دين نُشر

التعديلات الدستورية في ندوة لـ"منارات"

Imageنظم المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل (منارات) صباح اليوم ندوة حول (التعديلات الدستورية في ضوء الثوابت الوطنية) وقد ألقى الاستاذ يحيى محمد الماوري المحاضرة الأولى تطرق فيها إلى اهداف التعديلات كما وردت في المذكرة التفسيرية المرفقة بمشروع التعديلات المعدة من قبل اللجنة المختصة بمجلس الشورى: توسيع الديمقراطية كنظام فاعل في حياة المجتمع. 1. تمكين مجالس الحكم المحلي من ادارة شئونها المحلية بنفسها. 2. تسريع وتائر التنمية المحلية في الحضر والريف تحقيقا للعدالة التنموية الشاملة . 3. توظيف وتنمية الموارد المالية على المستوى المحلي في مختلف المجالات التنموية . 4. رفع كفاءة تشغيل وصيانة المرافق المعنية بخدمة المواطن وتنفيذ سياسة الحكم المحلي . 5. إيجاد أسس واليات فاعلة للتخفيف من الفقر والحد من البيروقراطية والاختلالات الإدارية والحفاظ على الاموال العامة وتنميتها في مصلحة الوطن . وقال الماوري بأن التعديلات استهدفت بشكل اساسي ثلاثة جوانب دستورية هامة : الجانب الاول : تعديل السلطة التشريعية من نظام الغرفة الواحدة الى نظام الغرفتين. الجانب الثاني : تعديل السلطة التنفيذية من نظام الإدارة المحلية كتفريع للسلطة المركزية والأخذ بنظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات وإدخال تعديلات جوهرية على البنية الدستورية للدولة . الجانب الثالث : منح السلطات المحلية بعض وظائف السلطات المركزية– التشريعية (فرض رسوم وإصدار تنظيمات قانونية ) تنفيذية (تشكيل قوات أمنية ) سياسية ( انتخاب رؤساء السلطات المحلية ). وأشار الماوري إلى مدى حفاظ التعديلات الدستورية على الأهداف الإستراتيجية والثوابت الوطنية وعدم تفريطها فيها او مساسها بها واهمهما : 1- عدم المساس بوحدة الانتماء الوطني لليمن الأرض والإنسان والحضارة والتاريخ باعتباره القاسم المشترك بين كل أبناء المجتمع وسد أي ثغرات دستورية يمكن ان تفتح الباب لاثارة سلبيات الماضي السياسي وأمراضه المتراكمة. 2- المحافظة على الهوية اليمنية الواحدة والموحدة التي جمعت كل أبناء اليمن في إطارها ووجد كل يمني ذاته فيها بإعادة وحدته العظيمة والتي يجب ان نجعل من كل مواطن يمني درعا واقيا للدفاع عن هذه الهوية الواحدة في مواجهة كل محاولات التمزيق والاختراق التي تستهدفها . 3- من أهم المكاسب الدستورية ان الدولة اليمنية الحديثة اليوم تقوم على مبدأ الشرعية الدستورية وليس على شرعية الانقلاب والقوة وأنها تستمد هذه الشرعية من كافة فئات المجتمع عبر الطرق الدستورية والقانونية المنظمة لها وعلى أساس مبدأ سيادة القانون كتجسيد لسيادة الدولة على إقليمها الوطني وشعبها وقرارها السياسي وسلطتها التنفيذية على كامل التراب الوطني المستمدة من الدستور والقانون الذي يعبر في نفس الوقت من خلال وحدة القانون عن وحدة السيادة وعن وحدة الشعب من خلال تطبيق قواعد دستورية وقانونية واحدة على كافة مواطني الدولة سواء في جانبه الحقوقي او الازامي بما فيها توحيد الاعباء المالية – ضرائب ورسوم - وفي منح السلطات المحلية حق فرض الرسوم واصدار تنظيمات لها قوة القانون تمميز بين مواطني الدولة من محافظة الى اخرى ومخالفة للدستور الذي ينص بانه لا ضريبة ولا رسوم الا بقانون والمبداء الذي ينص على ان جميع المواطنين اليمنيين متساوون امام القانون فاين المساواة حينما يكون لكل محافظة حق فرض ما تراه من الرسوم واصدار ما تريده من القوانين . وعن الملاحظات والمقترحات حول التعديلات الدستورية تطرق الماوري إليها فمن أهمها ما تتعلق بمبدأ التوازن الدستوري بين السلطات الرئيسية للدولة ( المركزية والمحلية ) ثم الحفاظ على البنية الدستورية للدولة –كدولة بسيطة – ومفهوم الحكم المحلي واسع الصلاحيات والفرق بينة وبين النظام الفدرالي والخروج بتعريف دستوري لهذه التعديلات . 