آراء وأقلام نُشر

مقهاية الإبي

 

أمام ديوان بيتي ثمة زاوية جدار تتناثر عليها صور وبراويز, إحداها تحمل شهادة عن بريد القراء التي حررتها كصفحة ذات مرحلة اعتز بها لعلم الصحافة و شيخها المرحوم الاستاذ صالح الدحان, وبجانبه ثمة صورة لمبنى قديم امامه ارض زراعية يحرثها ثوران.

هناك في ركن من الطريق ثمة بنًائون يؤسسون لمبنى, في زاويته انتصبت فيما بعد ربما في الثلاثينيات من القرن العشرين ما عرفناها منذ طفولتنا ب ((مقهاية الابي)) والتي صارت جزءاً من خيالنا, والمبنى على التلة الصغير للمدرسة الاحمديه - شهدت تفتح املنا- التي هدمها من لا ضمير له!! والشارع الذي حمل امل بلد وحلمه ((شارع 26سبتمبر)) والمدينة التي حملت حلماً بوطن ((تعز)), منه مرت اليمن كلها, شهد الشارع كل المسيرات والمظاهرات, وتوزعت على جانبيه مفردات الحياة بشرا حلمو, شقوا الطريق بالامل والعزيمة, جاؤوا من القرى المحيطة من العدين حتى قدس ومن النادرة حتى أبين, ومن عتمة حتى صنعاء, كان الجميع هناك مع من اتو من يافع وكل قرى الجنوب يصنعون حياة مفعمة بالتطلع. والى مقهاية الإبي تدفقت الافكار, اتفقت, تعارضت,تباينت, ارتفع صوت النقاش, تحول الى صراخ, تطايرت الكلمات والاحرف, لكن الهادي للجميع كان وطنا تشكل هناك وئد فيما بعد, وعلى كراسي الإبي جلست اليمن تاكل قطعة خبز, كل بقدر ((البيس)) التي في الجيب, نص قرص, ربع قرص, قرص, والى جانبي الشارع توزع المستقبل طلابا ينهلون من معين مدرستي ناصر والثوره, كان سعر الواحد الشاهي الملبن بقشه, والعصملي بيسه, وقرص الخبز بخمس بقش, وعبد الله الإبي لا يبخل فيقدم للمحتاج قلص الشاي مجانا, وعلى جانبي سبتمبر توزع رموز الاقتصاد الوطني الحقيقي, بيت الدالي, بيت الغنامي, لجنة النقد اليمنيه, البنك اليمني للانشاء والتعمير, بيت ياسين, صغار التجار الذين انتشروا فيما بعد في شرايين اليمن يساهمون في البنك اليمني, وشركة المخاء للزراعه, ومؤسسة القطن, والمحروقات ويفتتحون دكاكين على جانبي شوارع كل المدن, وسعيد الصلوي يفتتح بوفيته في الزبيري, وفي الركن المقابل للمقهايه هائل سعيد وشركائه, والمحضار ينير بيوت تعز وبعدها صنعاء بالضوء من الجدار, وفي ساقية الشارع مر الاقتصاديون الكبار عبد الغني علي, وبجانب البنك بيت مطهر, عبد الغني مطهر, عبد العزيز عبد الغني,محمد جباري, احمد عبده سعيد, في بيت الغنامي سينما بلقيس, ومعهد تعليم اللغه الانجليزيه امين درهم ومحمد قائد الزعيتري, وبعد سبتمبر رأينا قلاله والمتورات الالمانيه بجانب دار القلم, كان الاقتصاد بكل رموزه ومكوناته وتوجهات لاقتصاد وطني هناك في الشارع سلام علي ثابت في القرب, والاديمي, وبجاش حيدر الاصبحي المقاول, وعبد الملك الاصبحي يأتي من حارة المستشفى وخلف مدرسة ناصر ترى كميات الخشب للحاج عبد الله العديني, كانوا جميعا يصنعون الحياه ويوزعون ما صنعوا على مدن البلاد. رجالٌ كان لهم هدف وبضائع وتوجه, والى الشارع تتدفق البوابير حاملة الجديد بضائع من عدن الى مستودع الشرقي عنوان توحد البلاد من شارع المعلى الرئيسي الى تعز الى الحديده الى علي عبد المغني يحملها بالبوابير حميد علي الحكيمي ومجاهد احمد عباس, وكان قطاع المقاولات على الخارطه رافعة الاقتصاد الوطني المسروق بانتشار الطفيليات فيما بعد اكلت الاخضر واليابس؛ فتحول المكتب الفني المعماري الى لوحة وعبد الملك الاصبحي الى حي قديم وجديد وسعيد الاصبحي في الحديدة الى مجرد اسم جميل!!!, لكن نادي ضباط القوات المسلحه يشهد للاديمي, وكانت السينما تسجل اللحظة عند باب الكبير. كانت اليمن كلها من الاقتصاد الى الصحة بمحمد عبد الودود, واحمد راشد, والدكتور مطهر في بيت هائل سعيد، كانوا كلهم هناك يبدؤون بوضع اللبنة الاولى لحظة كبيرة لم تسجل يمنيا, فأماتها من امات المدرسة وجلس على أطلالها بائعا لحلم بلد, ووأدا لمدينة تحولت الى نائمة, فحالمة, فحانبة, لتحنب البلاد كلها بعدها!!! ليتني املك كاميرا سينمائية, ومعي كاتب, وسيناريست, ومخرج لرايتم اجمل فيلم يمني من مقهاية الإبي الصامده ((شارع 26 سبتمبر....الحلم مر من هنا)).. 

 

* مجلة الاستثمار العدد "43"


 

مواضيع ذات صلة :