آراء وأقلام نُشر

التنمية المستعصية والمستحيلة

 

 

‮> ‬منذ مطلع الخمسينات وحتى اليوم برزت مفاهيم ومصطلحات عديدة لدى الكثير من الدول النامية في‮ ‬برامجها وخططها التنموية الهادفة إلى تنمية وتطوير اقتصاداتها وتحسين مستويات المعيشة لشعوبها،‮ ‬من هذه المفاهيم على سبيل المثال،‮ ‬التنمية الاقتصادية،‮ ‬والتنمية الاقتصادية والاجتماعية،‮ ‬والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة،‮ ‬والتنمية المستدامة‮... ‬كما تعددت الأنظمة الاقتصادية التي‮ ‬تم انتهاجها في‮ ‬تلك الدول بل على مستوى الدولة الواحدة من فترة لأخرى،‮ ‬من تلك الأنظمة الاقتصادية،‮ ‬النظام الاقتصادي‮ ‬الرأسمالي،‮ ‬بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬والنظام الاقتصادي‮ ‬الاشتراكي‮ ‬بقيادة الاتحاد السوفيتي‮ "‬سابقاً‮" ‬والنظام الاقتصادي‮ ‬المختلط الذي‮ ‬يجمع بين صفات النظامين الاقتصاديين الاشتراكي،‮ ‬والرأسمالي‮.‬ 

 

لقد انقسمت دول العالم الثالث إلى قسمين أساسيين تبعاً‮ ‬لانقسام العالم إلى الكتلة الشرقية،‮ ‬والكتلة الغربية،‮ ‬وبالضرورة انتهجت الدول النامية التي‮ ‬لحقت أو التحقت بالمنظومة الرأسمالية الغربية بزعامة أمريكا انتهجت تلك الدول النظام الاقتصادي‮ ‬الرأسمالي‮ ‬وكذلك الحال بالنسبة للدول التي‮ ‬اختارت الكتلة أو المنظومة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفياتي،‮ ‬انتهجت النظام الاقتصادي‮ ‬الاشتراكي‮ ‬أو الموجه من قبل الدولة،‮ ‬وعدد قليل من الدول النامية رغم أنها أعلنت عن عدم انضمامها لأي‮ ‬من المنظومة الرأسمالية أو المنظومة الاشتراكية،‮ ‬وأنها أي‮ ‬تلك الدول تنهج نظام الاقتصاد المختلط،‮ ‬إلا أنها في‮ ‬حقيقة الأمر كانت تتبع إحدى المنظومتين الاشتراكية أو الرأسمالية،‮ ‬وللأسف الشديد كان هذا الاتباع من قبل معظم الدول النامية لإحدى المنظومتين السابق ذكرها كان نظرياً‮ ‬ولم‮ ‬يصل إلى الالتزام بتنفيذ آليات العمل في‮ ‬أي‮ ‬من النظامين الرأسمالي‮ ‬والاشتراكي‮ ‬وتجسيد ذلك في‮ ‬واقع البلدان النامية وبالتالي‮ ‬لم تفلح معظم الدول النامية تلك سواء المنتمية إلى المنظومة الرأسمالية أو تلك المرتبطة بالمنظومة الاشتراكية في‮ ‬تحقيق تنمية اقتصادية أو تنمية شاملة كما كانت برامجها وخططها التنموية توجب ذلك،‮ ‬وربما‮ ‬يرجع ذلك إلى مسألتين وربما ثلاثة أمور،‮ ‬الأمر الأول‮: ‬تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية وبدائيتها وتقليديتها مع وجود فوارق فيما بينها،‮ ‬وبالتالي‮ ‬كان اتباع الدول النامية لأي‮ ‬من النموذج الاشتراكي‮ ‬أو النموذج الرأسمالي‮ ‬كان مجرد قناع ارتدته البلدان النامية لإخفاء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في‮ ‬الدول النامية من ناحية وإحالة ذلك القصور،‮ ‬والعجز التام في‮ ‬تنفيذ آليات عمل النظام الاقتصادي‮ ‬المتبع نظراً‮ ‬للفوارق الكبيرة بين ظروف وطبيعة الاقتصاد التابع والنظام الاقتصادي‮ ‬المتبوع من ناحية أخرى‮.‬

