اقتصاد خليجي نُشر

الوظائف التقليدية في الخليج في خطر والسبب؟!

شهدت دول الخليج تسارعاً كبيراً في رقمنة الوظائف خلال الفترة الأخيرة، ما ساهم في خلق فرص عمل جديدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والأمن السيبراني، لكنه أدى إلى خفض الاحتياج لوظائف أخرى تقليدية، ما سلط الضوء على العقبات التي يواجهها المواطنون من الفئات الأقل دخلاً جراء هذا التحول الاقتصادي وكيفية حمايتهم.

الوظائف التقليدية في الخليج في خطر والسبب؟!

ويشير تقرير صندوق النقد الدولي، الصادر في مارس/آذار الماضي، إلى أن دول الخليج تحقق تقدماً ملحوظاً في تبني التكنولوجيا الرقمية، مما يعزز الطلب على الكفاءات التقنية المتخصصة، فيما أكد ممثلو الصندوق في حلقة نقاش نظمتها شركة Think للأبحاث والاستشارات في الرياض في إبريل/نيسان الجاري، وجود علاقة إيجابية بين الرقمنة ونتائج اقتصادية ومالية محسنة، من بينها النمو الاقتصادي، وفعالية الحكومة، والشمول المالي.

لكن هذا التقدم لم يكن بلا تحديات، خصوصاً فيما يتعلق بالعمالة منخفضة المهارات، فقد أظهرت دراسة حديثة أوردها الموقع الرسمي لوحدة الاستشارات الاستراتيجية التابعة لشبكة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC) في إبريل الجاري، أن الرقمنة السريعة أدت إلى تقليص فرص العمل في القطاعات التقليدية التي تعتمد على العمالة اليدوية، بسبب استبدال الأتمتة والأنظمة الرقمية لبعض الوظائف. وأدى ذلك إلى اتساع الفجوة الرقمية والاجتماعية بين الفئات الأعلى دخلا والأكثر تأهيلاً والفئات الأقل دخلاً في دول الخليج.

ويؤكد تقرير سوق العمل في الخليج، الصادر عن شركة Future Steps السعودية في مارس/آذار الماضي، أن ضعف البنية التحتية الرقمية في بعض المناطق وغياب التشريعات التي تحمي حقوق المستخدمين الرقمية يزيدان من معاناة هذه الفئات. لذلك، يشدد خبيران على ضرورة توسيع البنية التحتية الرقمية بأسعار معقولة، وتوفير برامج تدريبية مكثفة لرفع المهارات الرقمية، إضافة إلى وضع أطر تنظيمية تحمي البيانات والخصوصية الرقمية، بحسب إفادتين منفصلتين لـ "العربي الجديد".

نمط العمالة

يؤكد الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ "العربي الجديد"، أن التحولات الاقتصادية التي تشهدها دول الخليج في ظل انتقالها من الاقتصاد المعتمد على النفط إلى الاقتصاد المعرفي والرقمي أفرزت فرص عمل جديدة ومتطورة، تعتمد بشكل كبير على المهارات المتقدمة والتكنولوجيا الحديثة، معتبراً أن دخول هذه النوعية من الاقتصاديات القائمة على المعرفة، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والأتمتة، يتطلب وظائف ومهناً غير تقليدية.

وبالمقارنة مع القطاعات الاقتصادية التقليدية، التي كانت قادرة في كثير من الأحيان على استيعاب العمالة دون الحاجة إلى مهارات متقدمة، فإن الوظائف الجديدة تتطلب مستويات عالية من الكفاءة والخبرة، حسب عايش، مشيراً إلى أن توجه دول الخليج نحو تقليل الاعتماد على النفط وزيادة التنويع الاقتصادي القائم على التكنولوجيا والمعرفة أوجد فرص عمل جديدة، لكنه خلق أيضاً تحديات في مرحلة الانتقال من الوظائف التقليدية إلى الوظائف الحديثة.

فالقطاعات التقنية الرقمية أصبحت موازية للقطاعات التقليدية، ما يعني أن هناك وظائف جديدة قائمة على المعرفة والمهارات المتقدمة، ونتيجة لذلك فإن الطلب على العمالة التقليدية منخفضة المهارة آخذ في الانخفاض، حسب عايش، الذي يضرب المثل بالوظائف المرتبطة بالأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والتكنولوجيا المالية وتطوير البرمجيات، باعتبارها من الوظائف التي أصبحت أكثر شيوعاً في أسواق العمل الخليجية.