1- الفقرة الواردة في المادة (39) التي تعطي السلطات المحلية حق تشكيل قوات امنية تابعة لها تعتبر من سمات الدولة المركبة (فدرالية)واذا ما اخذنا في الاعتبار الظروف الخاصة بالمجتمع اليمني وتريكيبته القبلية وانتشار السلاح فانه سيتضح لنا خطورة هذا النص في اضفاء الشرعية الدستورية على المليشيات القبلية المسلحة التي يمكن ان تتكون تحت ستار الشرطة المحلية . 2- المادة الجديدة المقترحة بتخويل السلطات المحلية حق فرض الرسوم المحلية تعتبر من خصائص الدولة الفدرالية . 3- المادة الجديدة المقترحة بتخويل السلطات المحلية حق اصدار الانظمة التي تنظم اعمال الادارة التنفيذية وعلاقاتها ببعضها تعتبر من وظائف السلطة المركزية (التشريعية والتنفيذية ). 4- من حيث التوازن الدستوري بين السلطات تجاهلت التعديلات ما ورد في المادة (153) الفقرة (ج) التي تقيد حق المحكمة العليا بالفصل في الطعون المتعلقة بصحة العضوية في مجلس النواب وقصر صلاحيتها على ابداء الراي فقط وهو ما يقتضي وضع نص صريح يمنح المحكمة حق الفصل في الطعن بحكم ملزم للمجلس حتى لا يكون هذا مدخلا للانتقاص من سلطة القضاء واستقلاليته . 5- وهو ما ينطبق على المادة(68) التي تنص على اختصاص مجلسي النواب والشورى بالفصل في صحة عضوية اعضائهما بعد ابداء المحكمة العليا لرأيها لما في ذلك من اهدار للقرارات القضائية ومبداء الفصل بين السلطات 6- ميَز الدستور بين الطعن في اجراءات الاقتراع والفرز وبين الطعن في صحة العضوية بحيث جعل للقضاء سلطة كاملة في النوع الاول وسلطة ناقصة في النوع الثاني . هذا الامر يثير جدلا قانونيا متزايدا في كثير من الدول الديمقراطية التي تأخذ بمبداء الفصل بين السلطات ، مصدر هذا الجدل اختلاف فقهاء القانون الدستوري في تفسير مبداء الفصل بين السلطات وحدود رقابة السلطة القضائية على السلطة التشريعية فيما يتعلق بالفصل في صحة عضوية اعضاء المجلس فالكثير من رجال القانون يعترضون على منح مجلس النواب سلطة الفصل في صحة عضوية أعضاءه ،ويرون وجوب أن يكون الاختصاص فيها للقضاء . 7- فيما يتمسك البعض بحق المجلس بالفصل في صحة العضوية تأكيدا لمبدأ : (المجلس سيد قراره ) باعتبار امر العضوية مسألة داخلية ولا ينكر هذا الرأي حق القضاء في التحقيق وابداء الرأي في صحة الطعن ولكن يبقى المجلس هو صاحب القرار الأخير في صحة عضوية أعضاءه . 8- ويعلل اصحاب هذا الرأي لوجهة نظرهم بما قالوه من أن المجلس يلتزم بمبداء الفصل بين السلطات ، وأن على القضاء الالتزام بذلك ، ولا يجب أن يراقب السلطة التشريعية إلا في الأعمال التشريعية ، وعبر المحكمة العليا – الدائرة الدستورية - فقط عند النظر في مدى دستورية القوانين، ويرى المعترضون ان مجلس النواب لا ينظر الى الطعون بنفس نظرة السلطة القضائية من حيث : • ان السلطة القضائية تنظر الطعن بشكل قانوني في حين ينظر المجلس إليه بشكل سياسي وحزبي . • ينظر القضاء الطعن بشكل محايد وموضوعي فيما ينظر المجلس للطعون من زاوية سياسية تعمل على توازن المصالح بين الكتل الحزبية بحيث يمكن ان يقبل المجلس الطعن ضد بعض الاعضاء ويرفض الطعن ضد البعض الاخر بغض النظر عن رأي المحكمة العليا في صحة الطعن • يترتب على هذه التفرقة الدستورية والقانونية نتائج هامة كما في حالة تأخير المحكمة الفصل في بعض الطعون لاي سبب بحيث يحل ميعاد انعقاد اول جلسة للمجلس قبل صدور الاحكام القضائية وبحسب نص القانون فان الطعن لا يحول دون مشاركة العضو في اجتماعات المجلس ومنحه شهادة الفوز وحلفه اليمين ، اذا حدث ذلك فهل يصبح امر الفصل في صحة العضوية من حق المجلس وحده ويسقط حق القضاء في الفصل في الطعن المرفوع امامه؟ قد يختلف الوضع بعض الشئ في القانون اليمني عن ما هو عليه في بعض القوانين الانتخابية الاخرى بالنسبة لحالة تأخير الفصل في الطعون المتعلقة باجراءات الاقتراع والفرز فالمادة (114) من قانون الانتخابات التي نصت على انه (لا يحول تقديم الطعن دون قيام اللجنة العليا بإعلان أسماء المرشحين الفائزين الذين قدمت ضدهم طعون حول إجراءات الاقتراع والفرز في دوائرهم ،كما لا يحول ذلك دون منحهم شهادة الفوز بعضوية مجلس النواب وحضورهم اجتماعات المجلس).اجازت المادة لمن قََدَم ضده طعن حضور اجتماعات المجلس دون ان يكون لذلك تأثير على حق القضاء في الحكم في الطعن الذي ينحصر في اجراءات الاقتراع والفرز ، في حين يختص المجلس بالطعن في صحة العضوية والذي يختلف في اسبابه واجراءاته طبقا لنص المادة (116) من قانون الانتخابات ، ومع ذلك فاننا لاننفي وجود اللبس والاشكال او بالاصح تنازع الاختصاص بين الجهتين وتأثير انقضاء المواعيد القانونية على اختصاص كل منهما وما اذا كان حلول ميعاد اول جلسة لمجلس النواب المحدد دستوريا يعني انتهاء ولاية القضاء في اصدار الاحكام في الطعون المتأخرة التي رفعت اليه عن اجراءات الاقتراع والفرز ويصبح المجلس هو صاحب القرار فيها ؟؟ . 10. المادة 13 تعدلت الصيغة في الفقرة ب (بناء على قانون ) يستحسن توحيد الصيغة . 11. المادة المضافة بشأن الجهاز المركزي للرقابة لم يبين الجهة التي يرتبط الجهاز بها ويستحسن ان تكون النيابة العامة من حيث الضبطية القضائية ومجلس النواب من الناحية الفنية ليكون الجهاز الاداة الفنية التي تجسد رقابة المجلس على المال العام ، ورئيس الجمهورية من الناحية التأديبية ويقترح اعادة صياغة النص على النحو التالي : 12. (ينشا جهاز متخصص يتمتع بالاستقلالية في مهامه الرقابية وشئونه المالية والادارية تكون له ميزانية مستقلة يتولى الرقابة على الاموال والممتلكات والموارد العامة تكون له صفة الضبطية القضائية ويتبع النيابة العامة ويخضع لاشراف رئيس الجمهورية من الناحية التأديبية كما يرتبط بمجلس النواب من الناحية الفنية والمحاسبية ). 13. المادة( 31) جاءت الإضافة غير دقيقة من حيث الصياغة ويقترح تعديلها على النحو التالي : 14. (.............وتعمل هيئات الدولة والمجتمع على تشجيع مشاركة المرأة في الهيئات النيابية والنشاط العام بما يكفل مساهمتها في عملية التنمية والنهوض الاجتماعي ). 15. المادة (62) النص الاصلي اكثر دقة وإحكامآ من النص البديل بإعتبار ان النصوص الدستورية تعتمد الايجاز والبلاغة او بتعبير فقهي (جامعة مانعة )ولهذا يقترح الابقاء على النص الاصلي مع تعديل عبارة مجلس النواب الى مجلس الامة. 16. المادة (85) الفقرة د- لم تبين الاجراء الذي يتم في حال امتناع احد رئيسي المجلسين عن التوقيع والمفترض ان ينص على الاكتفاء بتوقيع رئيس مجلس الامة بعد حصول القانون على الاغلبية المنصوص عليها . 17. المادة (63) ألغت النسبة المنصوص عليها في المادة الاصلية وبما ان النص يتعلق بحقوق دستورية اصلية فانه ينبغي الابقاء على النص الاصلي حتى لا يكون هناك تفاوت كبير بين دائرة واخرى . 18. من خصائص النظام المختلط أن لا يكون رئيس مجلس الوزراء عضوا في البرلمان ولهذا يجب تعديل المادة (77) . 