عالم التكنولوجيا والصحة نُشر

سلطات بعض الدول تعتزم السيطرة على عالم الانترنت بحجة تهديد أمنها

لم نعثر على نظام سياسي في العالم، بغض النظر عن قاعدته الفكرية والدستورية، لم يحاول السيطرة على «عالم الانترنت» الذي تنبثق فيه كل عام دولة جديدة، سكان اي منها قارب الصين.

وفي كل مرة يتكرر الحديث عن السيطرة على المواقع الإلكترونية أو حجب ما تراه السلطات غير مفيد، لكونها أعطت لنفسها الحق في تقدير النافع والضار لرعاياها. هذه الحكومات، وخاصة الرازحة تحت مسمى «العالم الثالث»، لم تجهد نفسها لاستثمار الانترنت لمصلحة الناس، تقليل الطوابير الطويلة من أجل الحصول على استمارة أو ورقة، وفي الوقت الذي يتناول فيه العالم آخر تقنيات السيطرة والتحكم عن بعد، نجد الإنسان منا، يقضي يومه للتناوب على جمع تواقيع الموظفين على طلب بسيط ضمن حقوقه.

حكومات إلكترونية في الظاهر ومتزمتة حيال أي تطور تكنولوجي وانفتاح في جوهر الأمر. فالسلطات دائما تختار الأنسب، وهي التي توجه الرأي العام حسب متطلبات وضعها، وهي تختار لنا الكتب وتمنع أخرى، ترشدنا لمواقع وتحجب أضعافها، تدير دفة عقولنا بالاتجاه الذي يريحها، أما الحجج، فتختصر بكلمات بسيطة من الصعب فك شيفرتها، كما يفعلون مع بلاك بيري وغيره من أجهزة المستقبل، ومن جانب واحد أسموها «جرائم المعلوماتية»، بغض النظر عن ما إن كان ثمة تعريف لهذه «الجرائم» في الدساتير أو القوانين الجنائية الأخرى.

لقد أعطت السلطات في الكثير من دول العالم لنفسها الإذن بمداهمة مكاتب وبيوت وتفتيش حواسيب الخلق وحبسهم، استنادا إلى قوانين شفافة وغاية في المطاطية، فما يثير الريبة لديك، أعتقد أنه طبيعي بالنسبة لآخر، وهكذا.. لكن ما لا يشك فيه، أن القوي في هذا العالم يريد إسكات الضعيف والهيمنة على تفكيره.

والغريب، أن الحكومات تفهم مصطلح «الجرائم الإلكترونية» بما ينفعها، وفي الوقت الذي يفيدها، بينما هي قانونيا وأخلاقيا، ملزمة بحماية شعوبها من هذه الجرائم وليس تعليق كل شيء على شماعة جرائم وهمية. عليها مواكبة التطور السريع لأنظمة المعلومات وسد الثغرات القانونية التي تعدت إلى أن أصبحت فراغا قانونيا. وإذا كانوا يستندون في كل قمع يتعرض إليه الناس بعبارة «المصلحة العامة»، فما المانع أن يسألوا المتضرر ولو مرة واحدة: أين تجد مصلحتك؟ وهل هم جادون فعلا، أنهم يعرفون مصالح الناس العامة!

هذه الحكومات من شرق الكوكب إلى غربه، تهدر مليارات الدولارات من أجل الرقابة والتلصص حتى في أكثر المجتمعات حديثا عن الانفتاح والحرية، وداسوا بحجج «الإرهاب» على معتقاداتهم في مراقبة أنفاس الخلق وتحويلاتهم المالية ومزاجهم الغذائي وأخبارهم الشخصية ومواعيدهم الخاصة ورحلاتهم البريئة.

