آراء وأقلام نُشر

مشكلات الرقابة المصرفية والشرعية على عمليات المشاركة المتناقصة

لكل عملية تمويل أو استثمار مشاكل رقابية مصرفية وشرعية عامة تشترك فيها مع سائر عمليات التمويل والاستثمار من جهة، ومشاكل رقابية مصرفية وشرعية خاصة تختص بتلك العملية دون سائر العمليات من جهة أخرى، والمشاركة المتناقصة باعتبارها إحدى تلك العمليات يسري عليها ما قدمناه.
والمشكلات الرقابية بنوعيها التي تواجه الجهات الرقابية المصرفية أو الشرعية على حد سواء إنما هي انعكاس للإشكالات التطبيقية التي تقع فيها الجهات التنفيذية في المؤسسة، لذا سنعرض هنا للإشكالات التطبيقية الحاصلة في التطبيق العملي للمشاركة المتناقصة التي تسبب مشكلات الرقابية.
فمن المشاكل الرقابية المصرفية والشرعية نجد عدم الفصل بين أدوار العملية المصرفية في عقد المشاركة المتناقصة؛ إذ نجد أن الموظف الذي يستقبل العميل ويحدد احتياجاته هو نفسه الذي يقوم على أمر تجهيز العملية برمتها، فهو الذي يستقبل العميل وهو الذي يبرم العقود ويستكمل التنفيذ، ومن المعلوم أن تركز المهام في شخص واحد يشكل مخاطر فنية وشرعية على حد سواء.
لذا فمن الوارد جدا أن يقدم الموظف توقيع عقد محله التأخير على حساب آخر يفترض به التقديم؛ فقد يجري توقيع عقد شراء العميل الحصص من المؤسسة قبل شراء المؤسسة والعميل محل الشركة من البائع.
إشكالية أخرى لا بد للنظام الرقابي معالجتها مفادها الربط الواضح بين العقود؛ فمن المعلوم أن عملية المشاركة المتناقصة تضم في ثناياها عدة عقود: الشركة بين العميل والمؤسسة، والشراء من البائع، وبيع المؤسسة للعميل، وقد تتضمن كذلك استئجار العميل حصة المؤسسة، والمطلوب أن تجري هذه العقود بين أطرافها دون ربط منصوص بينها أو اشتراط تعليق أحدها على الآخر؛ فلا يصح- مثلا- أن ينص في عقد الشركة على تعليق صحة الشركة على شراء الشريكين من البائع، أو اشتراط المؤسسة على العميل شراء حصتها من الشركة في عقد الشراء من البائع.
للشركة عموما خاصية مميزة محورها أن يد الشريك على حصة شريكه يد أمانة لا يد ضمان، ومنه فإن اشتراط أي شرط يغير من طبيعة اليد على الأصل يقلب العقد إلى عقد ربوي؛ لأن الصورة حينها تضحي تمويلا مضمونا بفائدة مضمونة.
ومنه فاشتراط امتداد الضمان إلى غير التعدي والتقصير يعد من قبيل التمويل الربوي المضمون؛ مثال ذلك اشتراط أن يكون البيع التدريجي بالسعر الاسمي وليس بالسعر السوقي أو المتفق عليه حين البيع، لأن هذا الشرط في حقيقته إنما هو ضمان من العميل للمؤسسة، أو اشتراط أن يضمن العميل الشريك للمؤسسة حدا معينا من القسط مبلغا مقطوعا بصرف النظر عن تحقق الربح من عدمه، هذا إذا كان الأصل محل الشراكة مدرا للربح وكان الاتفاق على حصص شائعة من الربح.
يضاف إلى المشكلات التطبيقية فكرة اشتمال العقود المكونة للمشاركة المتناقصة على بنود وشروط تخالف طبيعة المشاركة المتناقصة وتأتي عليها بالنقض، مثل اشتراط المؤسسة على العميل أن يشتري حصة المؤسسة بقيمتها الاسمية، أو صيرورة الوعد المنظم للعملية إلى مواعدة متبادلة من الشريكين؛ تعد فيه المؤسسةُ العميلَ بأن تبيعه حصتها من جهة، ويعد العميلُ المؤسسةَ بأن يشتري حصتها من الشركة بالمقابل، والمواعدة المتبادلة الملزمة في هذه الحالة تصبح بمثابة عقد- كما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 40/ 1988م.
ومما يضاف إلى المشكلة السابقة من تطبيقات تنافي الطبيعة التشاركية التي يقوم عليها عقد المشاركة المتناقصة؛ عدم اتساق آليات اقتسام المصاريف وتوزيع الأرباح مع طبيعة المشاركة؛ كما لو كانت المصاريف والرسوم وما في جملتها على العميل فقط مع تساوي الطرفين في الحصص والأرباح، وهذا يدخل العملية في مخالفة للقاعدة الفقهية "الغرم بالغنم" التي تفيد أن توزيع المصروفات والرسوم- والأرباح بالمقابل إن كان الأصل محل الشراكة مدرا للربح- يجب أن يكون متفقا مع نسبة المشاركة في الأصل؛ فلا يصح أن يتحمل العميل من الرسوم والمصاريف أكثر من حصته في الشركة.
إن أحد أهم أسباب الوقوع في المشكلات الآنفة وغيرها يرجع إلى أسباب عديدة لعل أهمها عدم وجود الفهم الدقيق للطبيعة الخاصة لعقد المشاركة المتناقصة؛ التي تقوم على اجتماع عدة عقود مركبة لكل منها طبيعة خاصة تختلف عن غيره من العقود.
المدقق الشرعي الرئيس في البنك العربي الإسلامي الدولي *

 

مواضيع ذات صلة :