
لم أجد سوى مرسى اليوم الذي بات حديث الساعة .. قضايا كثيرة على مسرح حياتنا اليومية أصبحت أحداثاً تتميز بظهور ملفت في بيئتنا العربية " مصري يقتل في لبنان ، وطفلة صغيرة تموت إثر زواجها بشاب ثلاثيني " ، وقضايا أخرى هنا وهناك .. وهذا لم يكون لولا العقول التركيبية التي غزت شباب الوطن العربي وترسخت في وجدانه .. فأصبح متعصب لطرف ضد آخر ، دون أن يُفعل عقله للحظات ؛ والتي أؤكد لو فعّل ذلك لخرج بنتيجة مفيدة له .. ولوطنه ولأمته " الوطن العربي دم واحد " .. ما جعلني أسطر هذا الموضوع هو لما دارت أحاديث بيني وبين شباب .. كان أحدهم في العشرينيات من عمره .. وجدت فيه عشقاً لـ "حماس " .. فسألته .. لماذا كل هذا العشق لهم ..؟ فيرد " أنتي لا تعرفين شياً عنهم".. ؛ والطبيعي تهرب من السؤال وقال: ياليتني عرفتهم منذ الطفولة أو أكون خادماً عندهم ..!! تعجبت من رده ذاك .. لكني أصررت أن أعرف منه إجابة أخرى تقنعني ، وتجعلني أكتشف سر التعصب الذي أصبح من مميزات شباب اليوم والإجابة كانت ( ... ) ؟؟ ؛ ليس هذا فحسب لأدلل على أن الشباب يتم التغرير بهم وإحتلال عقولهم .. بل هناك موقف غريب لم أستطيع أن أجد له تفسيراً .. حيث أن أحد الحوثييون ذو المذهب الشيعي في اليمن سألته عن لماذا تحاربون دولتكم ..؟ قال : لنأخذ حقنا بالحياة ..!! ، وبصفة عامة لو تحدثت مع شيعي ..يشعرك أنهم جنود الله بالأرض وأي مذهب أخر علية غضب الله ؛ والعجيب تجده ببداية الأمر ينكر شيعتة ويقول : مسلم ( لا إله إلا الله محمداً رسول الله وعلي ولي الله) .. فهم يدخلون عليك بالروحانيات ويجردون عقلك من التفكير أمام معتقداتهم ويجعلوا عقل من أمامهم يقول آمين على كل شيء يعقل أو لا يعقل ، فالعقل أصبح بين قبضة يدهم عن طريق العاطفة .
لو تم التركيز على أغلب القضايا الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والدينية ؛ لوجدنا أن من يحركها هو منظومة العقل التي برمجها كل شخص حسب ميوله وإتجاهاته وبيئته التي عاش فيها مع قرناءه ؛ وذلك أمراً طبيعياً " إن القرين بالمقارن يقتدِ " .. وهذه النقطة يستغلها بعض الأشخاص أو المنظمات لتحريك العقول كيفما يشاء لتحقيق أهدافة ، فعلى سبيل المثال: الشاب اليمني الذي فجر نفسه في موكب السفير البريطاني.. فهو لم يكن ضحية للفقر " فوالده رجل أعمال وصاحب شركة مقاولات " .. بل كان ضحية لعقله الذي سخره للآخرين وسمح لهم بأن يوجهونه كما يرغبون .. نحو الدمار والخراب .. بحجة الإنتصار للإسلام وهو بريء من ذلك .. فأضر بسمعة وطنه إقتصادياً وسياسياً .. وربما على أبناء جلدته .. وفي الأول والأخير فقد أضر بمستقبله .. أبسط شيء قتل شبابه ومستقبلة وطموحة في غفلة عقل انتابت الشاب المسكين.. وتلك حالة بحسب وجهة نظري الشخصي هي حالة من حالات اللاوعي العقول ..
تلك الحالات التي تولدت عند سكان الوطن العربي من الشباب والشابات .. لو وقفنا عندها لمعرفة الأسباب .. لأدركنا أن البيئة المحيطة به هي الدافع الرئيسي لذلك .. فمثلا هناك البعض لديهم حب وهوس لجهة أو منظمة معينة تكون دوافعها سياسية أو دينية أو اجتماعية .. فالشاب الذي حدثني عن طريق " الفيس بوك " كان مهووسا بـ"حماس " لماذا ..؟
فالجواب هو أن الناس تنظر للقضية الفلسطينية بلونين فقط هما .." أبيض ، وأسود" ..الأبيض حماس لرفضها حتى التحدث والمفاوضات مع إسرائيل لذلك ربح الأبيض ، وعلى الوجهة الأخر نجد فتح بالنسبة للكثير هو اللون الأسود - العملاء ،فالأساس عندهم هذه النظرة ومن ثم الحكم على الأمور دون عقل أو منطق .. وهذه نظرة ضيقة الأفق والعقول التي تحكم أصحاب المصالح الخفية للنيل والوصول لمناصب يسعون إليها..
