قرارات تتخذ وإجراءات تنفذ فإذا أقترح تعديل القانون وضع صيغة المواد التي تضاف أو تحذف وإذا اقترح لائحة جديدة وضع بنودها، أقترح مقرراً وضع مفرداته، أقترح خطة يضع الخطة
مشكلات الإدارة :
السلطة الإدارية العليا غالباً ما تعين لأسباب سياسية، للمحافظة على سياسة الوزارة والنظام والقانون وتسير عملها لتحقيق أهدافها المحددة مع صلاحيات واسعة في إتخاذ قرارات التطويرات التي تقتنع بها تأتي ومعها قوائم من الطلبات لجهات متعددة، وقوائم من المقترحات لهيئات وشخصيات متعددة وأطنان من ورق المعاملات وبرامج الزيارات والإحتفالات والسيل المتدفق من المشكلات والطلبات وشلة تلتف حولها تملي عليها أو تؤثر بقدر علاقتها وتمكنها وقدر مهارتها في إكتساب الثقة إلى درجة أنها (الإدارة العليا) لا تستطيع التنفس في الهواء الطلق دقيقة واحدة..ثم تجد نفسها أمام عدد من المستحيلات .
 1- مستحيل أن تجد معلومة صحيحة ثابتة ودقيقة، أو إحصائية ثابتة ومحددة في الوقت المناسب
 2- مستحيل أن تجد إلتزاماً بالمهمات الموكلة وفق شروطها في الموعد المحدد بل تجد المبررات أطول من المهمات.
 3- مستحيل أن تجد تقييماً صادقاً للصعوبات فكل إدارة تستبعد جوانب ضعفها وإخفاقاتها وتلبس الجهات ذات العلاقة كل السلبيات.
4- مستحيل أن تجد وسيلة لتشغيل الكفاءات التربوية، فالتربويون الذين أخذ عليهم عدم إلتزامهم بالدوام اليومي أو بعض الإلتزامات الإدارية تم عزلهم ولم يتم الإستفادة من خبراتهم التربوية والأدهى من ذلك تعيين صعاليك يجيدون الصرامة الإدارية ولا يملكون وعياً تربوياً، رغم العمل الإداري وتنفيذ اللوائح بدقة وحماسهم للعمل إلا أن ضحالتهم التربوية أوجدت مشكلات عديدة وبرزت الإعتداء على التربويين والمعلمين والمديرين وزادت الفجوة بين التربية والمجتمع وأتسعت أزمة الثقة.
مشكلات المناهج المدرسية:
كل ما ذكر عن عيوب المناهج الدراسية صحيح وما ذكر عن إختزالها في كتب دراسية التي هي وسيلة من وسائل المناهج وغياب بقية الوسائل والأساليب، غياب الأهداف التعليمية، والنقد الموجه للكتب المدرسية صحيح في كل ما ذكر من حشو معرفي مجرد، ونقل حرفي مقلد، وخطاب لفظي مجمد جفاف روحي وضباب سلوكي وغيم إصطلاحي. إلا أن التربويين ألقوا المسئولية على فريق معين لهذه المهمة واكتفوا بالصراخ، نحن نعلم أن كتاب القراءة للصف الأول أساسي طبق قواعد غريبة على اللغة الإنجلزية بأسم النظريات الحديثة وأنه سبب محنة المعلم والطالب، فالمعلم لا يعرف كيف يتعامل مع الكتاب والطالب لا يمكنه القراءة والكتابة قبل معرفة الحروف والهجاء وتركيب الكلمات، فأحدث مشكلة بين الطالب والمعلم والأسرة أمتدت إلى الصفوف اللاحقة حتى يكمل المرحلة الأساسية وهو لا يستطيع القراءة السليمة. ومع ذلك فالتربويون لم يقدموا كتاباً مقترحاً بديلاً يمكن أن تعتمده الوزارة أو تجربة ومركز البحوث والتطوير التربوي لم يعلن مسابقة لأحسن كتاب يؤلف في هذا المجال واكتفى بجمال المعصرة عنده، والسلطة الإدارية قد لا تستطيع أن تجرب عدة كتب بين المحافظات لأنها مازالت تحفظ شعارات كتاب واحد، فصل واحد، عام واحد، وهي شعارات زائفة من أول القرن، ومع ذلك تستطيع أن تختار أفضل كتاب أو تجرب على مستوى مدارس ولكن أين التربويون الذين سيكتبون بدلاً من إطلاق المقترحات والتوصيات العمومية لمن لا يجيد ترجمتها. ومثل ذلك كتب التربية الإسلامية في الصفوف الأولى وكتب اللغة العربية مع لمسة تربوية فنية لموضوعات تجويد القرآن الكريم والنحو وأنا أدعو الوزارة أن تفتح ذراعيها لحضن كل ما يؤلف في هذا المجال وإن لم تعتمده كمقرر تجعله كمرجع في المدرسة وبديل من البدائل.