الأمر الثاني‮: ‬أحيانا نهجت بعض الدول النامية نهج هذا النموذج أو ذاك مع عدم ملاءمة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في‮ ‬البلد النامي‮ ‬مع نموذج التنمية سواءً‮ ‬كان الرأسمالي‮ ‬أو الاشتراكي‮.‬

الأمر الثالث‮: ‬أن معظم الدول النامية كانت حينذاك تعاني‮ ‬وتواجه تحديات جمه بعضها‮ ‬يعود لحداثة ثوراتها ضد أنظمة سابقة وأخرى أيضا خارجة من ربقة الاحتلال وتحرير المجتمع وإعلان كيان سياسي‮ ‬جمهوري‮ ‬وبالتالي‮ ‬إعطاء وعود كبيرة وضخمة للمواطنين وتحمل الدولة مسئوليات ومهام إحداث تنمية شاملة‮ "‬اقتصادياً‮ ‬واجتماعياً‮ ‬وسياسياً‮" ‬وهذه الوعود كان مردها الزخم الثوري‮ ‬والتحرري‮ ‬الذي‮ ‬ساد في‮ ‬تلك الفترة وارتبط احياناً‮ ‬وفي‮ ‬بعض الدول باستبعاد مشاركة اصحاب رؤوس الأموال الوطنية من المساهمة في‮ ‬عملية التنمية الموعودة،‮ ‬كما صاحب ذلك احياناً‮ ‬سياسة تأميم مؤسسات ورؤوس أموال وطنية وغير وطنية لصالح الدولة الجديدة‮.‬

وفي‮ ‬قسم آخر في‮ ‬الدول الوليدة رغم ارتهانها كلياً‮ ‬واندماجها بالنموذج الرأسمالي‮ ‬إلا أن واقعها اقتصاديا واجتماعياً‮ ‬لم‮ ‬يستفد وربما احياناً‮ ‬يعجز عن الاستفادة من النموذج المتبع واقتصر الأمر على ظهور نتوءات رأسمالية هنا وهناك واتباع كامل في‮ ‬بعض جوانب ومظاهر الحياة رغم توفر موارد عامة قد تكون كافية لأحداث ثورة تنموية في‮ ‬مختلف مجالات الحياة خاصة وأن الدولة في‮ ‬تلك الفترة ككيان سياسي‮ ‬وليد وجديد حينذاك بادرت كما سبق القول إلى تحمل مهام ومسئوليات تحقيق التنمية الشاملة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا‮... ‬ولكن للأسف الشديد لم تفلح الدولة في‮ ‬معظم دول العالم الثالث في‮ ‬تحقيق أي‮ ‬من تلك الغايات التنموية لا في‮ ‬المجال الاقتصادي‮ ‬ولا الجانب الاجتماعي‮ ‬ولا السياسي،‮ ‬ويرجع ذلك من وجهة نظرنا إلى أن المشكلة الرئيسية في‮ ‬معظم تلك البلدان إن لم‮ ‬يكن جميعها‮ "‬أقصد الدول النامية‮" ‬المشكلة اقتصادية في‮ ‬الأساس بينما المعالجات كانت سياسية ولذلك عجزت عن تحقيق الغايات التنموية المنشودة اجتماعياً‮ ‬واقتصاديا وسياسياً،‮ ‬وظلت الدولة في‮ ‬العالم الثالث تترنح بين مطالب مجتمعية أحياناً‮ ‬صامتة في‮ ‬معظمها،‮ ‬ومعلنة في‮ ‬البعض الآخر وبشكل محدود من الدول،‮ ‬بضرورة تحقيق تطور في‮ ‬مختلف جوانب الحياة من جهة وعجز الدولة عن تحقيق أي‮ ‬انجازات تذكر في‮ ‬الواقع المعاش لكل أفراد المجتمع،‮ ‬واستمر الوضع كما هو عليه في‮ ‬معظم الدول النامية حتى بداية النصف الأول من ثمانينات القرن العشرين والبعض في‮ ‬بداية التسعينات ومنتصف التسعينات‮.‬

