بناء على نتائج اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي عقد في المنامة مؤخراً تمت الدعوة لعدم التسرع في اصدار العملة
الخليجية الموحدة وذلك الى حين استيفاء جميع المتطلبات الاساسية، ولعل من هذه المتطلبات ما يتعلق بتوحيد السياسات المالية والنقدية وحجم الاحتياطيات النقدية وتحديد نسب العجز في الموازنات العامة للدول الاعضاء، الا ان موضوع اصدار العملة الخليجية الموحدة يتطلب منا اولا القيام بتحليل مزايا وعيوب هذا التوحيد، والابتعاد قدر الامكان عن الدوافع السياسية والنظر الى هذا الموضوع من زاوية اقتصادية بحتة.
ان من اهم العوامل المطلوبة لنجاح فكرة توحيد العملة بين مجموعة من الدول ما يتمثل في ضرورة ارتفاع حجم التجارة البينية بين الدول الاعضاء وحرية انتقال عناصر الانتاج ورأس المال، وتنوع القاعدة الانتاجية والاقتصادية للدول الاعضاء، بحيث يساهم توحيد عملات هذه الدول في تطوير اقتصاداتها والوصول بها الى مرحلة متقدمة من التنمية المستدامة عن طريق التكامل الاقتصادي، ويعتبر اطلاق عملة موحدة بين مجموعة من الدول بمكانة النواة الاولى للانتقال لاحقا الى مرحلة «الاتحاد النقدي» او ما يسمى بــ Monetary Union والوصول في النهاية الى مرحلة «التكامل الاقتصادي» Economic Integration اما بالنسبة للنتائج الايجابية التي تنتج عن توحيد العملة ما يتمثل في التخلص من تقلبات اسعار الصرف بين الدول الاعضاء وتقليص المخاطر المرتبطة بهذه التلقبات، وكذلك تشجيع وتعزيز التجارة البينية بين الدول الاعضاء، وتشجيع الاستثمارات وتسهيل اقامة الانشطة التجارية فيما بينها مما ينتج عن ذلك من خلق فرص وظيفية جديدة، واعادة توزيع الموارد الاقتصادية بشكل امثل بين الدول الاعضاء، اضافة الى توفير حالة من استقرار الاقتصاد الكلي من خلال السيطرة على مستويات التضخم والدين العام وتسهيل تطبيق سياسات الاصلاح الاقتصادي والذي يعتبر شرطا اساسيا للدخول في عضوية هذا النظام.
المقارنة بين الدول
ان الواقع الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي يظهر عدم توافر بعض الشروط اعلاه بالصورة المطلوبة ومنها ضآلة حجم التجارة البينية بين دول الخليج حيث لا تتعدى نسبة التجارة البينية لدول المجلس %10 مقارنة مع اجمالي التبادل التجاري لهذه الدول مع بقية العالم، في حين تفوق نسبة التبادل التجاري البيني لدول منطقة اليورو %50 على سبيل المثال، ومن العوامل المثبطة ايضا تشابه اقتصادات دول الخليج، والتي تعتمد اعتمادا شبه مطلق على الصادرات النفطية، وهذا الاعتماد يقف حجر عثرة أمام مفهوم التكامل الاقتصادي.
أما بالنسبة لمستويات التضخم والدين العام، فمن المعروف ان دول الخليج تعتمد على واردات السلع الصناعية والاستهلاكية من بقية دول العالم، وبالتالي فان التضخم الذي يواجه دول الخليج غالبا ما يتمثل في مخاطر التضخم المستورد، وهنا يتبادر السؤال حول مدى امكانية مواجهة هذا التضخم المستورد ومن ثم السيطرة على العوامل المسببة له. فهل من الممكن مثلا ان يتم تقليل حجم الواردات؟ أو ان يتم تغيير سعر صرف العملة وتحريرها؟
وفي ما يتعلق بالدين العام وعجز الموازنة العامة، فنظرا لاعتماد دول الخليج على الايرادات النفطية بشكل أساسي، فان اسعار النفط عالميا غالبا ما تحدد حجم الفوائض المالية وعجز الموازنة العامة، وهذا بدوره يعمل على تحديد مستويات الانفاق الحكومي، ومن ثم التأثير على نشاط ونمو الاقتصاد المحلي، حيث يعتبر الانفاق الحكومي المحرك الأساسي للاقتصاد المحلي لهذه الدول. ويرتبط هذا بعامل آخر يتعلق بجدية دول الخليج في تطبيق سياسات الاصلاحات الهيكلية لاقتصاداتها الريعية، حيث لم تستطع أي من هذه الدول خلال العقود الماضية في تقليل اعتمادها على النفط والتحول الفعلي من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج، وان كانت هناك محاولات متواضعة لدى بعض الدول من أجل تحقيق ذلك.
