آراء وأقلام نُشر

عن ثالوث الفوضى والانفلات والاستهتار

 

الفوضى، الانفلات، الاستهتار، ثلاث كلمات تختلف في المبنى ولا تختلف كثيراً في الدلالة والمعنى ، وهي تعبير مخيف عن حالة إذا ما حضرت في حياة شعب من الشعوب سارعت في تدميره، وفي القضاء على كل أمل له في الاستقرار والتطور والبناء. وما يبعث على القلق في بلادنا، وفي هذه المرحلة بالذات أن هذا الثالوث المخيف بدأ يطل بقرونه على أكثر من صعيد ومن أكثر من مرفق من مرافق الدولة. ومن حق كل مواطن أن يخاف من عواقب استشراء هذا الداء الذي لا يهدد الاستقرار فحسب، وإنما يهدد حياة الناس ويضعهم من دوامة من القلق والشعور بعدم الأمان، وما يترتب على ذلك كله من إهمال الواجبات والتخلي عن الإحساس المباشر بالمسئولية.

ومنذ سقوط الطائرة العسكرية في قلب العاصمة ولا حديث للناس إلاَّ عن هذا الحادث وتداعياته السلبية في الوسط الشعبي خاصة حيث يرى هذا الوسط أن الحادث ما كان له أن يقع وفي المكان نفسه لو لم تكن حالات الانفلات والفوضى والاستهتار قد وصلت إلى مرافق ما كان يجوز أو يصح أن تصل إليها، وأن هذه الحالات التي بدأت تسود وتستشري هي وراء ما حدث ويحدث للأبرياء، ويمكن لحادث بعينه أن يتكرر بالطريقة ذاتها أو بما يماثلها مع ضعف الرقابة والاستهتار بالصيانة ودقة الإشراف، وسواء كان ذلك الحادث الذي شغل الناس وسوف يستمر في إشفالهم قدراً محتوماً ناتجاً عن الإهمال وانعكاساً لحالة الانفلات الشامل فإن الأمر أكبر من أن تتم مواجهته بمجموعة من التصريحات وحفنة من التعازي والمسكنات.

إن العلاقة وثيقة بين الانفلات والفوضى والاستهتار، ووجود الحالة الأولى يؤدي بالضرورة إلى وجود الحالة الثانية، ومن ثم الحالة الثالثة، والذين كانوا يتحدثون عن الفوضى الخلاّقة لم يكونوا يستهترون بمعاني اللغة وحدها وإنما كانوا كذلك يستهترون بالإنسان ومصيره، وبالنظام الذي هو أساس الحياة ومصدر التغيير نحو الأفضل، فالفوضى تدعو إلى الفوضى، ولا فوضى في السياسة والاقتصاد ولا في التعامل اليومي مع البشر، قد تكون الفوضى الخلاّقة مقبولة أو مستحبة بعض الشيء في الآداب والفنون، كالشعر والرسم والموسيقى، لكنها تكون كارثة على الحياة والناس إذا لم يتم التنبه والوعي بها والذين أطلقوا ذلك الشعار السخيف لنشر الفوضى في بلاد الآخرين يرفضونه تماماً في بلادهم القائمة على النظام والقانون ابتداءً من المرور إلى مؤسسات غزو الفضاء.

ومن هنا فقد كان على العالم الثالث، ونحن منه، أن يسارع قادته ومفكروه وعلماؤه وأدباؤه إلى تسفيه هذه النظرية الداعية إلى التفلت من الشعور بالمسؤولية ومن الالتزام والانضباط في أداء المهام العملية بكل دقة وانتظام. وبالنسبة لنا هنا في هذه البلاد ولبقية أشقائنا في الوطن العربي فإننا كنا وما نزال أحوج ما نكون إلى التمسك بالنظام ومواجهة الفوضى والانفلات لنتمكن من تجاوز هذا الفارق الهائل بين واقعنا وواقع الآخرين، ولكي نتخفف من ركام التخلف وما تركه في حياتنا من رواسب ومعوقات تحتاج إزالتها وتنظيف العقول من آثارها إلى عشرات السنين، وقد لا يتحقق شيء من المحاولات الجادة والمخلصة في مناخ كهذا تسوده الفوضى والانفلات والاستهتار.


 

مواضيع ذات صلة :