دين نُشر

عدم شرعية محكمة الجنايات الدولية

Imageقال القاضي يحيى محمد الماوري, عضو مجلس إدارة منارات, إن المحكمة الجنائية الدولية بخضوعها لسلطة مجلس الأمن الدولي، المكون من الدول القويّة يجعل التأثير في سلطانها، والإفلات من أحكامها بالنسبة لهذه الدول أمرا مفروغا منه ومثل هذه المحكمة لا يُمكن أن تكون محكمة عادلة ومستقلة .
وأضاف, في الندوة التي أقامها المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل "منارات" بعنوان " المحكمة الجنائية الدولية... والسيادة الوطنية – السودان نموذجاً", إذا كان إنشائها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، فان هذا لا يُعطيها أي شرعيّة، ذلك أن الجمعية العامة للأمم المتحدة بوضعها الحالي مكونة من موظفين مندوبين عن دولهم، يمثلونها كسفراء لها لدى الأمم المتحدة، وليسوا مشرّعين ولا يحق لهم ذلك، فالجمعية العامة للأمم المتحدة تتعامل مع القضايا الدبلوماسيّة والسياسيّة في العالم ولكن لا تملك حق التشريع، إن الذي يُمكن أن يملك حق التشريع في العالم هو برلمانات العالم، أو ممثلون عن هذه البرلمانات، فإذا اجتمع هؤلاء في جمعية عمومية، ووضعوا نظاماً أساسياً أو قانوناً لمحكمة دوليّة فإن هذا فقط يكون شرعياً.
ونوه بأن القانون الدولي لم ينضج بعد، ومازال مجرد عرف لم يُجمع عليه العالم، وإنّه سيظل مهما تطوّر قانوناً بين الدول وليس فوقها، خصوصاً وأن السيادة الوطنيّة للدول على إقليمها، وعلى رعاياها هي المعيار الأساس عند تطبيق وتفسير أي ميثاق دولي. مذكرة اعتقال البشير سياسية لا خلاف بين فقهاء القانون والقضاء العربي والدولي على كون مذكرة اعتقال البشير سياسية بحتة ولا تكتسب أي صفة قانونية وانه لا يحق للمحكمة الجنائية الدولية من الأساس مسائلة البشير أو محاكمته، لأن السودان ليست طرفاً في المعاهدة التي أنشأت هذه المحكمة . وبالتالي فإن قرار أوكامبو بالقبض على الرئيس عمر البشير ومحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية التي أنشأتها هذه المعاهدة، هو طلب مخالف لقواعد القانون الدولي. 1. لأنه من المقرر والثابت في قواعد القانون الدولي- بغير خلاف- أن المعاهدات الدولية لا تسري إلا على الدول الأطراف فيها، وأنه لا يمكن إجبار دولة على الالتزام بأحكام معاهدة، أو الخضوع لها، دون أن تكون طرفًا فيها. 2. إن القاعدة المستقرة في القانون الدولي منذ عدة قرون هي أن سيادة الدولة مطلقة، وأن الدول لا تلتزم إلا بإرادتها. 3. إن ميثاق الأمم المتحدة قد حفظ لكل دولة حق مواجهة أي تهديدات لأمنها واستقرارها وسلامة أراضيها وحقها في التصدي لأي إعمال عنف أو فتنة داخلية أو تمرد على السلطة الشرعية . 4. إن استغلال الولايات المتحدة للباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي أعطى لمجلس الأمن الحق في اتخاذ قرارات تصون الأمن والسلم الدولي ضد دول لم توافق على هذه القرارات لا يكتسب أي مشروعية لاستناده إلى رغبة فردية لدولة معينة تستخدمه بطريقة انتقائية وتهيمن على الهيئات الدولية بحيث أصبحت الكثير من قراراتها مُسيسة كما حصل في قضية العراق وأفغانستان وفلسطين عدم نزاهة ومصداقية المدعي العام ثبت من تقرير أوكامبو، أنه لم يزر السودان، ولم يزر دارفور، كما لم يزر أي من معاونيه الذين ذكرهم النظام الأساسي للمحكمة السودان أو دارفور، فكيف يتسنى له أن يتأكد من المعلومات التي وصلت إليه بحسب نص المادة (٥٣) وأن يوسع نطاق التحقيق طلبًا للحقيقة عملاً بنص المادة (٥٤) من النظام الأساسي للمحكمة؟ لقد اعتمد أوكامبو حسب المصادر الدولية على مجرد معلومات وصلته من معارضين سودانيين يقيمون في أوروبا - و في الولايات المتحدة - وعلى تقارير إعلامية، وأطلق عليها وصف وثائق، وقال إن عددها سبعة آلاف وثيقة!!