القط والفأر مجدداً

إن ما جرى وسيجري من مناقشات بين مصنعي بلاك بيري وعدد من الدول أشبه بلعبة القط والفأر بين سلطات عدد كبير من البلدان، والتكنولوجيا التي تتقدم بوتيرة تفوق قدرتها على ضبطها، حسب تعبير مارك راش الذي أدار وحدة مكافحة الاجرام المعلوماتي في وزارة العدل الاميركية طوال تسع سنوات، والذي يرى «ما نراه هو هذه الرقصة الجميلة عندما تعتقد بعض البلدان ان التكنولوجيا الجديدة تهدد سيادتها. الحكومات مستعدة للجوء الى تكنولوجيا تنتهك الخصوصية، لكن التكنولوجيا التي تحمي الخصوصية تثير قلقها».

وهكذا بدأت بعض الحكومات بمطالبة شركات الاتصالات ان تتيح لها الولوج الى البيانات المشفرة لبلاكبيري، تحت طائلة ايقاف خدماتها. وهذا الانذار قد يطال «غوغل» و»سكاي بي»، فيما قررت دول أخرى الابقاء على خدمة الرسائل عبر أجهزة بلاك بيري ومتابعة المفاوضات حول الاطار التنظيمي الذي يتيح لها مراقبة محتوى الاتصالات على هذا الهاتف. أما الامارات، فقد اختارت منع خدمة الرسائل القصيرة والبريد الالكتروني وتصفح الانترنت على أجهزة بلاك بيري ابتداء من 11 اكتوبر.

التكنولوجيا والأمن

ويرى الخبراء ان هذه المعارك بشأن القدرات التشفيرية لأجهزة بلاك بيري تندرج في اطار عقود من الجدالات حول تأثير تكنولوجيا الاتصالات الجديدة على الأمن.

في هذا الصدد، يقول جون بومغارنر من منظمة «يو إس سايبر كونسيكونسز يونيت» ان «الأنشطة الاستخبارية للكثير من الحكومات اليوم، بما فيها حكومة الولايات المتحدة، قد تعيقها تكنولوجيات تستخدم نوعا من التشفير. بعض التقنيات مثل تقنية بلاكبيري أو «غوغل توك» أو «سكاي بي» تعيق القدرة على تعقب الانشطة الارهابية داخل الحدود».

كل من هذه الخدمات يشوش البيانات بواسطة شيفرة يصعب فكها، حسبما يشرح بومغارنر، الذي تدرس منظمته بعض التهديدات لهيئات حكومية أميركية. ويقول ان هناك مجموعة كبيرة من ادوات تشفير الاتصالات عبر الانترنت او الرسائل الالكترونية، بما فيها برنامج اطلق عليه اسم «أسرار المجاهدين» طورته مجموعة مؤيدة لتنظيم القاعدة «كي يتمكن الارهابيون من التواصل معا بأمان في مختلف انحاء العالم». ويوضح بومغارنر «خلال بضع دقائق، يمكنني اجراء اتصال مشفر مع اي شخص في العالم، ولا يمكن لوكالات الاستخبارات ان تعترضه».

قضية ويكيليكس

في المسار نفسه، تبرز الوثائق السرية الخاصة بحرب أفغانستان التي نشرها موقع «ويكيليكس» أخيرا وأحدثت ضجة كبرى، كواحدة من الظواهر التي اختلف في تفسيرها أنصار الحرية المعلوماتية وأولئك الذين يقدمون الأمن على العلنية.

وثمة عامل آخر، أن العسكريين لا ينزعجون عندما يقترف جنودهم جرائم عن عمد أو نتيجة أخطاء في التقدير، لكنهم يستاءون لو عرض موقع إلكتروني تسجيل فيديو لواقعة حدثت.

قد ينتقي هذا الموقع أو ذاك مادته المنشورة، لكنه يحاول بذلك دعم وجهة نظره، وما فعله «ويكليكس» لم يكن جديدا للمنافذ الإعلامية منذ ظهورها. ولكن الجديد في الأمر، أن ما من أحد بعد الآن يستطيع فرض رقابته وسيطرته على عالم الإنترنت وما يجري فيه. ودليل على ظهور القوة الإلكترونية كسلطة لا يستهان بها.