19. المادة (78) لم تبين طريقة ملئ المقعد الشاغر في مجلس الأمة يفترض النص على أن يتم ملئ الفراغ بنفس الطريقة التي تعين بها من كان في المقعد الشاغر ( انتخابآ أو تعيينآ) 20. المادة (121) لم تحدد مدة حالة الطوارئ المخولة لرئيس الجمهورية والنص على عدم جواز تمديدها إلى بموافقة مجلس الأمة . المادة الجديدة المقترحة التي تمنح المجالس المحلية صلا حية فرض رسوم محلية تتناقض مع المادة 13 ومع مبدأ المساواه أمام القانون في الحقوق والواجبات وتؤدي إلى التفاوت في الجوانب التنموية بين المحافظات الغنية والمحافظات الفقيرة . أما الأستاذ أحمد الصوفي فقد تشائل في ورقته المعنونة بـ" القضايا الأساسية في التعديلات الدستورية" عن أهمية هذه التعديلات؟ وهل عكست متطلبات تلك الرسالة التي توجه بها الرئيس ؟ هل أوجدت الأسس للاعتقاد أننا بهذه التعديلات سنمتلك استقرارا مؤسسياً وتشريعياً خاصة فيما يتعلق بالدستور ؟ نقول أن الجواب كلا... بل أننا نضيف أن مفهوم الدستور في هذه التعديلات ما زال غائباً ومازالت مواد التعديل تتجاهل انه قانون أعلى للدولة وانه يحدد أسس نظام الهيئات وأنشطتها وهو في الأخير لا يخضع للقلق التشريعي ولا يحتوي عملية إخضاع الهيئات للقانون ، بل أنه يسقط من حسبانه التعامل مع معايير و نواقص تجربتنا السابقة وبالتالي أتت التعديلات الدستورية من أجل تطوير آليات عمل هذه المؤسسات لكنها في الحقيقة تكرس الإرباك وربما لا أجانب الصواب إذا قلت أنها ستعقد الفوضى وتشرعن الارتجال ولن تحمي في آخر المطاف هذا الدستور حتى وإن عدل فلا بد من الحاجة إلى تعديل أخر خلال أمد زمني قريب ، وقد يتساءل المرء ما الأسانيد التي يتكل عليها مثل هذا الحكم نجيب بأدلة من مشروع التعديلات وهي مجموع المرفقات التي شملت الرؤية والمعالجة القانونية والاتساق المؤسسي . وفي هذه ألتناولة سنركز على المعالجة القانونية كما وردت في النص مقدماً ضمن عناوين وقضايا رئيسية :- أولاً :- نظام الغرفتين . بعد قراءة متأنية للمواد التي تنظم نشاط السلطة التشريعية بغرفتيها النواب والشورى والتي تبدأ من المادة (62) حتى المادة (108) بالإضافة إلى مواد جديدة تجعل من حصة هذه المؤسسة بغرفتيها تكاد تكون قد استولت على ما يقارب الثلث من مواد الدستور لتثير سؤالاً مركزياً : ماهي طبيعة النظام السياسي ؟ لقد أخفق من أعد المشروع في الوصول إلى إجابات واضحة حول خصائص وطبيعة النظام السياسي إن كان رئاسياً أم برلمانياً . ومن المهم اليوم الإجابة عن هذا السؤال حتى تنسق النظام الهيكلي والسياسي للدولة مع القواعد والأعراف والأسس التي تقوم عليها الدول الديمقراطية وبالأخص تلك التي تتشابه في خصائصها الاجتماعية وإمكانياتها الاقتصادية وتطورها السياسي مع نظامنا السياسي . فإبقاء صلاحيات الرئيس وإفراد صلاحيات استثنائية لمجلس النواب يجعل من النظام بلا قسمات لا هو رئاسي ولا هو برلماني ، فقد وزع القوة والسلطة بشكل غير دقيق بين رئاسة الجمهورية ومجلس الأمة وهذا يعد تداخلاً في السلطات. أولاً :- ثلاثة مجالس لهيئة تشريعية واحدة لقد اقتبس من أعد المشروع تقنية سائدة في الدول الديمقراطية ( نظام الغرفتين التشريعيتين ) وهذا أمر حسن لكنه في القوالب القانونية والمواد المتصلة بالصلاحيات تجاهل الأمور التالية : 1- إن نظام الغرفتين يكون فعالاً في بيئة مؤسسية واضحة المعالم وتكون عوائقها كبيرة في ظل النظام الرئاسي، وفي ظل استقلال فعال للسلطة القضائية لكن المشروع تجاهل هذا الأمر في أكثر من ناحية . 