، وهي كلها لا توصف بأقل من أنها غير محايدة، وهي لاشك قد وصفت الحال في دارفور بما أملاه هوى كاتبيها لا بحقيقة الحال، لأن الذي أورده المدعي العام في تقريره المأخوذ منها ليس صحيحًا جملة وتفصيلاً. وبحسب تقارير دولية فان السودان اظهر تَعَاونا ايجابيا حسب التقارير المحايدة مع كل وفود الهيئات الدولية والإقليمية التي زارت دارفور والتي لم تثبت صحة أي تهمة مما ردده المدعي العام أوكامبو في تقريره. الازدواجية في الموقف الأمريكي من المثير للاستغراب بل للاشمئزاز الموقف الأمريكي الذي يطالب بتطبيق إجراءات المحكمة الجنائية الدولية على السودان في الوقت الذي ترفض هذه الدولة المتغطرسة الخضوع لهذه المحكمة بل وتجبر دول العالم على توقيع تعهدات بعدم المطالبة بمحاكمة جنودها ومسئوليها عن جرائم الحرب والإبادة البشرية التي يرتكبونها بحق الكثير من الشعوب المستضعفة . لقد ترك هذا الموقف انطباعاً سيئاً لدى دول العالم عن الإدارة الأميركية في ضل قيادة جورج بوش ولا ندري عما إذا كانت الإدارة الجديدة للرئيس اوباما ستعمل على تغيير هذه الصورة المشوهة عن أمريكا في أعين العالم ؟. يقول الكاتب الأميركي توم باين مؤلف كتاب «حقوق الإنسان»: «إن كل من يرغب في تأمين حريته لا بد من أن يعمل حتى على حماية أعدائه من الاضطهاد، ذلك أن انتهاكه لهذا الواجب يشكل سابقة من شأنها أن تنال منه هو ذاته». على أن الرئيس الأميركي الجديد سيواجه المأزق الأكثر إحراجا لبلاده المتمثل في دفاعها المستميت عن إسرائيل المتهمة شعبياً وعالمياً، بارتكاب جرائم إبادة منهجية في حربها ضد قطاع غزة. في مقابلة لوكالة الأنباء العالمية «انتربريس سرفيس» IPS أكدت فيليس بينس (من معهد دراسات السياسة في واشنطن) أن «عدد المنظمات والأفراد الذين يطالبون بإجراء تحقيق مستقل في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حربها الأخيرة على غزة غير مسبوق، لكن هناك موجة متنامية من الشك في إمكان حمل أي زعيم إسرائيلي على المثول أمام محكمة دولية... لماذا؟ تقول ان محاكمة الأفراد عن جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية قضية صعبة، لكنها تزداد صعوبة عندما يتعلق الأمر بمسئولين مدنيين أو عسكريين في حكومة بلد له سجل طويل من ضمانات الحصانة من أقوى دول العالم، أي أميركا. هكذا تقر فيليس بينس وتعترف بالمأساة الأخلاقية لأميركا المرائية والتي كانت سلطتها التشريعية المتمثلة في الكونغرس تستصدر قرارين ولو غير ملزمين بدعم إسرائيل إبان عدوانها الوحشي على غزة. هل ينتظر من إدارة أوباما عدالة ما تجاه هذه القضية التي تضع نزاهة واشنطن والمشكوك فيها أصلاً على المحك؟ موقف النظام العربي في مواجهة تعسف محكمة الجنايات الدولية يعاني التنظيم الدولي من التناقض في قضية السيادة، فهو من جهة يمنح حقوق السيادة كاملة لدول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل ، بينما ينتهك سيادة دول أخرى بدعاوى حقوق الإنسان وجرائم الإبادة البشرية في الوقت الذي يلوذ بالصمت تجاه عمليات الإبادة البشرية الكاملة في العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها من الدول المحتلة في شتى بقاع العالم ولم يكن للنظام العربي أي موقف تجاه كل تلك القضايا. فهل نتوقع موقفاً عربياً جاداً هذه المرة تجاه قضية البشير والسودان التي لا نشك في إن كل زعيم عربي يدرك الأهداف الحقيقية من ورائها وهي التدخل في شئون السودان وإضعاف دورها القومي والاستيلاء على ثرواتها خصوصا في دار فور ؟. إن السيناريو المتوقع هل سوف يجري بنفس ما جرى عليه في العراق وليبيا وغزة وسيكون العرب هم أول من يمتثل لتنفيذ قرارات مجلس(الأمن )بحصار السودان ومقاطعته ؟ أم أنهم قد استوعبوا الدرس ولن يلدغوا من جحر للمرة المائة؟. يعاني النظام العربي من عدة نقاط ضعف في مواجهة تعسف محكمة الجنايات الدولية وعدم حيدته تجاه القضايا العربية أهم هذه النقاط: 1. غياب الموقف القومي المبني على إستراتيجية عربية موحدة تنطلق منها الأنظمة العربية في سياستها ومواقفها الدولية بما يحقق الحد الأدنى من التوازن مع الغير ويحافظ على ما أمكن من الحقوق والكرامة العربية. 