المشكلات الإجتماعية : تعرض المجتمع اليمني لهزات عنيفة وتغيرات شاملة، بدأت بالثورتين شمالاً وجنوباً، وأزمات الحروب الأهلية بين الشطرين أو داخل كل شطر والتحولات الفكرية والسياسية والهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة وبين الشطرين والهجرة الخارجية طوعاً وكرهاً. تسببت الهجرة في إهمال الزراعة والثروة الحيوانية والحرف والمهن الحرة، وساعد على ذلك دعم المواد المستوردة وعائد الهجرة. كما أسهمت الهجرة في التحول الثقافي من خلال اكتساب عادات سيئة وإهمال تربية الأبناء وتفكك الأسرة فأصبح الطفل ينظر للقيم التي يتعلمها في المدرسة لا واقع لها، فالكذب سائد والصدق نادر، الغش قائم والأمانة نائمة، الإخلاص نادر والوفاء أندر، الإحتيال ذكاء والنصيحة غباء، والفخر بالمظاهر البراقة والآنفة والكبرياء على الآخرين. أضف إلى ذلك تنوع اتجاهات المعلمين وخلفياتهم وجنسياتهم ومستوى إعدادهم، أدى إلى تذبذب المعايير بين الإلتزام وضده وحرية الإلتزام، وغياب الواقع العلمي في المدرسة لكل ما يدرسه الطالب، فاللغة العربية لا وجود لممارستها في المدرسة بين المعلمين والطلاب. كما هو الحال في المجتمع المحلي، واللغة إنجليزية أبعد، والأخلاق نسبية والتدين شخصي، والنصيحة نسبية: ينصح الطبيب بأضرار التدخين وهو يدخن، ينصح الخطيب بعدم الرشوة وهو يرشي وهكذا من التحولات الإجتماعية.
التعليم والمجتمع : كل هذه التحولات جعلت التعليم عاجزاً عن التأثير في المجتمع وإدارته وتغييره بل وضبطه والآن العولمة تنذر بتحميل المجتمع أعباء التعليم فما الذي بوسع التربويين أن يعملوه؟ هل يثبتون القيم القائمة كحق مكتسب.
 مقترحات وتوصيات
إن التربية أمام مسئوليات جسيمة وتاريخية عليها أن تتحملها بجدارة حتى لا تجني على مستقبل أمة بكاملها وتجني على نفسها أمام الجيل والتاريخ . عليها أن تطلق مجال التفكير للتربويين تفكيراً عميقاً ومستنيراً وتدرب الذين لم يتعودوا على التفكير تدريباً عملياً متنامياً حتى يصلوا إلى مستوى التفكير في قضايا التربية ومثيلاتها. وأن تفتح الحوار مع مراكز القرار ومراكز الثقل والقوى المؤثرة للخروج بالتزامات محددة. وأن تحزم أمورها داخلياً وإعادة ترتيب وضعها ومسئولياته ووظائفها. - إعادة تنظيم المدرسة بحيث توفر إمكاناتها في أول العام الدراسي وإعادة نظام التدريس بحيث تتيح للمعلم فرصة للتطبيق والنشاط وربط المعلومات فرصة للتطبيق والنشاط وربط المعلومات ببعضها (سوف نقترح نظاماً في مكان آخر) وإعادة تنظيم الإمتحانات لتكون عملية تطبيقية. - إستبعاد كل موظف من التربية تثبت إدانته في قضية أخلاقية أو تزوير، إختلاص نصب، إحتيال، غش، مخدرات، ضرب طالب ضرباً مبرحاً، اعتدى بالضرب على زميله، أو إرساله الخدمة المدنية إذا كانت ستحميه. - مساءلة المعلم ومدير المدرسة عن مستوى الإنجاز ومستويات الطلاب محاسبة دقيقة تقوم على قياس دقيق، ولا تكون المبررات سبباً لرفع العقوبة، إنما لتكليفهم بإستيفاء المهام بجهد إضافي عليهم، والعزل والفصل في حالة الفشل.

 

مواضيع ذات صلة :