2- صلاحيات المجالس الثلاثة ( النواب – الشورى – الأمة ) جعلها متنامية عند التئام المجلسين ليعطي مجلس النواب مركز أول ويصبح مجلس الشورى ملحقاً بمجلس النواب من حيث نطاق الصلاحيات التشريعية التي يتمتع بها داخل مجلس الأمة دون أن يراعي حقيقة أن مجلس الشورى لايتمتع بأرضية شعبية تخوله امتلاك هذه الصلاحيات لينتهي بنا الأمر إلى اكتشاف أن التوازن بين السلطة والتكامل والاتساق غائبين بل نواجه تنازعاً للسلطات في المادة (85) حيث نرى مجلس الشورى منفرداً يقف وحيداً أمام مجلس النواب وهنا نلاحظ أن المُشرِع أخطأ في فهم التجربة الأمريكية في حال اجتماع المجلسين (الشيوخ والنواب) المنعوت بالكونغرس أي المؤتمر التشريعي فيما أطلق المشرع صفة التمثيل للأمة متجاهلاً ثوابتنا العقدية والقيمية وإيماننا بأننا كما ورد في الدستور وفي المادة الأولى منه أن الشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلامية. فكيف أصبحنا أمةً في ما يزال رئيس الجمهورية رئيساً لشعب ودولة هي جزء من الأمة ؟ 3- تستوقفنا شروط العضوية في المجلسين (النواب – الشورى ) فالأول لا يشترط سوى القراءة والكتابة أما الثاني بالإضافة إلى ذلك أن يكون لديه خبرات ، وإذا عدنا ترجمة هذا النص وقابلناه لهدف رسالة الأخ الرئيس من هذه التعديلات القاضية تطوير المؤسسة التشريعية فإننا سنجد أمامنا حقيقة قاسية هي أن المؤسسة التشريعية حكرٌ على الأمية فيما مؤسسة الشورى وعاء يحتوي ما تلفظه الوزارات ومجلس النواب ومن يُقصون من مراكزهم في المحافظات والهيئات الدبلوماسية و بالتالي نحن إزاء تأطير المؤسسة التشريعية لتلبية حاجات التخلف وليس التقدم ، فلابد من مراجعة شروط العضوية في المجلسين بالإضافة إلي المتطلبات السياسية ، كما ان من الضروري إضافة بعض المتطلبات المتصلة بالمهارة التشريعية الهادفة إلي تطوير النظام . 4- دور مجلسي النواب والأمة هذان المجلسان يمثلان قيداً على نشاط حكومة تعتمد على المساعدات والمعونات التي تتطلب سرعة البت فانعقاد مجلس الأمة من شأنه أن يعيق سرعة إقرار القوانين والاتفاقيات والعقود الأمر الذي يستدعي تغييرآً في دواعي اجتماع المجلسين فبدلاً من أن تكون لأغراض التشريع لابد أن تكون لأغراض رسم السياسات أو لأغراض الرقابة على الحكومة أو محاسبة أحد أفرادها ، ولكي يتحقق ذلك لابد من إعادة صياغة شخصية المؤسستين وتوزيع السلطات بينهما بشكل متوازن على أساس أن يتولى مجلس النواب- مثلاً- تأسيس صحيفة اتهام الوزير أو أعضاء الحكومة فيما يتولى مجلس الشورى مع السلطة القضائية التحقيق في ذلك الاتهام أو إجراء المحاكمة . إن بقاء تنازع السلطات بين المجلسين لايمكن لمجلس النواب أن يحله بل يفرض على هذا المجلس الغرق طواعية في مناقشات عقيمة تجعل من هذا التطوير يتحول إلى إعاقه وتأخير ، إذ بقاء المؤسسات الرقابية على المال خارج سلطة البرلمان ا والمؤسسة التشريعية تعد واحده من المطالب الجوهرية التي ستدفع بدور المؤسسة التشريعية إلى الأمام في الرقابة على الأداء الحكومي وحماية المال العام . 5- أن قوام مجلس الشورى ومصادر سلطته التشريعية تستدعي المراجعة بل أن الهدف من توسيع صلاحياته بإعتباره بيت خبرة تستلزم مراجعة القوام وتغيير مصادر إكتساب الشرعية كأن ينتخب (51% ) من قوامه من الشعب فيما يُعين رئيس الجمهورية (49%) شريطة أن تكون معايير التعيين والترشيح متطابقة ويراعى فيها بصورة خاصة الغاية النوعية من وظيفته . ثانياً : المرأة إن من الأمور المُحزنة في مشروع التعديلات أن نجد نصاً وهي المادة (31) التي عدلت من صيغتها الإنشائية التي تكونت من سطرين