مع تقديري للدكتور يحيى بن يحيى المتوكل صاحب مقال الملف الاقتصادي المنشور في جريدة الثورة يوم الأحد الموافق 27/10/2013م في العدد (17874) والذي أشار فيه إلى الاختلالات الاقتصادية المالية والإدارية وحصرها في أربعة جوانب رئيسية من وجهة نظره وهي فاتورة الأجور وما في حكمها ودعم المشتقات النفطية وسعر الصرف للريال وأذون الخزانة ، إضافة إلى ذلك أنه تحسر لعدم رفع أسعار المشتقات النفطية ومساواتها بالأسعار العالمية خلال أزمة 2011م والتي وصل سعر اللتر الواحد للبترول بأكثر من 300 ريال تقريبا وأشار إلى أن المستفيد الوحيد من دعم المشتقات النفطية هم الأغنياء وهوا يعلم نسبتهم مقارنة بنسبة عامة الشعب والتي تصل إلى أكثر من 80% من إجمالي السكان يمثلون الطبقة المسحوقة في اليمن مقارنة بمستوى الدخل في العالم ، فمن المتضرر الأكبر في هذه الحالة الأغنياء أم عامة الشعب؟ وندرك جميعا ماذا حصل بالمواطن اليمني عندما ارتفع سعر الدبة البترول إلى أكثر من ثمانية آلاف ريال في عام 2011م مع الأزمة السياسية التي قيدت حركة المجتمع بسبب ارتفاع أسعار وسائل النقل وأسعار السلع والخدمات وتحولت حياة المواطنين إلى جحيم.
الدكتور يحيى المتوكل أحد الكوادر الاقتصادية المحلية ولم يأت من خارج البلد ، فهو يعلم علم اليقين بمشاكل اليمن وأثرها على الاقتصاد والتنمية ، وكان أحد الخبراء العاملين في وزارة التخطيط ومن ثم أحد قيادييها ويعلم بخفايا التخطيط الذي أصبح اسما فارغا لايعبر عن التخطيط الحقيقي الذي يهتم بمتابعة وتقييم مشاكل الاقتصاد والمجتمع واقتراح المعالجات اللازمة للحد من تأثيرها على استقرار المجتمع.
ويعرف أيضا أنه تم إعداد برنامج للإصلاح الاقتصادي بعد حرب عام 1994م من قبل خبراء تابعين للمؤسسات الدولية وبدأ تنفيذه عام 1995م لإنقاذ الاقتصاد اليمني من حالة الانهيار ، والآن بعد 19 عاماً من بداية تطبيق برنامج الإصلاح ، أظهرت الدراسات العلمية أنه فشل في عملية الإصلاح الاقتصادي وعجز عن تحقيق الإصلاحات المالية والإدارية لترشيد الإنفاق وربط الوظيفة بالعمل ، ونجح في رفع أسعار السلع والخدمات بعد رفع الدعم الحكومي، وفتح باب الاستيراد بعد تحرير التجارة وإغراق أسواق البلاد بالسلع المستوردة ، وإصابة الاقتصاد المحلي بالركود ما أدى إلى ندرة فرص العمل في القطاعات الإنتاجية والخدمية والاعتماد على وظيفة الدولة في مواجهة مخرجات التعليم العشوائي، ذلك ما أثقل موازنة الدولة دون جدوى اقتصادية وضاعف من حجم البطالة ، كما عمل البرنامج على توسيع هياكل الدولة وبصورة عشوائية لا تتناسب مع حاجة العمل وهذا أدى أيضا إلى مضاعفة عجز الموازنة العامة، وتجاهل البرنامج أهم الإختلالات التي يعاني منها الاقتصاد وهي بناء الإنسان هدف التنمية ووسيلتها وبناء وتطوير قاعدة الإنتاج الاقتصادي في الزراعة والصناعة والسياحة والتي تشهد تدهور وتراجع في نشاطها ، وبمعنى آخر برنامج الإصلاح الاقتصادي ركز على الإصلاحات السعرية على حساب معاناة الشعب أكثر من التركيز على تطوير البنية التحتية للقطاعات الإنتاجية وخلق فرص العمل لتشغيل الشباب بدلا عن الانتظار للوظيفة العامة للدولة .