الجمهورية اليمنية كمثال في‮ ‬1995م بحيث بدأت الدولة في‮ ‬انتهاج سياسات اقتصادية جديدة وكذلك في‮ ‬المجال السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬بعد إدراك الدولة القيود الاجتماعية والسياسية التي‮ ‬أعاقت إحداث تنمية اقتصادية وارتباط ذلك ارتباطاً‮ ‬عضوياً‮ ‬بكل منها مع بعضها البعض بحيث وصلت الدولة في‮ ‬العالم الثالث إلى طريق مسدود في‮ ‬تحقيق التنمية الشاملة وبالذات في‮ ‬الدول العربية واليمن واحد منها ووصلت شعوب الدول العربية وقياداتها وأنظمتها إلى ما‮ ‬يمكن تسميته بمصطلح‮ "‬التنمية المستحيلة‮" ‬مع الأخذ في‮ ‬الاعتبار تفاوت بعض الدول العربية مع بعضها الآخر في‮ ‬أحداث اختراقات في‮ ‬جدار التنمية المستحيلة هنا وهناك وإحداث تطور وبشكل جزر منعزلة عن سياق التنمية الشاملة مثل إحداث نقلات نوعية إيجابية في‮ ‬المستوى المعيشي‮ ‬لأفراد المجتمع من خلال تحقيق طفرة في‮ ‬قطاع من قطاعات الاقتصاد،‮ ‬وترتب على ذلك ارتفاع متوسط الدخل الفردي‮ ‬هنا أو هناك إلى درجة‮ ‬يفوق نظيره في‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬مع ذلك لا‮ ‬يمكن القول بأن هذه الدولة العربية قد حققت التنمية ذلك أن متوسط الدخل الفردي‮ ‬مؤشر‮ ‬غير كافٍ‮ ‬على التقدم والتطور من عدمه‮.‬

على كل حال مع حلول عقد الثمانينات والتسعينات التي‮ ‬كانت محطة اقتصادية مهمة وانتهاج كثير من الدول العربية والعالمثالثية تحولات كبيرة وسعى تلك الدول إلى تحول جذري‮ ‬في‮ ‬السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،‮ ‬وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي‮ ‬وتربع الولايات المتحدة على عرش وقيادة النظام الاقتصادي‮ ‬الدولي‮ ‬الجديد وبروز سياسات العولمة بتجلياتها المختلفة‮.‬

