آراء وأقلام نُشر

أسس الشراكة الفاعلة مع مجتمع المانحين... البنك الدولي نموذجاً (2 - 3)

 

 

تمتد علاقة اليمن بالبنك الدولي لما يزيد عن أربعة عقود من الزمن، تلقت خلالها بلادنا منه 134 قرضاً تصل التزاماتها الأصلية حتى نهاية عام 2012م إلى حوالي 2,647 مليون دولار، وإجمالي السحب المتراكم إلى 2,397 مليون دولار، تم تسديد حوالي 505 ملايين دولار، ليصل حجم المديونية القائمة على اليمن للبنك الدولي إلى 2,104 مليون دولار تقريبا. وخلال هذه الفترة مرت علاقة اليمن بالبنك الدولي بمرحلتين رئيستين، الأولى تغطي عقدي السبعينيات والثمانينيات (1971-1989م)، ساهم البنك في عملية التنمية الاقتصادية من خلال القروض الميسرة لتمويل مشاريع تنموية محددة في قطاعات ومجالات مختلفة في شطري اليمن (سابقا)، والمساعدة كذلك على إنشاء وإقامة مؤسسات اقتصادية ومالية عديدة. وفي المرحلة الثانية (1996-2013م) اتسمت هذه العلاقة بتراجع الدور التنموي للبنك الدولي في اليمن مقابل تنامي دوره التصحيحي مع تنامي عنصر المشروطية في قروضه والمنح التي يقدمها.

وتستند أهمية تحويل العلاقة الراهنة غير المتكافئة بين اليمن والبنك الدولي -إلى جانب صندوق النقد الدولي- إلى شراكة اقتصادية تنموية فاعلة، إلى أن ذلك سوف يمكن اليمن من الاستفادة بصورة أكبر واشمل من الآليات المتعددة والمتنوعة، ومن الخبرات المعرفية والمشورة في مجال السياسات والإصلاحات الإدارية والقانونية والفنية التي تتمتع بها هاتان المؤسستان، إضافة إلى رفع مستوى مخرجات ونتائج القروض والمنح والتسهيلات الائتمانية التي يقدمانها.

وفي اليمن، تتمثل أبرز آليات البنك الدولي في القروض الميسرة، سواء قروض تمويل المشاريع التنموية، مثل مشاريع مياه الشرب والصرف الصحي (صنعاء، المناطق الحضرية، المناطق الريفية)، أو قروض الإصلاحات الهيكلية، مثل قروض تحديث الخدمة المدنية، مشروع مساندة إصلاح قطاع الصحة، وتحسين المناخ الاستثماري وبيئة الأعمال. وهناك أيضاً منح الإصلاحات الهيكلية، مثل منحة سياسات التنمية للإصلاح المؤسسي (حوالي 60 مليون دولار) في عام 2007م، ومنحة سياسات التنمية لتعزيز النمو في القطاع الخاص والحماية الاجتماعية (حوالي 70 مليون دولار) 2010م. إلى جانب المساعدات الفنية والمساندة، مثل مساندات تنفيذ استراتيجيتي المياه، والطفولة والشباب، وإعداد الأجندة الوطنية للإصلاحات، والمحادثات مع دول مجلس التعاون الخليجي.

وبالإضافة إلى قيام البنك الدولي بحشد المعونات وإدارتها والتنسيق فيما بينها، بما في ذلك الشراكة مع المانحين الآخرين، يقوم كذلك بإدارة موارد صندوق التسهيلات الائتمانية المقدمة لليمن، مثل تقديم 700 ألف دولار لدعم برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية، بما في ذلك إنشاء وحدة خاصة للبرنامج في وزارة التخطيط والتعاون الدولي. ويتولى البنك الدولي ايضاً الإعداد والترتيب لعقد مؤتمرات المانحين لليمن، والتي كان آخرها مؤتمر الرياض في سبتمبر 2012م، فضلاً عن ذلك، يقوم البنك الدولي بإعداد دراسات ميدانية وبحثية عديدة، ودراسات تقييمية اقتصادية واجتماعية حول اليمن، كان آخرها الدراسة التي أعدها البنك بالتعاون مع الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي والبنك الإسلامي حول "التقييم الاجتماعي والاقتصادي المشترك". وخلال استراتيجية المساعدة القطرية لليمن 2006 - 2009م نفذ البنك الدولي 38 عملية ما بين مساعدات فنية وبحث ودراسة، و حوالي 21 عملية للصناديق الاستئمانية خلال الفترة نفسها مثل؛ المساعدة الفنية الهولندية لتحديث الخدمة المدنية، الصندوق الاستئماني المتعدد لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، ومنح صندوق تنمية القدرات المؤسسية.

بالإضافة، فإن أهمية دور وتأثير هاتين المؤسستين لا يتوقف فحسب على مقدار القروض والمنح التنموية والتسهيلات التمويلية التي يقدمانها، وإنما يرجع إلى تأثيرهما الكبير والواسع على مانحي اليمن من الدول والهيئات والمؤسسات الدولية والإقليمية وحتى منظمات المجتمع المدني الخيرية، وبالتالي على مقدار وحجم المساعدات التي يمكن لليمن تلقيها، بل وعلى طبيعة الأنشطة والمجالات التي يتم -أو سيتم- تمويلها من هذه المساعدات والقروض. ويشير البنك الدولي دائماً إلى تعاونه الوثيق مع مانحي اليمن مثل؛ هيئات إنمائية من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ووكالات تابعة للأمم المتحدة. وتعمل مجموعة البنك الدولي بشكل وثيق مع صندوق النقد الدولي بشأن الاقتصاد الكلي، وكذلك مع أمانة مجلس التعاون الخليجي والمؤسسات المالية والتنموية في المنطقة، بما في ذلك الصندوق السعودي للتنمية. 

ووفقاً للبنك الدولي، تمت مؤخراً الموافقة على ثلاثة مشاريع جديدة لليمن هي؛ المشروع الطارئ للتعافي من الأزمة بـ 100 مليون دولار، ومشروع تطوير التعليم بـ 66 مليون دولار، ومشروع إدارة شبكة الطرق بـ40 مليون دولار، بإجمالي 206 ملايين دولار، تشكل أكثر من 50% من مبلغ 400 مليون دولار الذي تعهدت به مجموعة البنك الدولي بتقديمه في مؤتمر المانحين الخاص باليمن، الأمر الذي يرفع من صافي إجمالي ارتباطات حافظة المشاريع الجاري تنفيذها إلى 700 مليون دولار، وكانت مشاريع البنك الدولي الجديدة في اليمن قد انخفضت من 8 مشاريع في العام المالي 2010م بمبلغ 237 مليون دولار إلى 3 مشاريع بـ 117 مليون دولار عام 2011م، ثم إلى مشروع واحد فقط بمبلغ 61 مليون دولار عام 2012م.

واستناداً لما سبق، لا بد من الإقرار بأن البنك الدولي - وإلى حدٍ ما صندوق النقد الدولي- يؤدي دورا هاماً وكبيراً في اليمن، ويؤثر كذلك على مختلف الجوانب والمجالات ومستوياتها المختلفة (السياسات والتوجهات، الإجراءات الإدارية والتشريعات القانونية والتنظيمية)، وأن هناك فرصاً عديدة متاحة تتيح لليمن الاستفادة من البنك والصندوق بصورة أفضل مما هو قائم حالياً إذا تمكن اليمن فعلاً من إقامة شراكة اقتصادية تنموية وفاعلة مع هاتين المؤسستين.

 


 

مواضيع ذات صلة :