«تويتر» للدعاية

وفي تصادم آخر مع دولة الانترنت، أعربت وزارة شؤون الوحدة الكورية الجنوبية عن قلقها ازاء تحرك كوريا الشمالية باتجاه استخدام مواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الانترنت كجزء من برنامج دعائي لها ومن بينها موقع «تويتر».

وفي ذات السياق، أشادت الولايات المتحدة بدخول كوريا الشمالية في نظم الشبكات العالمية «تويتر»، و«يوتيوب»، معربة عن الأمل في أن تساعد التكنولوجيا المعلوماتية في الوصول إلى عمق نظام كوريا الشمالية.

برمجيات التشفير

الاجراء الوحيد الذي يمكن للدول ان تتخذه هو «تهديد مواقع مثل سكاي بي بتركيب برنامج يتيح الولوج اليها ومراقبتها عن بعد»، حسبما يقول ايان كلارك، المعروف بأعماله حول نظام «فرينيت» لحماية الهوية على الانترنت.

لكن يبدو ان البعض مثل شركة «ريسورش ان موشن» الكندية المصنعة لأجهزة بلاك بيري لا يتأثرون بهذه التهديدات، ومن شأن بعض برمجيات التشفير الجديدة المتاحة للجميع ان تربك السلطات.

فضلا عن المشاكل التقنية، فإن البلدان التي تريد حظر هذه الادوات قد تنفر الشركات التي تحتاج الى سرية الاتصالات لحماية نفسها من المنافسة.

هنا، يعتقد كلارك انه «يمكن للحكومات ان تتمادى الى حد تحظير هذه التكنولوجيات بالكامل، لكن لا يمكن لأحد أن يتحمّل العواقب الاقتصادية لذلك، باستثناء الأنظمة الأكثر تشددا».

رقم قياسي للفيروسات

بلغت الفيروسات أعلى مستوياتها على الإطلاق خلال النصف الأول من العالم الحالي، وفقا لإحصائيات جديدة لشركة (مكافي) الأميركية المتخصصة في أمن المعلومات والتي دعت قادة الصناعة إلى شن الحرب على مجرمى الانترنت. وقد سجل تقرير (تهديدات مكافي: الربع الثاني 2010) ما يقرب من 6 ملايين ملف فيروسي خلال الربع الأول من هذا العام، ما يجعل المجموع الكلى للفيروسات يصل إلى 10 ملايين فيروس خلال الأشهر الستة الأولى من السنة.

وتعتبر الفيروسات التى تنتقل عبر وسائط التخزين الفلاشية الموصلة عبر منفذ «يو إس بي» والبرمجيات الوهمية لمكافحة الفيروسات والفيروسات المصممة خصيصا لشبكات الوسائط الاجتماعية، هي الأكثر شعبية من بين التهديدات الجديدة المكتشفة والتي يصل عددها في المتوسط إلى 55 ألفا يوميا.

كما بلغت ذروة الرسائل المزعجة ذات الصلة ببطولة كأس العالم لكرة القدم وهجمات التحايل على محركات البحث خلال هذه الفترة.

من جانبه، قال مايك غالاغر كبير مسؤولي التكنولوجيا في قسم استخبارات التهديدات العالمية في «مكافي»: «من الواضح أن مجرمي الإنترنت أصبحوا أكثر انسجاما مع ما يتحمّس إليه الجمهور من وجهة نظر التكنولوجيا واستخدامه لجذب الضحايا البريئة». وأشار إلى ضرورة انتقال المؤسسات الأمنية من استخدام استراتيجية رد الفعل إلى استراتيجية التنبؤ الأمني. وتتطلب تلك الاستراتيجية الأكثر عدوانية كما ورد في صحيفة «مكافي» الأمنية قيام المجتمع الأمني بتنفيذ المزيد من القوانين الاستباقية واتباع نهج أكثر تماسكا.