ونصف لتصبح خمسة أسطر وكلمتين في تعبيرات إنشائية لاتقول شيئاً كما أن وجودها غير مبرر ولا تمنح للمرأة شاناً دستورياً يمكن أن يعتمد عليه ، وهذا ناتج عن أن الدستور لم يولي عناية كافية في مواده التأسيسية المتصلة بالتعاريف نصاً يُعرف مفهوم المواطنة ويُميز صيانة الحريات الشخصية ويكفل بالقانون ممارسة حقوق وواجبات المواطنة وهو الأمر الذي أدى إلى إنشاء مادة هي ورم تأصل في كل دساتيرنا منذ عام 1972 على يد القاضي عبد الرحمن الأرياني رحمه الله الذي أقترح تلك الصيغة ليحسم الجدل عند صياغة الدستور الدائم للجمهورية العربية اليمنية ، ومنذ ذلك الحين والمادة تتكرر بفجاجتها وفراغها متجاهلة أننا بعد 36 عاماً قد تغيرت فيها أوضاع المرأة وأصبحت قوة لا يُستهان بها سواءً كوزن انتخابي أو كنخب سياسية واجتماعية اوناشطات في الحياة المدنية مما جعل -أيضا -الدستور ينزلق من خلال هذه المادة إلى مزالق تجاهل هذا التطور الذي جعل المرأة وزيرة وسفيرة وهو أمر غير مفهوم لا من زاوية أن آفة التمييز بين الذكر والأنثى تطال عقل الدولة بسبب التباسات ما زالت غير محسومة فيما يتصل بعلاقة المرأة بالمجتمع الذكوري والدولة الذكورية ، إن لم نستطع أن نأتي بفكرة واضحة عن دور المرأة فالأحرى بنا أن نحذفها وذلك ارحم . ثالثاً :- تداخل السلطات تشير المادة (80) إلي أنه لا يجوز الجمع بين عضوية مجلسي النواب والشورى أو عضوية أي منهما وعضوية المجلس المحلي أو أي وظيفة عامة لكنها تختم بالتالي :( ويجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب ومجلس الوزراء ) هنا يحدد المشرع بصريح العبارة أن مبدأ فصل السلطات التنفيذية والتشريعية قد ألغي وأصبح بإمكان عضو مجلس الوزراء أو عضو مجلس النواب أن يكون متنقلاً ومتحرراً من تلك الحدود التي تميز الدساتير ويصبح بالتالي كل عضوٍ في مجلس النواب أو الوزراء هو المشرع وهو المنفذ .هو المحاسِب وهو المحاسَب. ومن هذه الاربكات المادة (79) والتي تنص على النقيض من ذلك أو توصي بذلك حين تستخدم كلمة لا يتدخل في أعمال السلطتين التنفيذية والقضائية من قبل عضو مجلس الأمة فإذا كان عضو مجلس النواب يحق له أن يكون عضوا ً في مجلس الوزراء ،وإذا كان مجلس الأمة يتكون من عضوية المجلسين فهل هذا يعني أن الجمع هناك والتدخل هنا يعنيان شيئان مختلفان ؟ أم أن ركاكة الصياغة جعلت لا يجوز لعضو مجلس الأمة أن يتدخل في الأعمال التي تكون من اختصاص السلطتين يرمي إلى الحد من الوساطة ، فهل القلق من الوساطة والتدخلات الفردية تستدعي إيراد مادة في دستور دولة ؟ من مظاهر تداخل السلطات المادة (68) والمادة (139) والمادة ( 93) جميعها أدلة قوية على تداخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وإقصاء أو حلولاً مكان السلطة القضائية . فالمادة (68) من مشروع التعديلات تخول مجلس النواب بدلاً عن القضاء إقرار صحة عضوية أعضاءه في موضوع يتصل بقضية انتخابية سياسية يفترض أن يكون القضاء بين المختلفين حول مشروعية التمثيل في البيان من صلب مهامه ، لكن المجلس يتولى هذا الأمر بأعتباره سلطة متكاملة وليس جزءً من السلطات تزكي شرعية عضوية أعضاءه بنفسها ، أما المادة (139) فتُخوِل رئيس الجمهورية ومجلس الأمة محاسبة وإحالة رئيس مجلس الوزراء للمحاكمه رغم أن رئيس الجمهورية يمثل رأس هرم السلطة التنفيذية. أما المادة (93) فتمنح مجلس النواب سلطة سحب الثقة من الحكومة وهذا يتعارض مع حقيقة أن مجلس الأمة هو أعلى سلطة تشريعية ورقابية للدولة ، ومن التعارضات العصية على الاستيعاب تلك المتصلة بالمادة (101) التي تمنح