وكانت تحولات البعض من الدول النامية العربية باتجاه سياسات الاقتصاد المعتمد على آليات الثمن والاقتصاد الحر‮ ‬غير الخاضع لإدارة وتدخل الدولة كما كان عليه الحال قبل ذلك مع الآخذ في‮ ‬الاعتبار نجاح دول في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬والعالم الثالث بتميز قبل وبعد مرحلة الثمانينات والتسعينات وعدم الأخذ بنظام الاقتصاد الحر ونظام العولمة وسيطرة الولايات المتحدة على النظام الاقتصادي‮ ‬العالمي‮ ‬الجديد،‮ ‬لقد شكل عقد الثمانينات والتسعينات وبالذات بعد‮ ‬غياب الاتحاد السوفياتي‮ ‬وتفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم وبروز أو ظهور ظاهرة ونظام العولمة،‮ ‬ومنظمة التجارة العالمية،‮ ‬وزيادة فاعلية وانتشار نشاط مؤسسات التمويل الدولي‮ "‬صندوق النقد والبنك الدوليين‮"‬،‮ ‬كما تزامن كل ما سبق مع انعاش دور مؤسسات دولية مثل نادي‮ ‬باريس ونادي‮ ‬باريس ونادي‮ ‬لندن باعتبار الأول مرجعية للنظر في‮ ‬المديونيات الرسمية الثنائية بين الدول وإعادة جدولة المديونيات للدول المعسرة أو إعفائها من تلك المديونيات بموافقة الدول الدائنة،‮ ‬بينما الثاني‮ "‬نادي‮ ‬لندن‮" ‬فهو‮ ‬يختص بالديون التجارية‮ ‬غير الرسمية بما في‮ ‬ذلك اقتراض دولة ما من بنك تجاري‮ ‬أو مؤسسة مالية‮ ‬غير رسمية أو‮ ‬غير حكومية خارجية‮... ‬وهذا‮ ‬يصب في‮ ‬خلق المؤسسات المالية والتجارية وغير ذلك اللازمة للنظام الاقتصادي‮ ‬الدولي‮ ‬الجديد في‮ ‬ممارسة والاشراف وتقديم العون الانمائي‮ ‬المادي‮ ‬والفني‮ ‬لاقتصاديات الدول النامية الساعية إلى التحول من النشاط الاقتصادي‮ ‬العام إلى النشاط الاقتصادي‮ ‬الخاص وانتهاج برامج الاصلاحات الاقتصادية لدى معظم بلدان العالم الثالث‮.‬

إضافة إلى ما سبق فإن الظروف والأوضاع الاقتصادية في‮ ‬الكثير من الدول الساعية للتحول واليمن منها،‮ ‬وصلت إلى درجة لا‮ ‬يمكن تصورها أو السكوت عنها في‮ ‬مختلف جوانب الحياة الاقتصادية وضعف بل ربما انهيار كثير من المكونات الاقتصادية في‮ ‬معظم الدول وبالذات الجمهورية اليمنية التي‮ ‬وصل فيها وضع الاقتصاد إلى الانهيار وبالذات بعد الأزمة والحرب في‮ ‬عام‮ ‬1994م وبدأ اليمن بتطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي‮ ‬وتنفيذ سياسات اقتصادية كلية جديدة تعتمد على آلية السوق وسياسات الاقتصاد الحر ومشاركة القطاع الخاص في‮ ‬التنمية وإدارة النشاط الاقتصادي‮ ‬في‮ ‬البلاد بمساعدة ودعم فني‮ ‬ومادي‮ ‬من صندوق النقد والبنك الدوليين وضرورة هذا الدعم‮ ‬يكمن في‮ ‬ضخامة تكلفة برنامج الاصلاحات الاقتصادية بما‮ ‬يفوق القدرات المادية وربما الفنية للدول التي‮ ‬بدأت تنفيذ برامج إصلاحات اقتصادية عموماً‮ ‬للخروج بالاقتصاد من الاختلالات الاقتصادية التي‮ ‬اصابت اقتصاديات الكثير من الدول النامية من جهة والسعي‮ ‬لتحقيق الغايات التنموية المنشودة التي‮ ‬عجزت الدول النامية عن تحقيقها في‮ ‬العقود الماضية التي‮ ‬سبقت عقد التحولات الاقتصادية‮.‬

ولن نضطر هنا للدخول في‮ ‬تفاصيل برامج الاصلاحات الاقتصادية التي‮ ‬تم تنفيذها في‮ ‬اليمن وغيرها من الدول النامية لكننا سنركز على التوجهات العامة ومسارات تطور تلك الاقتصاديات وإدراك مدى نجاح تلك البرامج في‮ ‬إحداث تطور اقتصادي‮ ‬من عدمه‮.‬

