آراء وأقلام نُشر

مطار صنعاء يعاود العمل بطائرتين أسبوعياً! ولا حديث للهدنة عن مصير الخدمات الأساسية التي تم استهدافها؟ وأين الدور الأممي؟

مطار صنعاء يعاود العمل بطائرتين أسبوعياً! ولا حديث للهدنة عن مصير الخدمات الأساسية التي تم استهدافها؟ وأين الدور الأممي؟

عبدالخالق النقيب

مطار صنعاء يعاود العمل بطائرتين أسبوعياً! ولا حديث للهدنة عن مصير الخدمات الأساسية التي تم استهدافها؟ وأين الدور الأممي؟

الخلفية الإنسانية التي يبحث عنها اليمنيون في الهدنة ؛ غائبة ،  غائبة عن وعي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ ، ومن معه من وسطاء المجتمع الدولي ، بدأت تحركاتهم الماراثونية وانتهت عند تثبت هدنة معلنة أوشكت على الانتهاء ، وكل ما أسفرت عنه هو معاودة مطار صنعاء للعمل بطائرتين أسبوعياً ، بعد توقف دام لأكثر من ست سنوات جراء حظر تعسفي يفرضه التحالف العسكري الذي تقوده السعودية على المطار الرئيسي للبلاد ، وبالرغم من أن فتح مطار صنعاء مثل بارقة أمل حصل عليها المدنيون بشق الأنفس لإنقاذ آلاف المرضى ممن حكم عليهم حصار التحالف بارتهان حياتهم وقضاء ما تبقى منها في انتظار الموت أو أن يأذن لهم ، إلا أن مشاهد وصول أول طائرة وحجم تبادلها وانتشارها على منصات التواصل الاجتماعي ، جسّدت عمق الشعور المؤلم إزاء التخاذل الدولي عن القيام بمسؤولياته الإنسانية أمام واحدة من صور التداعيات المأساوية لحرب وحصار التحالف على اليمن ، وعجز المجتمع الدولي عن تأمين تسيير رحلات جوية كان بالإمكان تخصيصها للحالات الإنسانية بإشراف أممي، وبدلاً عن ذلك ظلت تعقيداتها تتراكم بشكل يومي وتتضاعف فاتورتها الإنسانية الباهظة على مدى ست سنوات.

فيما يبدو أنه يجري تأطير الهدنة وفق مراوغة سياسية لأغراض لها علاقة بترتيبات الوضع الإقليمي المضطرب بعيداً عن تحديات ما آل إليه الوضع الإنساني من تدهور حاد في البلاد ، ففي خضم الكلام الكثيف للوسطاء الدوليين عن نجاح الهدنة الإنسانية برعاية أممية ، يعود عشرات المرضى مراراً من مدرج المطار بخيبة أمل بعد أن ترقبوا هبوط طائرة تقلهم ، فتم منعها من الوصول ، فيما السيناريوهات المتتابعة للهدنة  لا تتضمن أي حديث جاد  يرتقي لمستوى التعامل مع أكبر كارثة إنسانية في العالم حسب تقارير الأمم المتحدة ، كما أن الصورة النمطية الباردة عن الهدنة لم يرد فيها شيئاً عن تحديد مصير الخدمات الإنسانية التي ظلت هدفاً يومياً للصواريخ الموجهة صوب منشآتها ،  وكأن هذه الهدنة لا يوجد لديها الجرأة حتى على التعاطف والتضامن مع معاناة الشعب اليمني  والبحث عن خيارات حقيقية تنذر بانفراج إنساني معقول يلمس أثره ملايين المدنيين ممن يتجرعون ويلات حرب وحصار لم يلقِ بهم بالا ولا بالمصير الذي ينتظرهم .