رئيس الجمهورية ضمن ضوابط محددة حل مجلس الأمة لكن المادة تقضي بدعوة الناخبين لانتخاب مجلس جديد للأمة والمعروف أن المجلسين (الشورى والنواب) يتم انتخابهما بطريقتين مختلفتين ومن مصدرين مختلفين فكيف يستفتي الشعب الذي أنتخب جزءآ من مجلس الأمة (النواب) وكيف يدعى الشعب لإنتخاب مجلس أمة جديد ، وثلث المجلس أو أكثرينتخب من هيئة منتخبة ومعينة. ومن التعارضات الصادمة بين السلطات ، هناك شكل آخر يتمثل في تبلور ثلاث هيئات تشريعية هي مجلس النواب ،ومجلس الشورى ،ومن اجتماعهما يتكون مجلس الأمة . وإذا كان مجلس الأمة حسب الدستور يمثل الشعب اليمني كما يمثل مجلس الشورى المحافظات ،بتمثيل متساوِ، فمن يمثل مجلس النواب في هذه الحالة المنفردة ؟ كما أن العدد الإجمالي لأعضاء مجلس الشورى إذا كان حسب مشروع التعديلات سيتكون من (131) عضواً يشتمل علي ال(25%) الذين سيعينهم الرئيس فإن هذا العدد إذا ضُم إلى عدد أعضاء مجلس النواب المكون من (301) عضواً فأن مجلس الشورى في هذه الحالة سيمثل أقلية كمعبر عن المحافظات .وإذا كانت القوانين ستقر في إطار مجلس الأمة فإن إرادة مجلس النواب ستبقى مهيمنة و لايكون وجود لمجلس الشورى كخبرة وكعمر وكممثل لمصالح المحافظات أي وزن يُذكر ،ناهيك أن تشكيل مجلس الأمة الذي أتى بهدف تجويد القوانين وتفعيل المؤسسة التشريعية وتسريع وتيرة النشاط التشريعي فإن الواقع وما يعرضه المشروع من خطوات لحركة القوانين التي تبدأ في مجلس النواب أوالشورى ثم تُحال إلى الأخير لتنتهي ثالثاً لمجلس الأمة الذي يقرها في وقت قياسي ربما أكثر من أي دولة في العالم لإننا إزاء حالة استثنائية يلعب العُمر والمصلحة والخبرة والمعرفة بين جيلين أو أكثر دوراً في تعطيل سرعة بت وإصدار وإقرار القوانين - ويمكن للقارئ للمشروع أن يتبسم حين يقرأ هذه الفقرة المادة ( 75) ( عضو مجلس الأمة يمثل الشعب ) كيف لمفهوم الأمة أن تكون معبرة عن الشعب إلا إذا كان المجلس ممثلاً لنطاق أوسع من الجمهورية اليمنية أو أننا بصدد ضم دول أخرى تحت سيادتنا فلابد أن تكون عربية حتى يستقيم المعنى ويكون هذا المجلس لا تعبير عن الدولة الحالية بل عن دوله محتملة قادمة وهذا يندرج ضمن الصياغات الركيكة والتعبيرات المبهمة والإنشاء الخال من الرصانة والتماسك كالمادة ( 62) في نفس المشروع. أن المثال الصارخ على تداخل الصلاحيات والسلطات ،المادة التي تلزم المجالس المحلية تقديم المشروعات والخطط لمجلس الأمة لإقرارها ،والمجالس المحلية هي إحدى السلطات التنفيذيه . رابعا الحكم المحلي تمثل التعديلات في مجال الحكم المحلي تطوراً إيجابياً وملفتا للنظر ،بل إن صيغة المادة الجديدة في الفرع الثالث -الحكم المحلي تعدَ ثورةً كبيرةً حيث أشارت إلى قيام نمط جديد من المشاركة الشعبية في إدارة نظام الحكم المحلي تتمثل في العناصر التالية : 1. يقوم في الوحدات الإدارية نظام للحكم المحلي يُؤمِن لها إدارة و تسيير شؤونها المحلية بنفسها في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والخدمية ، وتتمتع بسلطة اتخاذ القرار في الشأن المحلي ، ويتبعها إدارة تنفيذية تعمل تحت إشراف وتوجيه هذه المجالس . 2. تُنتخب هيئات ومجالس الحكم المحلي انتخاباً حراُ ومباشرا من قبل الشعب . 3. يناط بهذه المجالس مهمة اقتراح البرامج والخطط والموازنات الاستثمارية كما تقوم بالإشراف والرقابة والمحاسبة لأجهزة السلطة المحلية ، ويشير الدستور إلى أن الخطط التنموية تدخل حيز التنفيذ عقب المصادقة عليها من مجلس الأمة . 