كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إعادة سعى النظام الرأسمالي الغربي إلى إعادة رسم خارطة شرق أوسطية جديدة تقوم على أساس مبدأ الحرية والمساواة في ظاهرها، بينما هي في الأصل تصب في خدمة مصالح الرأسمالية العالمية الجشعة، التي تشكل مضلة حماية قوية لإسرائيل داخل المنطقة، ولأن الأنظمة العربية اعتادت على القيام بنصف سيادة واعتماد النصف الأخر في بقائها على هبات ومعونات ومكرمات الدول الكبرى فقد كان من السهل أن ترسم تلك الدول مصير هذه الأنظمة فتدعم بقائها أو تساعد على زوالها بأقل الجهود وأقصر الأوقات الممكنة.
فالاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة كما يشير الكثير من المتخصصين، إذ أن كلاهما يتأثر بالأخر من ناحية، عوضا على أنهما يشكلان معا السلطة الفعلية متمثلة بالقوة والنفوذ من ناحية أخرى، وهو ما جعل الأنظمة العربية في معظمها على بساط الريح، تترنح بين تمسكها بكراسيها السياسية، وبين مطالب الشعب التواق لحياة كريمة قد لا تنقصها الحرية وإنما تنقصها الرفاهية، ولقمة العيش الكريمة والآمنة.
ولعل القارئ لمسار الأحداث السياسية التي تهز أركان الوطن العربي من أقصاه إلى أدناه يدرك تماما أن عاصفة المطالب الاقتصادية هي التي أشعلت فتيل الثورات الشبابية على السلطات السياسية ورموزها، وقد جاءت الأزمات السياسية في معظم هذه البلدان نتيجة لأزمات اقتصادية عانى منها شعوب هذه الدول طوال عقود متفرقة، تلك الأزمات هي التي أجبرته على الاغتراب والشعور بالغربة حتى في وسط بلده.
بين مطالب الشعب التواق لحياة كريمة قد لا تنقصها الحرية وإنما تنقصها الرفاهية، ولقمة العيش الكريمة والآمنة. |
فالنظام السياسي التونسي وبعده النظام السياسي المصري، والنظام السياسي اليمني، وكذلك النظام السياسي الليبي كلها أنظمة سرعان ما أظهرت هشاشتها أمام ثورة شباب طغت مطالبهم الاقتصادية على تطلعاتهم السياسية، واتخذوا الإعتصامات السلمية طريقا جديدا للتعبير عن مطالبهم وإحداث انقلابات على أنظمة بلدانهم بعد أن كان التغير معول على الدبابات والمدرعات في المجتمعات النامية، وعلى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في المجتمعات المتحضرة.
وبالمقابل فإن الأنظمة السياسية في البلدان المستقرة اقتصاديا استطاعت أن تحافظ على بقائها راسخة وثابتة في وجه المحاولات المتعددة لهد أركانها، نظرا لما تتمتع به من مقدرات اقتصادية أهلتها لأن ترفع مستوى الدخل الفردي لمواطني بلدانها إلى موازاة الدخل الفردي للمواطن في ألدول الأوربية، وقد يفوقه في بعض الدول، كما أن الخطابات السياسية التي خرج بها زعماء العرب المخلوعين أو الذين في طريقهم للخلع لم تكن ذات جدوى تثني أو تساعد على إثناء الشباب عن مطالبهم في التغير، رغم أن مطالب التغير السياسي هي الأكثر ظهورا لديهم، في حين أثبتت الخطابات الاقتصادية المدعمة بالأرقام والميزانيات، والنفقات، والتي صبت بشكل مباشر في مصلحة المواطنين أنها أنجع وأنفع من الخطابات السياسية الهشة، ولعل خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية مع شعبه، مدعما بما لا يقل عن عشرين قرار تصب جميعها في مصلحة الشعب السعودي ورفع مستوى معيشته والقضاء على البطالة فيه، وتلمس احتياجاته الأساسية لخير
الأنظمة السياسية في البلدان المستقرة اقتصاديا استطاعت أن تحافظ على بقائها راسخة وثابتة في وجه المحاولات المتعددة لهد أركانها. |
ولعله من المناسب هنا أن نؤكد على أن الفقر وحده يمكن أن يقود إلى ثورة وخير مثال على ذلك قول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه « عجبت لرجل لا يجد قوت أطفاله فلا يخرج على الناس شاهر سيفه» .