فتح مطار صنعاء واليوم العالمي للاتصالات

تزامن وصول أول طائرة مدنية إلى مطار صنعاء منذ ست سنوات ، مع احتفال العالم باليوم العالمي للاتصالات ، وبالنسبة لهذا اليوم يتهافت المجتمع الدولي للتغني بالاتفاقيات والقوانين الدولية التي تكفل ضمان خدمات الاتصالات كخدمة أساسية ترتبط بها بقية الخدمات الإنسانية ، وتوجب على المجتمع الدولي صونها وتوفير الظروف الملائمة لإتاحتها لجميع الناس ، وبالنسبة للبلد المنكوب فإن هذا اليوم لا يُذكرنا بشيء سوى أن اليمنيين يحتفظون بمدنيتهم وحضارتهم في أحلك الظروف ، ربما استطاع نفط التحالف العسكري السعودي منع اليمن من التأثير على عواصم القرار في الغرب ، واستطاع نفط التحالف أيضاً شراء مجموعة من القرارات والمواقف الدولية التي تظل مبتذلة وتتحول إلى وصمة عار في جبين الإنسانية ، لكن في المقابل تبدو دول التحالف أعجز من أن تحجب الصورة الحضارية لليمن وعمق تمدنه ، الانشغال بفتح مطار البلاد لم يمنع صنعاء عن مشاركة العالم الاحتفال باليوم العالمي للاتصالات ، يترفع اليمنيون عن الأوجاع التي أصابتهم ويثبتون للعالم أنه لازال هناك نفس إضافي للتعبير عن معاناتهم بسلوك حضاري متدمن ، وكان لافتاً ما عبر عنه وزير الاتصالات بحكومة الإنقاذ بأن الاحتفال بالمناسبة رسالة حية تعبر عن أصالة اليمن وعمق حضارته الإنسانية ، مختزلاً رسالة اليمنيين وهم يضعون المجتمع الدولي على المحك أمام مسؤولياته وتخاذله وصمته المشين إزاء سلسلة الجرائم العسكرية والاقتصادية التي ارتكبها التحالف السعودي بحق البنية التحية لخدمات الاتصالات.

إن المواقف المتتالية لليمنيين تعمل على تعرية هذا الدور العلني والصريح لتخاذل المجتمع الدولي ، الذي يعد هتكاً للقدسية المفبركة لقوانين ومواثيق حقوق الإنسان ، ويضعهم في تحدٍ جاد أمام الإنسانية جمعاء فإما أن ينتصر لمظلومية الشعب اليمني بكافة جوانبها ، وإما أن يختار الانكفاء في الدفاع وفقدان أحد أركان سلطة تلك القوانين والمزاعم على العالم ، وهو ما فضحته الحرب على اليمن .

ما مصير الخدمات الأساسية ..؟ وأين الدور الأممي؟

سبع سنوات انقضت على حرب التحالف العسكري السعودي على اليمن ، وبمجرد الإعلان عن هدنة إنسانية حقيقية فإن الأولوية هي في الأساس للجانب الإنساني ، وتبنى مواقف أممية ملزمة تضمن إيصال الغذاء والدواء لجميع المدنيين الذين ظلوا يرزحون تحت وطأة المعاناة لسنوات ، وظلت موانئهم مغلقة أمام السفن المحملة بالغذاء والدواء والمشتقات النفطية والتجهيزات الإسعافية المختلفة  ، واستمر استهداف خدماتهم الأساسية وتدمير منشآتها وإقحامها في مسارات الصراع دون توقف ، وتضررت معظم الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والاتصالات والتعليم والصحة وغيرها ،  حتى توقف بعضها بشكل شبه كلي عن عاصمة البلاد وعدد من المحافظات والمدن .

 أي هدنة إنسانية من الطبيعي جدا أن تعطي الجانب الإنساني الأولوية القصوى من اهتمامها ، إلى جانب تأمين الخدمات الأساسية شاملة خدمات الاتصالات ، ناهيك عن تدخل أممي جاد ومباشر لإعادة تأهيل منشآتها وضمان عودة خدماتها لكل المدنيين للتخفيف من معاناتهم  ، حتى تصبح الظروف أكثر ملائمة للانتقال نحو عملية سياسية ممكنة ، وبدونها يمكن القول أن الدور الأممي لن يفعل شيئاً سوى الاستمرار في التسويق لعجزه وإطالة أمد الحرب.

 

صحيفة (رأي اليوم) اللندنية


 

مواضيع ذات صلة :