على كل حال نفذت سياسات اقتصادية كلية مالية ونقدية وتجارية وأخرى بالإشراف والتنسيق مع البنك والصندوق الدوليين وتم بيع بعض إن لم‮ ‬يكن كل المنشآت العامة للقطاع الخاص محلي‮ ‬وأجنبي‮ ‬وأحياناً‮ ‬لمستثمر استراتيجي‮ ‬كأسلوب من أساليب الخصخصة‮.. ‬وتدفقت المساعدات والقروض والهبات والمنح نتيجة الدعم المقدم من المؤسسات المالية الدولية البنك وصندوق النقد وتسويق شهادة حسن سير وسلوك هذا الاقتصاد أو ذلك التي‮ ‬يقدمها الصندوق والبنك الدولي‮ ‬للعالم أو للمانحين الذين‮ ‬يقدمون الدعم المادي‮ ‬بناء على تشخيص وشهادة المؤسسات المالية الدولية عن الاقتصاد الذي‮ ‬اتبع سياسات واصلاحات اقتصادية جديدة سواء في‮ ‬اليمن وفي‮ ‬غيره‮.‬

وعلى الرغم أن اليمن بدأ برنامج الاصلاحات في‮ ‬عام‮ ‬1995م ودول أخرى سبقت اليمن في‮ ‬تنفيذ اصلاحاتها إلا أن ما‮ ‬يلاحظ الآن بعد مرور ما‮ ‬يقرب من عقدين من الزمن أن الاصلاحات الاقتصادية لم تؤتِ‮ ‬ثمارها ولم تحقق الغايات التنموية المنشودة إلا في‮ ‬جوانب منها،‮ ‬على سبيل المثال نجحنا في‮ ‬اليمن في‮ ‬المرحلة الأولى من برنامج الاصلاح الاقتصادي‮ ‬المتمثل في‮ ‬إصلاحات القطاع المالي‮ ‬والنقدي‮ ‬إلى حد كبير‮ ‬لكننا عجزنا عن اصلاحات بقية مكونات الاقتصاد في‮ ‬باقي‮ ‬جوانبه وينطبق الحال على الكثير من الدول المنفذة لإصلاحات اقتصادية فيها‮.‬

ما‮ ‬يلاحظ بروز أمراض أو أعراض جانبية مثل زيادة معدلات الفقر والبطالة وسوء التغذية وترافق ذلك مع بروز ظاهرة الفساد التي‮ ‬أكلت الأخضر واليابس وانتشرت في‮ ‬كل مفاصل الدولة وأنواع مختلفة من الفساد المالي‮ ‬والإداري‮.‬

كما ترافق مع ذلك حالة من عدم الاستقرار في‮ ‬السياسات الاقتصادية وحالات عدم الاستقرار السياسي‮ ‬والتوترات وردود الفعل الاجتماعي‮ ‬السياسي‮ ‬على بعض الإجراءات والسياسات الاقتصادية،‮ ‬كل ذلك قد ساهم إلى حد كبير من زيادة مظاهر الفساد بكل أشكاله وساعد أيضا على ضياع الكثير من الموارد المالية التي‮ ‬تدفقت دعماً‮ ‬للاصلاحات الاقتصادية هنا أو هناك‮.‬

كما أن رصد وتحليل دور الفاعلين الاقتصاديين الحكومة والقطاع الخاص تبين ان الحكومات تنفق على المعونات والمساعدات الاجتماعية ربما أكثر مما تنفق على الصحة والتعليم‮ (‬يتفاوت من دولة لأخرى‮) ‬ويعاني‮ ‬الانفاق الاجتماعي‮ ‬من تدنى نسب الكفاءة وارتفاع نسب الهدر وهذا الواقع كان له اثر في‮ ‬ممارسات القطاع الخاص الذي‮ ‬اهتم بالاستئثار بملكيات القطاع العام التي‮ ‬تحولت إليه لتزيد تركز الثروة ولم‮ ‬يبادر في‮ ‬كثير من الاحيان باستثمارات جديدة مولدة لفرص العمل ومصادر الدخل وهذا‮ ‬يفسر كيف تزامنت صفقات التخصيص بارتفاع نسب البطالة وعجز الحكومات في‮ ‬الوقت نفسه عن استيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل‮.‬