توجه التعليم

وإزاء ذلك، بدأ التعليم الجامعي في بعض دول الخليج التركيز على مجالات مثل حل المشكلات وريادة الأعمال والتفكير النقدي والذكاء العاطفي، وهي مهارات ضرورية لدخول سوق العمل الجديدة، وفق عايش، مشيراً إلى أن "الكفاءات التقنية" أصبحت هي المعيار الأساسي للوظائف الحديثة، ما أدى إلى زيادة الطلب على الوظائف الرقمية والتقنية والمعرفية والإدارية المتقدمة.

لكن التحول نحو الاقتصاد المعرفي والتكنولوجي أوجد تحديات كبيرة للعمالة منخفضة المهارات، والتي تجد نفسها أمام فرص عمل أقل أو دخل منخفض، وقد تضطر للعودة إلى بلدانها الأصلية إذا لم تستطع التكيف مع التحولات الاقتصادية الجديدة، حسب عايش، الذي يتوقع أن تشهد هكذا وظائف مزيداً من الانحسار بمرور الوقت، مقابل زيادة قدرة العمالة ذات المهارات العالية على شغل الوظائف الجديدة أو حتى استبدال العمالة منخفضة المهارة في بعض المهام.

ويرى عايش ضرورة تركيز دول الخليج على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما هي وسيلة لاستيعاب العمالة المختلفة في العملية الاقتصادية، باعتبار أن هذه المشاريع تمثل فرصة للمواطنين ذوي المهارات المحدودة لإنشاء أعمالهم الخاصة بدلاً من انتظار فرص عمل تقليدية قد لا تكون متوفرة، وذلك من خلال توفير برامج تمويلية وتدريبية تسهم في تعزيز هذه المشاريع.

عدالة التحول في الخليج

في السياق، يشير الخبير الاقتصادي، علي سعيد العامري، لـ "العربي الجديد"، إلى أن الاقتصاد الخليجي يشهد تحولاً جذرياً مع تسارع وتيرة الرقمنة، حيث تخلق التكنولوجيا فرص عمل غير مسبوقة، تعيد تشكيل المشهد الوظيفي التقليدي، وفي ظل هذا التحول ظهرت وظائف نوعية في مجالات كانت حتى وقت قريب حكراً على الدول المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والأمن السيبراني، إلى جانب ازدهار وظائف منصات العمل الحر والتجارة الإلكترونية.

وفتحت رقمنة الخدمات الحكومية والخاصة آفاقاً وظيفية جديدة، حيث أصبحت أدوار مثل "مسؤول أنظمة التوظيف الذكية" و"خبراء إدارة المنصات الرقمية" من المهن المطلوبة، كما سجلت دول الخليج طفرة في قطاع التصدير الرقمي، مما ولد حاجة متزايدة لمهارات التسويق الرقمي وتطوير البرمجيات، بحسب تقدير العامري.

لكن العامري يشير إلى الوجه الآخر لهذا التحول، ويتمثل في تأثير هذا التحول على العمالة التقليدية بدول الخليج، فمع انتشار الأتمتة تراجعت الحاجة للوظائف القائمة على المهام الروتينية في القطاعات الإدارية والخدمية، ولم تعد الروبوتات في المصانع والأنظمة الذكية في البنوك مجرد خيارات تكنولوجية، بل أصبحت واقعاً يعيد تشكيل سياسات التوظيف، حيث تتجه دول الخليج لاستبدال العمالة المهاجرة منخفضة المهارة بعمالة محلية مدربة رقمياً.

ويواجه هذا التحول تحديات جمة، أبرزها حسبما يرى العامري: صعوبة تأقلم الفئات محدودة الدخل مع المتطلبات الجديدة، إذ إن ضعف المهارات الرقمية الأساسية وعدم توفر البنية التحتية التكنولوجية الكافية في بعض المناطق وارتفاع كلفة الأجهزة والاشتراكات الرقمية، تشكل جميعها عوائق أمام اندماج هذه الفئات في سوق العمل المتغير.

ولمواجهة هذه التحديات، يلفت العامري إلى أن الحكومات الخليجية تبنت حزمة سياسات تهدف لحماية الفئات المتأثرة، فمن ناحية تم إطلاق برامج تدريبية مجانية لتعزيز المهارات الرقمية وتحسين البنية التحتية التكنولوجية وتوفير أجهزة مدعومة، ومن ناحية أخرى تم تقديم تعويضات مؤقتة وفرص إعادة تدريب، إلى جانب تشجيع الشركات على تبني نماذج عمل هجينة تجمع بين الأتمتة والعنصر البشري.


 

مواضيع ذات صلة :