4. يحدد الدستور شخصية إعتبارية للوحدات الإدارية للحكم المحلي ويمنحها حق استحداث نظام مالي ومحاسبي خاص بها ، كما تتمتع بسلطة التوظيف وإدارة مواردها البشرية وصلاحيات فرض الرسوم المحلية. تلك أهم عناصر نظام الحكم المحلي الذي يُعد إضافة ايجابية إلاّ أن إقرار مجلس الأمة والمصادقة على الخطط التنموية يُعد إشكالاً ،كما ان تحديد الدستور سلطة التوظيف على وجه التخصيص إضعافاً لمعنى ومضمون التمتع بالسلطة الكافية في الإدارة -هذا بالإضافة إلى إحالة جميع الشروحات لمقاصد مواد الدستور إلى قوانين ربما يخلق عندها إلتباس عند تعيين هذه السلطة وهو إلتباس شامل لجميع المفردات العامة التي تقرن بالتخصيص ، وهو يدعو إلى إرباك صيغة القانون المنظم ويسمح بتآكل هذه السلطة الدستورية عبر القانون ويفرغها من محتواها ، وهذا الأمر ينطبق على معظم اتجاهات التعديلات التي تقول في صيغها المتعددة والمتضخمة حداً يجعل شكل الدستور أشبه بقانون وابعد عن روح الدساتير التي تتسم عادة بالعموم ورصانة ووضوح المواد ، واذا ما حاولنا ان نوجز ملاحظاتنا بشكل عام على مواد الدستور والجديد في إستحداثاته لنتبين نقاط الضعف والقوة في هذه التعديلات فإننا بكلمة نقول إن التعديلات في جوهرها قد تركزت في العناصر التالية : 1. إستحداث ثلاث غرف تشريعية بدلاُ من مجلسين وهذه المستويات الثلاث هي :- مجلس النواب ، مجلس الشورى ، مجلس أمة ، ينبثق في صورة تعبيرعن السلطة التشريعية للدولة عند اجتماعهما لإقرار القوانين ،وحافظ التعديل على بقاء شروط العضوية في المجلسين مع إضافة عنصري العُمر والمؤهل لعضو مجلس الشورى بأربعين عامأ و التمتع بخبرة طويلة وعملية في مواقع المسؤولية السياسية والدبلوماسية والقضائية والإدارية والعسكرية. وهذا يجعلنا نستخلص ان من سيكون عضواً في مجلس الامه هم شباب قد يجيدون القراءة والكتابة ورجال افرزتهم أجهزة الدولة على اختلافها ليكونوا جزءا من قوام الهيئة التشريعية الوطنية وهذا يعني أمرين:- الأول: إن مسامات جهازالدولة ستظل تعاني من الانسداد وتعمل على تغذية حاجتها من المشرعين من داخل هذا الجهاز بالإضافة الى ان شروط العضوية في مجلس النواب وكذا الشورى هي أقل فاعلية من شروط عضوية مجلس محلي ، وهذا أمر لايؤدي إلى تحقيق هدف الرئيس من هذه التعديلات الثاني: أن وزن ودور مجلس الشورى كبيت خبرة ينتفي عند الجمع بين الهيئتين بسبب العدد وبسبب نوع الشروط للعضوية القائمة على مصدرين مختلفين أومتعارضين ما يجعلنا نجزم ان الهدف من إحداث نظام غرفتين هنا قد سقط نهائياً ، فالذي نراه في التعديلات غرفة رئيسية وبهو أو ممر ملتصق بها وهذا ناتج عن نقص بيّن في ثقافة توزيع السلطات بل وسوء في استعارة تجربة نظام الغرتين كما هو معمول بها في النُظم الديمقراطية .وهنا يشرفنا أن نقترح شكلا سويا ومختبرا ومجربا في قواعد تقسيم سلطات كهذه بورقة مستقلة لهذا الغرض التعديلات الدستورية حملت في المجال التنفيذي تغييرا في هياكل السلطة التنفيذية فبدلا من بنيتها الراهنة القائمة على رئاسة الجمهورية والحكومة فإن التعديلات تقترح إنشاء هيكل ثالث هو نظام الحكم المحلي كجهاز تنفيذي محلي وهو عنصر جديد ومرغوب إلاّ أن نطاق حريته ومسؤليته وتداخل العلاقة مع مجلس الأمة قد أضفى على المشروع إرباكا غير محمود ، فتوسيع الصلاحيات للسلطة المحلية لايعني بالضرورة نشوءاً للحكم المحلي ، فالحكم المحلي ضمن التجارب الدولية يعني شيئا أكثر من ذلك ويكرس لأهداف تنموية صرفة ، الأمر الذي يجعلنا نلفت النظر إلى أهمية مراجعة هذا الباب حتى تتخذ هذه المفاهيم صورتها وهيئتها الطبيعية ،خاصة وانه دستور وليس قانونآ .

 

مواضيع ذات صلة :