2. غياب الحريات الديمقراطية ومنها حرية التظلم وإقامة الدعاوى إمام القضاء الوطني والتصدي لهذه الدعاوى والتظلمات بجدية وعدم تجاهلها أو افتراض كذبها وعدم الثقة في مقدميها قبل تحقيقها بجدية ونزاهة. 3. عدم احترام مبدأ استقلال القضاء وحماية السلطة القضائية وتنفيذ إحكامها خصوصا في مواجهة تعسف بعض السلطات في تنفيذ القانون وعدم الاكتراث بتنفيذ إحكام القضاء في معظم الأقطار العربية. هذه الثغرات في تقديري تشكل ابرز مبررات تدخل الغير في الشئون العربية من خلال استغلال بعض المظالم التي يثيرها مواطنون عرب سواء بصفة فردية أو جماعية وتسهم في إشاعة هذه المظالم بعض منظمات المجتمع المدني العربية والأجنبية ويبررون لذلك بعدم قدرتهم على إيصال أصواتهم إلى الجهات المعنية الوطنية وعدم استجابة تلك الجهات إذا ما طرحت عليها تلك القضايا أو المطالب الحقوقية . قد تكون تلك القضايا والمطالب صحيحة في بعضها وقد تكون كاذبة أو كيدية في البعض الأخر ولكن لماذا نتجاهلها ولا نكترث لها حتى نفاجاء بالتقاطها من قبل الغير واستغلالها ضدنا لأهداف أوسع واخطر مما تهدف إليه تلك التظلمات والشكاوى ؟ لماذا نترك مواطنينا يذهبون إلى أعدائنا ولا نستمع إليهم ونزيل مظالمهم بدلا من إن نعرض سيادتنا واستقلالنا وكرامتنا الوطنية والقومية للانتهاك والإذلال ؟. المعالجات المقترحة في مواجهة موقف المحكمة من السودان : لا شك إن هناك خروقات وتجاوزات حدثت في دار فور وان معالجتها أمر حتمي بغض النظر عن عدم جواز استغلالها دوليا ضد السودان لكنها تستدعي مبادرة قومية وإسلامية وسودانية في المقام الأول من خلال: 1. مبادرة القضاء السوداني إلى التحقيق القضائي في هذه الخروقات والتجاوزات ومحاكمة من يثبت تورطهم في أي من جرائم الحرب أو انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم دار فور باعتباره القضاء المختص وصاحب الولاية الأصلية التي لا يجوز سلبها منه طبقا لقانون المحكمة الجنائية الدولية نفسها. 2. التزام الحكومة السودانية بتنفيذ الأوامر والقرارات القضائية الصادرة عن القضاء السوداني، وتقديم المعلومات وعدم إعاقة الإجراءات القضائية في الوصول إلى الحقيقة. 3. مبادرة الحكومة السودانية إلى معالجة أي اختلالات أمنية وبسط يد السلطة الشرعية على كامل الإقليم وإصلاح الأوضاع الغذائية والصحية وتوفير الإمدادات الضرورية للمناطق المتضررة . الدور العربي والإسلامي والإفريقي إن الظروف الصعبة التي وصلت إليها الأوضاع في دار فور تقتضي تضافر جهود الدول والمنظمات العربية والإسلامية والإفريقية وذلك من خلال: 1. توحيد الموقف الرافض لمذكرة التوقيف بحق الرئيس البشير واستخدام كافة الوسائل السياسية والاقتصادية ومقاطعة المنظمات الدولية التي تقف وراء هذه المذكرة حتى يتم إلغائها. 2. دعم جهود المصالحة التي تقودها دولة قطر . 3. دعم جهود التنمية من خلال المساعدات الاقتصادية والاستثمارية في إقليم دار فور وإعادة أعمار ما دمرته الحرب تحت مظلة الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي. 4. تشكيل هيئة قانونية للطعن في قرار التوقيف إمام محكمة العدل الدولية لإلغائه وليس إمام المحكمة الجنائية التي لا يجب الاعتراف بشرعيتها. 5. إن الأمة العربية تشرأب بأعناقها بانتظار نتائج القمة العربية المرتقبة في قطر، متأملةً في موقفٍ عربي جادٍ في رفضه للتعسف والاستبداد الذي تمارسه بعض الأقطاب المهيمنة في كوكبنا، وما تنزله من ويلات استبدادية بشعوب الأمة من خلال اقتياد زعمائها للمحاكم وتقويض أنظمة عربية أخرى، على نحوٍ يمس وبشكل صارخ بالسيادة الوطنية لهذه الشعوب وأنظمتها.

 

مواضيع ذات صلة :