وهذا هو الحال لدى الشباب في مصر الذين يعتقدون أن الإخوان المسلمين هم الخلاص لهم من الفقر وضيق العيش، وهم من سيقيمون شرع الله ، ويجعلون الشعب يعيش رغد العيش وحل البطالة وغيرها ..الخ من تلك النظرات الغير صائبة ومنصفة للعقل والمنطق.
ولعل الجميع يعرف قصة "بناء الجدار الفولاذي " التي أقدمت على بنائه مصر بالحدود على غزة " حينها وجدنا جميعاً هجوماً حاداً على الحكومة المصرية واعتبروا أن المصريين " ككل " يريدون قطع الماء والهواء عن أخوانهم بفلسطين ،فكان التهجم عاطفي يسبق العقل ، دون أن يسألون لماذا أقدمت مصر على ذلك .. ولم يفكروا بلحظة واحدة أن العدو الصهيوني قد يجد ذلك يوما ما ذريعة لضرب الأراضي المصرية بحجة أو بأخرى .. وما عملته مصر هو فقط لتأمين حدودها من أي تعنت صهيوني .. وبالرغم من ذلك الجدار .. إلا أن النتيجة كانت هي حفر أنفاق جديدة تحت الجدار ..ويعرضون أنفسهم وغيرهم للخطر ..
ولعل الأسباب قد تكون في البطالة .. الفراغ ..التفكير الخاطئ .. تكون النتيجة تسليم العقل لأيادٍ تجره للتهلكة الفكرية التي تفوق بمراحل التهلكة المادية والفرق بينهم كالأعمى والبصير.
التأثير على العقول أيضا ليس فقط بما ذكرته آنفاً .. العادات والتقاليد أيضا لها تأثير يفوق غيره على عقول الأشخاص ؛ ويكون بالنسبة لهم اللباس الساتر لهم ، ولو قاموا بتغير ولو "عادة بسيطة خاطئة " يعتبرها عار في حقه وفضيحة..
أبسط مثال : الطفلة اليمنية إلهام التي لم تتجاوز الـ13 من عمرها ماتت نتيجة تخلف أهلها وتمسكهم بالعادات والتقاليد التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، فكانت النتيجة موت فلذة كبدهم أثر زواجها بشاب ثلاثيني ونتج عنه تهتك بأعضائها التناسلية مما أدى إلى نزيف حاد فيها أدى إلى وفاتها .
والشيء العجيب والغريب بذات الوقت هو أن الأهل أصبحت مطالباتهم بمحاكمة الزوج الذي تسبب بموت ابنتهم .. لماذا ..؟ وكيف ؟ هل هو من وافق على زواجها بسن صغير..؟ هل هو من ضحى بأبنته نتيجة عادات وتقاليد مهلكة ومدمرة..؟.
فمن المفترض والواجب أننا نسير على نهج كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛..فالله عز وجل لم يأمرنا بإلقاء أنفسنا إلى التهلكة ؛ حيث يقول عز وجل ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ (195) سورة البقرة.
العقل نعمة من الله عز وجل فميزنا به عن سائر المخلوقات فنحن بمقدورنا أن نميز به بين الصالح والطالح ، وبين الطريق الصح والطريق الغلط ؛ فلا ندع أنفسنا تسير وراء أهوائنا
وعواطفنا ونجد بآخر الطريق أننا كنا ننساق وراء سراب .
ختام حديثي سيكون عن الإعلام الذي أصبح سلاح ذو حدين ؛ هناك إعلام يتبع الماديات
والمصالح الشخصية والتابعة له فوق كل إعتبار وتكون النتيجة زرع معلومات وأفكار مغلوطة
ومخلوطة كالسم بالعسل ويشربها شبابنا.. وهذا يعد شىء خطير، فعلى الوجه الآخر الإعلام الهادف الذي له رساله ودور فعال يجد صعوبة في توصيل رسالته على أكمل وجه فالباطل أحياناً يكون لامعاً كبريق الذهب لكنة بالحقيقة نار حارقة عند أعداء الحقيقة .
فرسالتي هذه موجة للإعلام بوجه خاص لإنه أكبر وأخطر وأعظم أداة تؤثر على مجتمعنا العربي بوجه عام ، كما إنها تنقل صورة غير صحيحة عن العرب في الغرب بشكل خاص ؛ ففي الحالتين يجب أن ننعم بإعلام نظيف ينمي العقول ويبنيها ويوجهها التوجية الصح بالنهوض بالتثقيف الإعلامي للفئات الأكثر عرضة للغزو الفكري وهم فئة الشباب والأطفال أيضا لأنهم نالوا نصيباً من هذا الغزو.
و العقل نعمة من نعم الله فلو وجه التوجيه الصحيح سيرفع من أمتنا العربية على المستوى العلمي والتقافي والإقتصادي ..إلخ ؛ وخير الكلام كلام الله عز وجل (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (70) سورة الإسراء.
مدير مكتب الاستثمار نت -القاهرة*