وتعتبر مسألة إغلاق شبكات «بوت نت» الضارة وتثقيف المستخدم النهائي وزيادة مستوى تبادل المعلومات بين مستخدمي الحاسبات والمحترفين ومديري تكنولوجيا المعلومات كلها جوانب مهمة فى ذلك الإطار. كما حثت الشركة على استخدام زيادة غرامات الجرائم الإلكترونية والكشف العلني عن أسماء مجرمي الإنترنت في تصعيب عملية توليد الأموال من عمليات النصب والاحتيال عبر الإنترنت.

في النهاية، وضعت «مكافي» جزءا كبيرا من المسؤولية على عاتق مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة (آيكان) والتي قالت «إنها يجب أن تتخذ موقفا أكثر شدة في جرائم الإنترنت لأنها هي المسؤولة عن الموافقة على الشركات التي تبيع أسماء نطاقات المواقع الإلكترونية المستخدمة في استضافة المواقع الخبيثة».

متاعب ستريت فيو

الاشتباكات ما زالت جارية بين بعض الدول و«غوغل» بشأن خدمة الخرائط (ستريت فيو)، بحجة انتهاكها لخصوصية الناس أثناء قيامها بالتقاط صور للشوارع والمدن.

ففي مدريد تم استدعاء ممثل الشركة من قبل محكمة المدينة بناء على الشكوى التى قدمتها إحدى الجهات الخاصة المعنية بمراقبة الانترنت ومؤسسة استشارية تكنولوجية تدعى «أبيدانيكا» والتحقيق جار حاليا فيما إذا كانت «غوغل» قد ارتكبت جريمة كمبيوتر أم لا.

بدورها، اعترفت غوغل بأن التكنولوجيا التى استخدمت في سيارات خدمة «ستريت فيو» قامت عن طريق الخطأ بجمع شظايا من البيانات الخاصة بأنشطة الناس على شبكة الانترنت عبر شبكات (واي فاي) العامة غير المؤمنة على مدى السنوات الأربع الماضية. وقالت الشركة إنها جمعت هذه البيانات من شبكات «واي فاي» العامة في أكثر من 30 بلدا، لكنها تصر على أنها لم تستخدم تلك البيانات، وأنها لم تنتهك أي قوانين. كما تواجه غوغل تحقيقات أو تحريات بشأن هذه الممارسة التي تقول إنها أوقفتها في الولايات المتحدة وألمانيا وأستراليا، كما تمت مداهمة مكاتب غوغل في كوريا الجنوبية وموجة الغضب في المانيا من «انتهاك الخصوصية الفردية».

في المقابل، أرسلت مجموعة غوغل فرق عمل على متن سيارات او دراجات هوائية مزودين بالات تصوير واجهزة تحديد المواقع الشاملة «جي بي اس» لتصوير الطرقات في المدن الكبرى وطرح الصور على الانترنت ضمن خدمة الخرائط. الا ان البعض اشتكى من ان الصور تظهر وجوها يمكن التعرف الى ملامحها، ما قد يؤدي الى احراج البعض في مواقف معينة. كما اشار آخرون الى ان أرقام لوحات تسجيل السيارات يمكن ان تستخدم في تحديد هوية سكان بعض الشوارع.

وقال جون فردي من منظمة «الكترونيك برايفيسي انفورمايشن سنتر» التي تعنى بالدفاع عن الخصوصية الفردية على الانترنت ان «ستريت فيو هي خدمة تجمع وتخلد معلومات كانت لتزول لولا ذلك». وأوضح فكرته قائلا «المشي أو قيادة السيارة في الشارع عمل علني، لكن وضع هذه المعلومة في قاعدة بيانات وجعلها متاحة للجميع ينتهك الخصوصية».

واستجابت «غوغل» لهذه المخاوف، فطمست وجوه الناس وارقام اللوحات البادية في الصور.

المصدر : القبس


 

مواضيع ذات صلة :