التأثير في الاقتصاد الكويتي
أما في ما يتعلق بدولة الكويت، فان هناك العديد من الاحتمالات السلبية التي سنواجهها عند الدخول في مشروع العملة الخليجية الموحدة، ومن هذه الاحتمالات على سبيل المثال ما يرتبط بتغيير آلية سعر الصرف. فمن المتوقع قيام دول الخليج في بداية عملية التوحيد بتثبيت سعر صرف عملتها المحلية أمام الدولار الأميركي.
وهذه الخطوة تعتبر عملية تلقائية لجميع دول الخليج التي تتبع نظام الربط المباشر بالدولار الأميركي، ما عدا دولة الكويت التي تطبق نظام سلة العملات العالمية. وقد قامت دولة الكويت بتطبيق نظام الربط المباشر مع الدولار الأميركي في عام 2003، الا ان الانخفاض شبه المستمر في سعر صرف الدولار الأميركي (والذي بدأ تقريبا منذ عام 2001) أمام العملات العالمية في تلك الفترة أدى بدوره الى انخفاض قيمة الدينار الكويتي مقابل تلك العملات، مما ساهم - الى جانب عوامل أخرى كارتفاع اسعار النفط - في تفاقم الضغوط التضخمية محليا (أو ما يسمى بالتضخم المستورد). ولم يستمر هذا الربط المباشر طويلا، فقد تمت العودة مجددا الى نظام سلة العملات في عام 2007. ومن مميزات نظام سلة العملات القدرة على امتصاص الاثر السلبي للتقلبات الحادة في اسعار صرف العملات العالمية وتقليل فرص حدوث التضخم المستورد. وقد ينتج عن الارتباط المباشر بعملة واحدة الانتقال السريع للآثار الاقتصادية من الدولة الرئيسية (كالولايات المتحدة الأميركية مثلا) الى الدول التابعة. ومن المميزات الأخرى ايضا استقلالية البنك المركزي في ما يتعلق بتحديد سعر الخصم أو أسعار الفائدة في السوق المحلي، وهي الأداة التي يتنازل عنها عند تطبيق آلية الربط المباشر. وقد يتطلب على دولة الكويت في سبيل تطبيق العملة الخليجية الموحدة العودة مرة أخرى الى نظام الربط المباشر بكل جوانبه السلبية. الا ان احتمالا ايجابيا آخر وهو قيام دول الخليج بتطبيق نظام سلة العملات عوضا عن الربط المباشر، حتى وان كان هذا الربط في مراحل متقدمة من عملية التوحيد.
ومن النتائج السلبية المحتملة ايضا ما قد يتسبب بزيادة تدفق واغراق السلع الخليجية للسوق الكويتي، مع العلم بان مجموعة كبيرة من هذه السلع تتميز بانخفاض تكلفة انتاجها ومن ثم انخفاض سعر البيع (وذلك بسبب الدعم الحكومي)، ومن ثم انخفاض تنافسية السلع الكويتية مقابل السلع الخليجية.
الى جانب مخاوف التضخم ومنافسة السلع الخليجية للسلع الكويتية، فان هناك العديد من النتائج المحتملة الأخرى والتي قد يكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد الكويتي، كحجم الالتزامات المالية التي يمكن ان تتحملها دولة الكويت وحجم الدعم المادي المطلوب لضمان نجاح واستمرارية هذا المشروع، وهذا يتطلب منا التأني في مشروع توحيد العملة الخليجية في المدى القريب على الأقل.
د. محمد علي العمر
استاذ الإقتصاد في كلية العلوم الإدارية (جامعة الكويت)
mohalomar@gmail.com