ولم تخل عمليات التخصيص من شبهات للفساد والعلاقات التي‮ ‬سادت بين رجال الأعمال والطبقة البيروقراطية التي‮ ‬أشرفت على العمليات وصاغت القوانين ونفذت الصفقات لخدمة فئات معينة على حساب المبادئ الاساسية التي‮ ‬تستند إليها برامج الاصلاحات الاقتصادية وتخصيص ونقل ملكيات القطاع العام لمصلحة مجموعات لها صلات بأصحاب القرار ناهيك عن عدم تخصص بعض أعضاء الطبقة البيروقراطية التي‮ ‬اشرفت ونفذت سياسات الاصلاح الاقتصادي‮ ‬وغياب وزارة للاقتصاد تهتم بالشأن الاقتصادي‮ ‬المراد إصلاحه حتى الآن،‮ ‬كل ما سبق كان ولا‮ ‬يزال سببا كافيا لعدم إحداث تنمية أو حتى نمو اقتصادي‮.‬

وبالنتيجة برزت الحكومات واختفى الاقتصاد والنمو والتنمية لفترات طويلة وظل الاحتفاء‮ ‬يطول الارقام المتحققة بغض النظر عن أثرها على الفئات المختلفة في‮ ‬المجتمع وهنا برزت مشكلة اخرى وهي‮ ‬فقدان الثقة بين المجتمع والحكومات نتيجة أحاديث الحكومات عن الانجازات التنموية وبشكل‮ ‬يومي‮ ‬بينما الاحوال المعيشية للمجتمع تسوء‮ ‬يوما بعد‮ ‬يوم وفي‮ ‬المحصلة النهائية وصلت الظروف الاقتصادية لكثير من أفراد المجتمع هنا وهناك إلى ان تصبح دافعا رئىسيا ومحددا من أهم محددات بروز تمرد هنا أو هناك وصولا إلى أزمات أو ثورات الربيع العربي‮ ‬وإن شكلت هذه في‮ ‬الاساس شتاء اقتصادياً‮ ‬عربياً‮ ‬قارساً‮ ‬أتى على الاخضر واليابس وما أمكن تحقيقه من انجازات تنموية على محدوديتها بل ربما ولا قدر الله كادت تؤدي‮ ‬تلك الثورات إلى انهيار اقتصادي‮ ‬ويعود بالمجتمعات إلى نقطة الصفر وبالتالي‮ ‬وصول هذه المجتمعات إلى نتيجة حتمية‮ ‬يمكن ان نطلق عليها التنمية المستحيلة في‮ ‬اليمن ومعظم الدول النامية‮.‬

نسأل الله باسمه الأعظم أن‮ ‬يعين اليمن والدول العربية جميعها وتتجاوز الأزمات الاقتصادية والوصول إلى تحقيق الغايات المنشودة للمجتمع اليمني‮ ‬والمجتمعات العربية ولن‮ ‬يتأتى هذا في‮ ‬اليمن إلا بوقوفنا جميعا خلف ومع قيادتنا السياسية وتنفيذ المبادرة الخليجية المزمنة للخروج من أزماتنا الراهنة‮.. ‬وعلى حكومة الوفاق الوطني‮ ‬العمل وفقا لاعتبارات وطنية وبما‮ ‬يحقق المصالح الوطنية العليا والبعد كل البعد عن المعايير الأخرى حزبية كانت أو مناطقية‮.‬

وكل التقدير والعرفان للداعمين والمانحين لليمن وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية وكل دول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬والمجتمع الدولي‮ ‬وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية والمؤسسات المالية الدولية وتحديدا صندوق النقد والبنك الدوليين‮.‬

‮* ‬أستاذ الاقتصاد والعلوم المالية المصرفية‮- ‬جامعة تعز


 

مواضيع ذات صلة :