اليمن يواجه تحديات عديدة تهدد أمنه واستقراره في ظل نظام العولمة وثورات الربيع العربي التي أفرزت واقعاً معقدا يتسم بالفوضى وضعف تطبيق النظام والقانون، ومن هذه التحديات الملفات الساخنة التي أوجدتها الصراعات السياسية والقبلية والمذهبية وتمثل ألغاماً في طريق بناء الدولة الحديثة المنشودة ، والملفات هي ملف محاربة الإرهاب (تنظيم القاعدة)، ملف الحوثي ،ملف الحراك الجنوبي والشمالي والغربي والشرقي ، ملف التعويضات عن أضرار الحروب والصراعات السياسية في صعدة، وأبين ، وصنعاء ، وملف تعويضات النازحين وإعادة الإعمار ، هذه الملفات تتطلب مليارات الدولارات على حساب التنمية المستقبلية التي يطالب بها الشعب اليمني ، وهناك أعمال التقطعات والتخريب لخطوط نقل البترول والغاز والكهرباء وما تسببه من أضرار سلبية على الاقتصاد وعلى حياة المواطنين وعلى موازنة الدولة التي تواجه عجزا كبيرا في مواردها.
يتبين من هذا الواقع المؤلم الذي تمر به اليمن ، أن المرحلة الحالية لا تحتمل أية زيادة في الأسعار وعلى الدولة أن تستمر في سياسة الدعم الحكومي للمواطن الذي يواجه خطر الفقر الناتج عن ارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة ، ولذلك فإن أولوية المرحلة تتمثل في سرعة إعادة بناء الدولة على أساس مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي لا تتعارض مع الثوابت الوطنية لوحدة اليمن وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية وتهيئة البنية التحتية لمقومات الدولة التي تساعد على فرض هيبتها وبسط نفوذها وإصلاح الإدارة الحكومية على أسس ومعايير علمية بعيدا عن التقاسم الحزبي الذي أضر بدولة الوحدة ومنجزاتها.
اليمن في هذه المرحلة لا يبحث عن الإصلاحات السعرية بقدر ما يبحث عن الأمن والاستقرار الذي يساعد على تحريك عجلة التنمية وإعادة الاعتبار للإنسان اليمني الذي أصبح يعيش تحت خط الفقر بسبب الصراعات السياسية التي أثرت على استقرار اليمن وعدم الاستفادة من الموارد الاقتصادية والبشرية التي يتطلب استثمارها توفر الإرادة السياسية المستندة على النظام والقانون لاستغلال الموارد وتوظيفها لخدمة المواطن وتطوير مستوى معيشته ، فاليمن تاريخيا يمثل مخزوناً إستراتيجياً للأمن الغذائي وللقوة البشرية لسكان الجزيرة العربية والخليج طوال العصور القديمة ، وعلينا أن نعمل على استعادة الدور التاريخي لليمن في هذه المنطقة الحية من العالم ونخرج الشباب من دوامة القات الذي استحوذ على عقولهم وقدراتهم وأوقاتهم بإنشاء المشاريع الإنتاجية وتوفير الحوافز المشجعة لهم في مناطق الإنتاج الزراعي أو الصناعي أو السياحي واحتواء الشباب الباحثين عن العمل وإعادة تأهيلهم وتأطيرهم في القطاعات الإنتاجية والخدمية وذلك لن يكون إلا في ظل دولة قوية ومستقرة وحكومة وطنية تمثل اليمن لا تمثل الأحزاب ، وهذا ما ينتظره الشعب اليمني من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي يجب أن تعبر عن حلم الجماهير في تأسيس الدولة اليمنية القوية المبنية على أساس التداول السلمي للسلطة والابتعاد عن الأفكار والشطحات التي لا تخدم وحدة اليمن أرضا وإنسانا ولا تخدم مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي ينشدها أبناء اليمن المتعطشون للحياة الكريمة وللعمل والأمن والاستقرار واستعادة السمعة التاريخية التي كان يتمتع بها أجدادهم، أملنا كبير بأن اليمن سوف يخرج من هذه الأزمة بدولة قوية قادرة على بسط نفوذها وتطبيق النظام والقانون والتوجه نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيد لليمن مجدها الحضاري ومكانتها التاريخية، وأبناؤها قادرون على استعادة دورهم التاريخي في بناء اليمن.
*مدير عام التخطيط م/ المحويت